الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بعهد بو دكه الثعلب اكل السكة

المصدر: النهار
خالد الحاج
بعهد بو دكه الثعلب اكل السكة
بعهد بو دكه الثعلب اكل السكة
A+ A-

يُحكى أن في غابر الأيام وصل إلى الحكم في بلادنا رجلٌ يكنى بـ"أبو دكة"، وقد كانت حال البلاد سيئة والوضع الاقتصادي في الحضيض، كما كانت البلاد مثقلة بالضرائب للسلاطين وأباطرة الزمان، إلا أن أبو دكة الذي وصل صدفة إلى الحكم، لم يكن له باع في السياسة والحكم، فقام بإلغاء جميع الضرائب والديون والجزية عن المواطنين. فرح الناس وتفاءلوا خيرًا بالعهد الجديد، الا أن زمن الفرحة كما هو معلوم قصير، لم تطل فرحة الناس، فبإلغائه الضرائب تأخر دفع المعاشات لقوات الشرطة والجيش، فتقاعسوا عن القيام بدورهم. انتشرت السرقات والقتل في البلاد وانتشر معه الفساد، وحدث أن جاء يومًا رجلٌ إلى مجلس أبو دكة يشكو الحال، فقال بأن عاملاً لديه ذهب صباحًا ليحرث الأرض فلم يجد سكة المحراث، وهو يعتقد أن أحدهم سرقها، وهو الأمر الذي لم يحدث في عهود الحكام السابقين، فانبرى أحد وزراء أبو دكة مدافعًا رافعًا سبابته، قائلًا بأن العامل هو السارق، قاطعه الرجل مرددًا بأنه يثق بعامله وبأمانته، فأردف وزير آخر متسائلاً ما إذا كان العامل قد نسي مكانها، فرد الرجل أن عامله ذاكرته قوية ولم ينس يومًا شيئًا، دخل الوزير الثالث النقاش قائلًا إنه كان أمينًا وذاكرته قوية لم يبقَ غير أن يكون ثعلبًا قد مر في المكان ظن المحراث دجاجة فأكلها. ضحك الرجل وقال مستهزئًا إنه يعتقد ذلك. انتصب عندئذٍ أبو دكة قائلاً بصوت عالٍ وبنبرة غاضبة: "ما دمت تعرف اذاً أن الثعلب هو الذي أكل سكتك، فلماذا جئت تتهم أحد المواطنين بسرقتها وتشوه سمعة العهد والنظام؟ فقال الرجل: حتى لا يقال بعهد بو دكه الثعلب أكل السكة.

قد تكون هذه الرواية الشعبية من الروايات المتعددة في التراث اللبناني لشخصية أبو دكة. وقد وثق الكاتب اللبناني سلام الراسي عميد الأدب الشعبي واحدة منها، ويعد الفلكلور والروايات الشعبية جزء أساسي من تاريخ البلاد، فهي موروثات الشعوب وذاكرتها الجماعية حيث دائمًا ما حملت في طياتها العبر والدروس، وهي تعطي لمحة عن الثقافة والمواقف والآراء لعامة الشعب في ذلك الزمان، هي موروثاتنا الفكرية التي تعكس الأنماط الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية للمجتمع، بصورة تحمل في بعض الأحيان نقدًا لاذعًا للواقع بطريقة غير مباشرة. وبما أنها موروثات إنسانية تناقلتها الشفاه، فهي تقع حكمًا في دائرة التحديث والإضافات للمجتمعات طبقًا لظروف الزمان والحاجة للزيادة أو التقليم. استعملت القصص الشعبية في الكثير من الأحيان لنقد الواقع السياسي للمجتمعات، فعملية نقد الحاكم بالمباشر مثلًا، كانت تؤدي لأن يخسر الإنسان رأسه بسيف أو مقصلة أو أن يُنفى في أفضل الأحوال، كما هو الحال اليوم. لكن بدل خسارة الرأس ممكن أن تخسر حياتك برصاصة، عملك، حياتك الاجتماعية أو أن تُدفع للهجرة وأبسطها أن تدفع غرامة. لذلك كانت القصص الشعبية المتنفس لحرية الرأي والتعبير. ساحة استطاعت الشعوب أن تستعمل خيالها فيها بأوسع دائرة لإضافة مؤثرات تصف الواقع بصورة فاقعة، كأن تستعمل مملكة الحيوانات لوصف الواقع السياسي فتنتقد الحاكم وعهده وبلاطه أو أن تدخل العفاريت والشياطين والغيلان في خدمة قضيتهم.

تمتلك القصص الشعبية رونقاً خاصاً بين الموروثات الإنسانية وهو الرعونة لأن باستطاعتك أن ترسم ما تريد دون حدود للخيال، كأن يصل أبو دكة للحكم صدفة، ويجعل من الغيلان وزراء له، ويجعل من السحرة سكان بلاطه. قد تسأل نفسك عن مستوى ذكاء الغول عند كل قرار ليجعل منه وزيرًا للحاكم، قد تبحث عن المنطق في القرارات الشحيحة طويلًا، قد تتفهم قرار منع الخروج والولوج ليلاً من الغابة لكي لا تصادفك الوطاويط، قد تبحث عن مشكلة معمل الموز بادارة القرود وانت تسأل أين يذهب الموز؟ قد تشعر بالذنب أنك لم تقل شكراً عشر مرات عن شيء لا تعلمه، قد تسأل الكثير من الأسئلة وتنتظر لسنوات بحثًا عن جواب منطقي لسؤال غير منطقي، غير أن كل القصص الشعبية تمتلك قاسماً مشتركاً واحداً بين جميع القصص وهي النهاية، النهاية في أكثرية القصص الشعبية دائما سعيدة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم