السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

تعددية سلطات الفساد

خالد الطراح- كاتب كويتي
تعددية سلطات الفساد
تعددية سلطات الفساد
A+ A-

انحصر سابقاً التعريف بالفساد في الاستغلال لسلطة الحكم والقرار سواء كانت بيد فرد أو أكثر ممن يملكون النفوذ في توجيه هذه السلطة نحو مصالح خاصة ليتكسب منها المؤتمنون على القرار اي السلطة، لكن مع الزمن اصبحنا أمام تعددية سلطات من الفساد وليس سلطة واحدة!

كانت التعددية السياسية والحزبية من الاهداف التي تنشدها الشعوب والقوى السياسية الاصلاحية، وهو ما قاد تاريخياً الى ثورات وانقلابات حملت معظمها النفس عينه والهدف الواحد، هدف التغيير نحو هزيمة الانظمة المستبدة والطاغية في حكمها، بعيداً كل البعد من مفاهيم ومقومات العدالة الاجتماعية وصون الحريات الفردية والمشاركة في صناعة القرارات.

دفعت هذه النظريات والأهداف التحررية الى ولادة جيل من النخب والمناضلين، الذين خاضوا معارك فكرية ومواجهات دموية مع قوى الاستبداد والقمع والطغيان والسلطة المطلقة، من اجل ان تنعم الشعوب المضطهدة بميزان العدالة الحقيقية، وليس التي يجري فرضها عسكرياً وبقوة سيوف سلاطين جائرة.

اليوم، تغيرت المعادلة بصورة مفزعة للغاية، فقد أصبح هناك سلطات للفساد، تتحكم في مصائر الشعوب والدول، وتسللت جرأة غير مسبوقة في الحديث العلني عن الرشى وغسل الاموال وتفسيرات ومبررات للفساد من شخصيات مختلفة، على مستويات برلمانية ورسمية وإعلامية ايضا.

فقد شاع وهم بين كثيرين ان كل شخص قادر ان يكون مدرسة او مرجعاً، بالرغم من عدم توافر اي مقومات فكرية وعلمية وموضوعية، من الممكن أن تضفي شيئا من القبول للاستماع للآراء، وهذا لا يعني بأي حال من الاحوال أن الآراء الحالمة يمكن ان تتحول يوماً الى مدرسة تقصي التاريخ أو تشوهه وهماً وافتراء أو تأويلاً.

هناك نائب في مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، وهو رئيس اللجنة التعليمية بالمجلس ويسبق اسمه حرف الدال اي انه دكتور في مجال ما، لكنه لم يتوانَ من التعليق في اكثر من مناسبة وفي مجلس الامة تحديداً، على آفة الفساد المستشرية بالكويت، بقوله "دولة الفساد افضل من لا دولة"!

النائب الفاضل الدكتور عودة الرويعي قدم تفسيره الشخصي وغير العلمي تحت قبة عبدالله السالم، بيت الامة، بأن "الفساد نسبي بالكويت وليس مطلقاً وأن ليس هناك من يخاف ان ينام في بيته، وان ليس هناك دولة في العالم ليس فيها فساد" اي ان الفساد مصير حتمي في العالم.

قطعاً لا يمكن القبول بهذا القول والتفسير والتبرير، فلا يمكن الدول والشعوب ان تتطور اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، اذا كان للفساد مكان ووجود في اي دولة بالعالم، حيث ان الفساد لا لون له ولا يقاس بحجمه وطوله ولونه ولا يمكن الفساد إلا ان يهز اركان الدولة ان لم يهدمها بالكامل، ومن يدعي غير ذلك فهو واهم وأعمى البصيرة، فللفساد سلطة تدمر ولا تعمر الدول والمجتمعات.

من المحزن ان يكون هناك اكثر من تفسير وتبرير للفساد، وما اخشاه ان يخرج يوما صوت مناديا بتشريع الفساد وتعدديته!

الامر الغريب الاخر في الكويت، فبعد سلسلة محاولات دستورية بهدف تصحيح طبيعة الكيان القانوني لهيئة مكافحة الفساد "نزاهة"، التي تعمل تحت مظلة الحكومة أي انها تتلقى الاوامر من الحكومة ولا تحظى بكيان قانوني مستقل او تابع لمجلس الامة، اصبح لها مجلس ادارة جديد يرأسه وزير كهرباء سابق وهو يحمل شهادة بالهندسة.

من المعروف ان تخصص الهندسة هو مجال علمي بحت لا علاقة له بالقانون والسياسة والاقتصاد، لذا لم تكن هناك مؤشرات نحو التفاؤل بالمجلس الجديد لهيئة مكافحة الفساد، فالهيئة تابعة للحكومة اساساً وجاء على رأسها مهندس، وليس صاحب تخصص سياسي او اقتصادي ومالي قد يكون مناسباً ومسانداً وقريباً من القانون.

لكن الحكومة كما جرت عليه العادة ترى أشياء وأموراً مختلفة تماماً عما يراه الشعب أهل الاختصاص، فبدلاً من انشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد تابعة للسلطة القضائية أو السلطة التشريعية، خرجت الى النور هيئة حكومية لمكافحة الفساد واستبدل مجلس الادارة القديم بمجلس جديد برئاسة مهندس.

هذا لا يعني التقليل من شأن التخصص الهندسي ولا يعني الطعن بذمة المهندس المعني، ولكن كيف يمكن مهندساً أو طبيباً او عارض ازياء ان يقود هيئة مكافحة الفساد؟!

لا شك في أن ثقل صدقية الاهداف لهيئة مكافحة الفساد تصبح عرضة للتأرجح والتجريح والسخرية والنقد المباح، فضلاً عن تحول الموضوع إلى مصدر للتندّر مهما طال الزمن أو قصر.

[email protected]

Twitter: @kalTarrah

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم