الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كيف يبدو الصراع بمواجهة تداخل التغيّر المناخيّ وكوفيد-19؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
كيف يبدو الصراع بمواجهة تداخل التغيّر المناخيّ وكوفيد-19؟
كيف يبدو الصراع بمواجهة تداخل التغيّر المناخيّ وكوفيد-19؟
A+ A-

هنالك العديد من موجات الحرّ التي تضرب مناطق مختلفة من العالم مثل الشرق الأوسط والولايات المتّحدة. لا يزال ربط هذه الموجات بالتغيّر المناخيّ أمراً صعباً حاليّاً. لا ينطبق هذا الموضوع على موجة الحرّ التي ضربت سيبيريا في حزيران والتي حطّمت جميع الأرقام القياسيّة السابقة.

"شبه مستحيل"

في تقريرها منذ أيّام، نقلت شبكة "فرانس-24"، عن مبادرة "إسناد الطقس العالميّ" التي تدرس الأحوال الجوّيّة المتطرّفة أنّ ما حصل في سيبيريا "كان شبه مستحيل من دون تغيّر مناخيّ بفعل تدخّل إنسانيّ". جاءت خلاصة الدراسة نتيجة لتنسيق عدد من فرق بحثيّة ألمانيّة وهولنديّة وروسيّة وسويسريّة وبريطانيّة.

وصلت الحرارة في بعض بلدات سيبيريا إلى 10 درجات فوق معدّلها العام، بينما بلغ معدّل الحرارة فوق كامل المنطقة 5 درجات أعلى من المعتاد والذي كسر الرقم القياسيّ السابق لأحرّ شهري حزيران في 2018 و 2019.

بينما وصلت الحرارة في بلدة فرخويانسك في شمال الدائرة القطبيّة، وهي إحدى أبرد البلدات على الأرض، إلى 38 درجة في 20 حزيران الماضي، وهي الحرارة العليا التي تمّ تسجيلها شمال الدائرة القطبيّة على الإطلاق. والتهمت الحرائق ما مساحته 2750 كيلومتراً من الغابات، مع ضخّ 50 مليون طنّ من ثاني أوكسيد الكربون في الأجواء.



تخلق الحرائق حلقة مفرغة في الاحترار العالميّ مع إطلاق غازات الدفيئة من الأشجار إلى الغلاف الجوّيّ. لكنّ الحرائق في الدوائر العليا ذات أثر أشدّ بما أنّها تطلق الكربون من التربة المجمّدة والحيوانات المحنّطة طبيعيّاً داخلها. كما يتحرّر غاز الميثان بهذه العمليّة وهو أقوى ب 25 مرّة من ثاني أوكسيد الكربون في تفعيل الاحتباس الحراريّ.

ويبلغ معدّل الاحترار بالقرب من القطب الشماليّ ضعف المعدّل الذي تشهده سائر مناطق الأرض لأنّ الجليد الذي يعكس أشعّة الشمس إلى الخارج آخذ بالذوبان. والمياه العذبة المتدفّقة من الصفائح الجليديّة إلى مياه المحيط أكثر امتصاصاً لحرارة الشمس. لكلّ هذه الأسباب، تتّخذ الأحوال الجوّيّة المتطرّفة بالقرب من الدائرة القطبيّة الشماليّة أهمّيّة خاصّة. ففي 2050، يمكن أن تصبح حرارة سيبيريا أعلى بما بين 2.5 و 7 درجات مئويّة بالمقارنة مع سنة 1900.


آلاف الوفيات الإضافيّة

تكرّرُ حالات موجات الحرّ حاليّاً وفي المستقبل سيصعّب على العاملين في المجال الصحّيّ مواجهة وباء "كورونا" أو غيره من الأوبئة. في الولايات المتّحدة، تفتقد نسبة 25% من المنازل للمكيّفات، الأمر الذي يضطرّ السلطات إلى نقل المتقدّمين في السنّ إلى مراكز مكيّفة عامّة كالمكتبات.

عندها، يتعرّض هؤلاء لاحتمالات الإصابة بالفيروس لوجودهم في أماكن مكتظّة. تترافق هذه الموجات مع تلوّث في الأجواء ممّا يؤثّر سلباً على صحّة المواطنين خصوصاً الذين يعانون من أمراض تنفّسيّة. وبإمكان الحرّ التأثير سلباً على صحّة من يعانون من أمراض القلب. لهذا السبب، ترى العالمة في "صندوق الدفاع عن البيئة" إيليسا أوكو وجوب التعامل مع أزمتي "كوفيد-19" والتغيّر المناخيّ بشكل متزامن.



سرت توقّعات أوّليّة بإمكانيّة أن يساهم الحرّ وازدياد ساعات الإشماس وارتفاع الرطوبة في تقييد انتشار الفيروس، لكنّ ذلك لم يحصل. لا تزال منظّمة الصحّة العالميّة تسجّل أعداداً قياسيّة للإصابات تتخطّى 220 ألفاً يومياً. لكنّ الرقم الأعلى الذي شهده العالم كان أكثر من 259 ألف إصابة يوميّة السبت ومن 237 ألفاً الجمعة.

وسجّلت الولايات المتحدة 75 ألف إصابة منذ ثلاثة أيّام وهي حصيلة قياسيّة جديدة تشهدها البلاد منذ بداية تفشّي الوباء. واليوم، بات على العالم الاستعداد لفصول صيف صعبة على صعيد مواجهة "كورونا" أو الأوبئة المحتملة الأخرى، وموجات الحرّ معاً. فالأخيرة تحصد آلاف الوفيات سنويّاً في أكثر من دولة. على سبيل المثال، شهدت فرنسا وفاة 1500 شخص بين حزيران وتمّوز 2019. ومنذ 1997 و 2006 ساهمت موجات الحرّ بوفاة 5600 مواطن أميركيّ سنويّاً.


"فرن"

بما أنّ هذه الموجات ترفع عدد الذين يحتاجون دخول المستشفيات، سيتعرّض القطاع الطبّيّ للإرهاق، وستتقلّص قدرتها على استيعاب المرضى. ويتخوّف أطباء متخصّصون في مجال الأوبئة من أن يرفع بقاء الناس في منازلهم احتمالات العدوى الداخليّة. وثمّة مخاوف أخرى من مهاجع العمّال التي شكّلت بؤرة خصبة لانتشار الوباء بعيداً من أعين السلطات الرسميّة حتى قبل بدء موجات الحرّ. بإمكان بعض الأشخاص أن يستمرّوا في التنقّل من مكان إلى آخر خلال الحرّ، بحثاً عن الراحة، الأمر الذي يرفع عدد الإصابات حتى ولو لم يختلطوا مباشرة مع غيرهم من الناس.

ترى دراسة في "مجلّة نيو إنغلند الطبية" أنّ "مخاطر كوفيد-19 الصحّيّة أعظم حين تكون تطوّرات الطقس أكثر حدّة" بسبب انتشار الضرر والنزوح على مستوى أوسع. وأضافت أنّ الطقس الحارّ يصعّب على المواطنين وضع الكمّامات إضافة إلى اكتظاظ المستشفيات. ولم تتوقّع الدراسة بروز حلحلة جدّيّة قبل ابتكار لقاح فعّال ضدّ الفيروس. لهذا السبب، وحتى ذلك الحين، "ستواصل أزمة المناخ فرض مخاطر وجوديّة" وفقاً للمجلّة التي دعت إلى "تطبيق استجابات صلبة ومتساوية لكلتا الأزمتين."

إذا ازدادت وتيرتا موجات الحرّ والأوبئة خلال السنوات المقبلة فسيتطلّب الأمر من الحكومات لا تصميم مراكز تبريد أو تكييف جديدة لاستيعاب المزيد من الفقراء وحسب، بل سيكون عليها إعادة هندسة المدن لاستيعاب المزيد من النازحين إليها والآتين من القرى والأرياف.

فبحلول سنة 2050، من المتوقّع أن يعيش أكثر من ثلثي سكّان العالم في المدن وفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتّحدة للتنمية. وعادة ما يعيش الفقراء في أبنية غير ملائمة مؤلّفة من غرف ضيّقة مبنيّة من جدران الطوب ومسقوفة بألواح معدنيّة الأمر الذي يجعلها "فرناً بالمعنى الحرفيّ" وفقاً لما يقوله أحد الخبراء في التخطيط المدنيّ.

يوماً بعد يوم، يظهر موضوع التغيّر المناخيّ ارتباطه، تأثّراً وتأثيراً، بالعديد من ميادين النشاط البشريّ أكان على الصعيد الفرديّ أو الجماعيّ. لو تمّت معالجة الاحترار العالميّ في وقت مبكر لجنّبت الحكومات الصراع على جبهتين، كما يحصل اليوم. لكنّ الأوان لم يفت بعد. فالمزيد من التأخّر يعني الصراع مستقبلاً على جبهات أكثر تعدّداً وأعقد تراتبيّة.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم