الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لا لن نجوع بل جُعنا وقُضي الأمر...

المصدر: النهار
البروفسور مارون خاطر
لا لن نجوع بل جُعنا وقُضي الأمر...
لا لن نجوع بل جُعنا وقُضي الأمر...
A+ A-

تلاقت الأزمة الاقتصادية بالجائحة الكونية على أرض لبنان المثقلة أصلاً بأعباء النزوح والسياسة والفساد. بات الأمن الغذائي بخطر، فتحولت فصول الفقر والعوز رواياتٍ حزينةٍ تُدمي القلوب. أما حكومة مواجهة التحديات، الباقية حتى يقضي الله أو أحدهم أمراً، فمنقسمةٌ، لا بل تعاني من انفصام مرضي حادّ. ففي الوقت الذي توقع رئيسها أن تصبح نصف الأسر اللبنانية غير قادرة على تأمين الغذاء مع نهاية العام الحالي، يجزم بعض أركانها الأساسيين أنَّ لبنان لن يصل إلى مرحلة يجوع فيها شعبه الجائع.

أممياً، يشدد برنامج الأغذية العالمي، وهو أكبر وكالة إنسانية معنيَّة بالأمن الغذائي والمساعدات الغذائية في العالم، على ضرورة التأكد من توفر الأمن الغذائي في لبنان، ولا سيما لدى الفئات الفقيرة، وهي الأكثر ضعفاً وتضرراً في الأزمات. أمَّا لجنة الأمم المتحدة للأمن الغذائي، فقد حددت الأمن الغذائي بتوفر الإمكانية المادية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤمن الحصول على أغذية كافية ومأمونة وحياة صحية.

انطلاقاً مما تقدَّم فإن تحديد وضع الأمن الغذائي لبلد معين، لا يمكن أن يستند حصراً إلى توافر الغذاء فيه. فالوصول الثابت والمستدام للغذاء وكيفية استخدامه، يشكلان عناصر أساسيةً تدخل في صلب عملية التقييم. فهل تنطبق هذه التعريفات على لبنان في خضمّ أزماته؟

في ما خص توفر الغذاء، يؤمن الاستيراد الجزء الأكبر من حاجات لبنان الغذائية، ما يجعل توافر الغذاء مهدداً بسبب أزمات شح الدولار، وتدابير الحد من تحويل الأموال التي تتبعها المصارف بصورة استنسابية. يشير برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقاريره، إلى أن الإنتاج المحلي للحبوب يغطي 20 في المئة فقط من الكميات المستهلكة سنوياً في الأسواق اللبنانية. يُضيف التقرير نفسه أن الغذاء المتوفر لهذه الأسواق غير متاح لشريحة كبيرة من اللبنانيين، حتى قبل انتشار كورونا. يعود ذلك، بحسب المرجع المذكور، إلى زيادة التضخم وتفاقم الأوضاع الاقتصادية وخسارة الوظائف. تجدر الإشارة إلى أن سعر سلَّة السلع الغذائية الأساسية سجلت زيادة بنسبة 40٫1 % بين أيلول 2019 وآذار 2020 بسبب التضخم المفرط في أسعار المواد الغذائية والمرتبط ارتباطاً وثيقاً بالانخفاض غير الرسمي لقيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي. أثَّرت هذه العوامل وبشكل كبير على الأمن الغذائي للأسر اللبنانية في بلد قارب فيه معدل الفقر 30% قبل أزمة كورونا.

اسمعوا يا من ترسمون المستقبل بأقلام الماضي وبحبر الأزمنة الغابرة. لقد زعزعت الأزمات المتلاحقة وغير المسبوقة أوضاع اللبنانيين المعيشية وأنزلتها إلى حضيض اللاعودة. فبات الفقر أكثر حدة والضعف أكثر انتشاراً والذل أكثر ألماً. يستند البنك الدولي إلى توقعات نمو سلبي للناتج المحلي للفرد في لبنان خلال العام 2020 السيئ الذكر ليتوقع ارتفاعاً في مستوى انتشار الفقر قد يصل إلى 45% بعد أن كان في حدود 37% في العام المنصرم. سيضع ذلك 22% من اللبنانيين تحت خط الفقر الغذائي في نهاية عام 2020 بعد أن كان 16% في العام 2019.

بالأرقام، وأنتم مُتقِنو فَنَّها وموضّحو دقَّتها ودلالتها...

في بلدنا 335000 عائلة فقيرة منهم 163000 عائلة يخافون الموت جوعاً! في بلدنا مليونا فقير نصفهم لا يشبع خبزاً!

لقد وصلنا منذ زمنٍ بعيد إلى المرحلة التي جاع فيها اللبنانيون وشبعوا جوعاً وانتحاراً وهواناً...

أما إذا كانت الأرقام تذكركم بخطتكم الإصلاحية العظيمة وبالفشل الموصوف لمفاوضاتكم مع صندوق النقد الدولي فلا مشكلة، إذ إن الجوع لا يحتاج إلى الأرقام ليُثبَّت...

انظروا إلى عيون الأطفال فتجدوهم فقراء وأبناءً لفقراء.

اسألوا أطباء الأطفال في الضواحي فيخبروكم أن الكثيرين من مرضاهم يعانون سوء التغذية، فاعرفوا أن أهلهم جائعون.

فتشوا في الصيدليات عمَّن يشترون الدواء بالحبة فيتضح لكم أننا في عين الكارثة.

استنطقوا الكهنة والشيوخ فيخبروكم أنَّ في الأحياء من يأكل كل يومين فاطلبوا رحمة الله للأحياء بالإيمان.

لا تعتقدوا أنَّ الجوع يُفقد العاقل حجته فَيَعدو معتوهاً يصدق كلامكم البالي...

يا حكَّام لبنان، يا من ائتُمنتم على كرامة شعبه ومستقبله، يا من تصلي لكم الكنائس وتدعو لكم الجوامع والخلوات،

يا أيها المخططون والمنقذون والمصلحون والمبدعون والماورائيون،

لقد طغت على حياة شعبكم مظاهر الفقر والحزن والوجع، وملأت نفوس مواطنيكم مشاعر اليأس والخوف والإحباط.

كَسَّرَ القهر أحلام اللبنانيين، وجَعَلَ عجزكم الموصوف صبرهم ينفذ حتى بات العيش للبعض منهم أكثر قسوة وأشد مرارة من الموت!

إن الحقول والمعامل تئن، كما الأحياء والأزقة والبيوت والأعتاب تئن...

إن شبكات الأمان الاجتماعي في بلدنا هي الأضعف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لا تنتظروا أن يتحول الأنين صراخاً فتسمعوا، لا تقبلوا أن يصبح للجوع صوتٌ فترأفوا...

احكُموا الأرض من الأرض، انزلوا من أبراجكم والمسوا التراب الذي يقتاته الكثير من أبنائكم.

زوروا بيوت الفقراء فتتيقنوا أن الجوع لن يأتي بل إنه حَضَرَ، حلَّ واستقر وبات جزءاً لا يتجزأ من ألم النفس والجسد فعساه يكون جزءاً من ألم الضمير...

الجوع في لبنان حقيقة مُرَّة لا ينفع معها النكران والمكابرة والقصائد والسلّة.

إن كل ما تقولونه وتزعمونه لا يغير في الحقيقة شيئاً... في لبنان أطفال ينامون بلا عشاء وشيوخ يتمنون الموت وآباء ينتحرون!

يا من تشدُّون العزم وتبذلون الجهد لتردّوا عنا الجوع الذي فتك بنا، إنَّا نخشى أن تأتونا يوماً لردِّ الموت فنكون عند مجيئكم راقدين على رجاءِ القيامة!

*أستاذ محاضر وباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصادية

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم