الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

التحييد عن الحياد

المصدر: النهار
بلال خريس
التحييد عن الحياد
التحييد عن الحياد
A+ A-

تصدّر وسم "#حياد_لبنان" منذ حوالى أسبوعين وفي غضون ساعات قليلة لائحة المواضيع الأكثر تداولاً على مواقع وسائل التواصل، التي ما هي إلا مرآة لما يدور في الصالونات والمجالس المغلقة، واحتل عناوين الصحف ومقدمات النشرات والبرامج الحوارية. تعالت، على حين غرة، الأصوات المنادية بتحييد لبنان عن صراعات الإقليم كمنفذٍ نحو إنقاذ البلد من أزماته برمتها. سارع كل حزب وتيار إلى تفسير هذا المفهوم على مقاسه وبما يتلاءم مع أجندته الخارجية (ما ينسف أساساً أي محاولة للحياد) وازدحم جدول زيارات الديمان بلقاءات مع الأقطاب السياسية، وعُقِدَت المؤتمرات لإعلان المواقف المؤيدة والمنددة وتلك المؤيدة جزئياً. في خضم هذا الإعصار والتجاذب السياسي المستجد، وجد المواطن نفسه قد انجرّ قسراً في هذا الجدال العقيم منحازاً، بشكل عفوي وبديهي، إلى أحد المحورين إما تأثراً بخطاب الزعيم أو بسبب القناعات الناتجة عن غرائز وعصبيات طائفية. تراجع الحديث عن انهيار الوضع المعيشي إلى مركز الوصافة كأن الشعب قد نُوِّمَ مغنطيسياً وتشتتت بوصلته عن أولوياته ومعاناته.

تُحَتِّم طبيعة لبنان الجيوسياسية وتركيبته الطائفية أن يكون هناك انقسام حول موضوع الحياد والذي لا شك يجب أن يكون في طليعة جداول الأعمال لأي اجتماعات أو مؤتمرات حوارية مستقبلية، عندما يحين الوقت. أما طرحه الآن وفي هذه الطريقة فتشوبه العديد من التساؤلات:

• التوقيت: لم يكن هناك، أقلّه مؤخراً، أي حدث أو استفزاز خطابي يستدعي طرح موضوع الحياد بهذا الزخم البروباغاندي والتجييشي. لم يكن السقف بهذا العلو حتى حين كان الانخراط في الصراعات الإقليمية في أوجه وأكثر علانية. بالإضافة إلى ذلك، عادةً ما تُطرح الأمور وتصبح مدار جدل وبحث عندما تكون على صلة بالأزمات الراهنة والطارئة والتي تُختصر حالياً بكيفية انتشال لبنان من أزمته الاقتصادية المعيشية الداخلية وليس الوقوف عند مدى صوابية قرارات الأطراف الداخلية في الانخراط في لعبة المحاور. فكيف تسلّق موضوع الحياد سلم الأولويات، ولماذا التسويق له الآن وفي هذا التوقيت؟

• الآلية: من السهل المطالبة بالحياد ولكن ما هي الآلية لتحقيق ذلك؟ الأكيد أنه لا يتحقق بكبسة زر بل يتطلب خارطة طريق واضحة الأطر والقوانين والأنظمة والتفاهمات تستطيع تحصينه من أي خرق، وتضمن للبنان حقوقه. يتوجب أيضاً تحديد من هي الدول التي يجب الحياد عن تبعيتها؟ كما يجب تعريف "الصراعات" التي يجب الحياد عنها، فهل هي عسكرية فقط أم اقتصادية، عقائدية، قومية؟ كذلك، هل من إمكانية لتحقيق الحياد قبل الاتفاق على استراتيجية دفاعية جامعة؟ هل تحتاج إلى تعديل دستوري أو بيان وزاري جديد؟ وبالتالي فمن المستحيل إنجاز هذه المتطلبات بوتيرة موازية لسرعة انهيار البلد.

• الاستعجال: يتهيأ للمواطن لوهلة أن الفشل في تحقيق الحياد فوراً قد يُدخل البلد في آتون أزمات خانقة هو بغنى عنها، ما قد يعكّر فرص الازدهار والبحبوحة، وأن الحياد هو المفتاح للمساعدات الغربية والعربية. ولكن في الواقع، فإن لبنان هو على بعد إنشات من ملامسة القعر اقتصادياً واجتماعياً، وقد وصل عميقاً داخل الأتون، ولذلك فإن الاستعجال يجب أن يكون باتجاه استرداد الأموال المنهوبة والمهربة قبل كل شيء.

المشكلة الأساسية تكمن في تحديد الأولويات. عندما انتفض الشعب في 17 تشرين طالب بمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين واسترجاع ما نُهِب وهُرِّب، والعبور إلى دولة مدنية عادلة. لم يكن السلاح الأولوية ولا موقف لبنان مما يجري في محيطه أو ما شابه. إن تحريف هذه المطالب والعبور على جسدها نحو مواضيع تثير الانقسامات الطائفية والانتمائية هو أكبر تأكيد أن أحوج ما يكون إليه لبنان الآن هو حكومة تكنوقراط حقيقية نقية "تلفظ" أي انتماء طائفي وحزبي وتنصرف إلى الإنقاذ والتخطيط. فلنحيد أنفسنا، كشعب، عن موضوع الحياد وغيره من أساليب التشتيت، ونعيد توجيه البوصلة نحو أهدافنا ومطالبنا.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم