السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

صرخات بكركي في برّيّة العهد!

ريتا العضيمي
صرخات بكركي في برّيّة العهد!
صرخات بكركي في برّيّة العهد!
A+ A-

لم يكن الموقف الأخير لغبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي هو الأوّل من نوعه في ظلّ عهد الرئيس ميشال عون، حيثُ اتّسمت نداءاته المباشرة في عظاته أو عبر بيانات مجلس المطارنة الموارنة الدورية بدقّ الناقوس حيناً والاحتواء حيناً آخر.

النداءات السياديّة التي رسمت صورة الصّرح البطريركي وسيّده وما يُمثّلان من تاريخٍ نضاليّ منذ تأسيس لبنان الكيان، بلغت أوجّها في العشرين من أيلول عام 2000 حين رفع البطريرك صفير عصاه بوجه الوجود العسكري، الأمني والسياسي للنظام السوري في لبنان، مُطلقاً شرارة انتفاضة الاستقلال الثاني التي تُوّجت بعد خمسة أعوام في الرابع عشر من آذار وأدّت إلى انسحاب الجيش السوري.

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية على الشعب اللبناني الذي بات يرزح بأغلبيته تحت حدود الفقر والبطالة والمجاعة، وسط شللٍ تامّ للسلطة وتقاعسها عن إيجاد معالجة ناجعة للانهيار المتسارع، أطلّ البطريرك الراعي في الخامس من تموز واضعاً الاصبع على جرح الأزمة الرئيسي مُطالباً الرئيس عون بفكّ الحصار عن "الشرعيّة"، والمجتمع الدولي بمساندة لبنان لتثبيت استقلاله وتطبيق القرارات الدولية وإعلان حياده. سيّد بكركي عاد وأطلّ أمس مجدداً نداءه التاريخي رافضاً بصوتٍ حازم تفرّد أيّ طرف بتقرير مصير لبنان، غامزاً من قناة الأكثريّة النيابيّة وما تُمثّل عبر تحذيرها من المساس بالدّستور والميثاق والقانون.

ليست المرّة الأولى التي تأخذ هذه المبادئ السياديّة مساحتها "بنبرة حادّة" على منبر رأس الكنيسة المارونية السابع والسبعين في عهد الرئيس الثالث عشر للجمهورية اللبنانية، فقد لجأ البطريرك الراعي إلى قرع جرس التّنبيه من الخروج على الأصول الدّستورية التي تحكم الدولة عند كلّ استحقاقٍ مصيريّ أو طرح قضيّة وطنيّة هامّة، كان أبرزها لدى إقرار مرسوم التجنيس منذ عامين حين أُثيرت حوله ضجّة عارمة لمخالفته أبسط القواعد وشموله أسماء غير مستحقّة وفق معارضيه، حيثُ رفع البطريرك الراعي صوته بوجه العهد مُعتبراً أنَّ الاعتراض عليه محقّ كون مبدأ منح الجنسية اللبنانية هو رابطة الدم لا الأرض ولا الخدمات، مؤكّداً أنّه "توطين" مخالف للدستور كما يتضمّن أسماء لا تُشرّف لبنان.

وحول انقسام اللبنانيين بين مؤيّد ومعارض لوجود السّلاح خارج إطار الدولة وتحت مُسمّى "المقاومة" كما مشاركة حزب الله في الحرب السورية، استتبع الراعي موقفه البارز الذي أطلقه في تموز 2013 حين اعتبر أنّ كلّ سلاح غير شرعي مرفوض وأنّ الجيش اللبناني والقوى المسلّحة تحمي اللبنانيين وتحفظ كرامتهم؛ ذلك حين وصف في آذار 2017 خطوة مشاركة الحزب في الحرب السورية بـ"إحراج اللبنانيين" حيثُ لم يقم الحزب أيّ وزنٍ لرأي الدولة اللبنانية، مُضيئاً على تساؤل كثر من اللبنانيين عن منح الحقّ لحزب سياسي بحمل السّلاح دون غيره.

منبر مَن أعطي له مجد لبنان كان جاهزاً للردّ المباشر في أواخر أيّار المنصرم على انتقاد المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان لصيغة النظام السياسي اللبناني، حيثُ حذّر الراعي من مغبّة المساس بالدستور مؤكّداً أنّ لبنان ليس بدولة متروكة ومستباحة، وأنّه لا يحقّ لأيّة جماعة سياسية التّصرّف في شؤون البلاد والمواطنين بقلّة مسؤولية، وبذات الروح التي أوصلت الدولة إلى الحضيض، معتبراً أنَّ الدفاع عن هذا الكيان يجب أن تتولّاه الدولة وشرعيتها وجيشها دون استئثار من أحد.

نداءات البطريرك المتتالية لم تستثنِ يوماً حمل السّهام في وجه الفساد المستشري داخل المؤسسات العامة كما سوء القيادة التي تُمعن السلطة السياسية في ممارستها، وهو الذي رفع الصّوت عند عرقلة الموازنة وقانون الانتخاب وعمل أجهزة الرقابة لمصالح شخصية ومذهبية. ولا شكّ أنّ ولوج البطريرك الماروني خط الهجوم الأوّل على "العهد" بانَ في أيار الماضي مع بدء السلطة الحالية بسلسلة من التوقيفات والملاحقات بحقّ الناشطين السياسيين المعارضين حيثُ قال: "هل تحوّل نظامنا إلى بوليسي؟"؛ مُتسائلاً عن التأخير في إقرار التعيينات القضائية الموعودة.

صرخات بكركي المطالبة بتثبيت الاستقلال ورفع الحصار عن الشرعية وحصر السلاح بيد الدولة وترسيخ النظام الديمقراطي ونزع اليد السياسية عن القضاء ولجم شهوات الفساد والإفساد، ملأت برّيّة العهد حيثُ لا مُجيب ولا من يحزنون أو يشعرون؛ فهل ستكون مواقف البطريرك الراعي قارب خلاص للشعب اللبناني الهالِك؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم