السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الناس الذين لا يملكون الكثير، كيف تبدو قصص حبهم؟

هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
الناس الذين لا يملكون الكثير، كيف تبدو قصص حبهم؟
الناس الذين لا يملكون الكثير، كيف تبدو قصص حبهم؟
A+ A-

أحاديثهم تأتي من بعيد. من ذلك الرواق، هناك، حيث بائع الكعك "يتساير" مع "منجّد" الأثاث... ووجه تلك البائعة النضر وضحكتها المهيوبة. والتاريخ قصّة، لن تكون يوماً هادئة، "مضبضبة"، "بنت عيلة". ومحادثات المباني القديمة السريّة. والأهم، مذاق سوء التفاهم المُزمن مع المجتمع. وتاريخ عريق إختار أن يذهب للمشي بعيداً "تيلملم حالو". التاريخ قصّة تتربّص خلف ضحكة بائعة الخضر المهيوبة. وصراخ الأولاد. وجوعهم العتيق. وثوب أسود مطرّز ترتديه العاشقة المُنكسرة حداداً على عظمة التاريخ بنكهاته الثائرة، والشهيّة. تاريخ شاهق "لملم حالو" لكي لا يكون الشاهد على كل هذا الحرمان. ومحادثات المباني القديمة الرطبة بفعل الإهمال. مُحادثات سريّة، والمباني مُتصدعة. والكعك الطرابلسي "يالّلي طالع طازة" من الفرن. "عيشة هنيّة"؟ بالكاد. مسكن لذيذ و"طراطيش" من أحاديث تأتي من بعيد، من ذلك الرواق هناك حيث النهايات البائسة.

معرض "طرابلس الشرق، المدينة التعدديّة" لهدى قساطلي هو تحيّة جليلة من خلال الصور الفوتوغرافيّة لآلاف السنين المحفوفة بالثقافة والعراقة لمدينة إنتهى صيفها قبل أن تتلو الأيام أنشودة الشكر... وكان فجأة إقتحام الشتاء القاسي الذي إستمر سنوات طويلة في المدينة التي تريد بأي ثمن أن تروي تاريخاً جديداً أقل ظلمة... وصراخ الأولاد... والناس الذين لا يملكون الكثير: كيف تبدو قصص حبهم؟

هو المعرض الثالث من سلسلة معارض "هدى قساطلي - 365 صورة فوتوغرافيّة" تستقبله غاليري أليس مغبغب إفتراضياً حتى نهاية الجاري. سنة كاملة من الإحتفال بتحيّة قساطلي الفنيّة لطرابلس الجريحة في الموقع التابع لغاليري مغبغب الأنيقة. 365 صورة تلخص عذابات وريثة ثروات هندسيّة وإنسانيّة وثقافيّة لا تحصى ولا تعد، تعيش اليوم، كما كتب في الكراس التابع للمعرض "إهمال دولة مفلسة".

في المعرض الجاري، 41 صورة إلتقطت بين العامين 1990 و2020، وتعرض اليوم للمرة الأولى. قساطلي تقول ل"النهار": "مدينة تعاني سوء سمعتها، مرادفة للعنف، طرابلس هي قبل كل شيء، مدينة نجهلها. إن تنوّع تراثها الأثري والتاريخي والمعماري، ومهارات سكانها العديدة، يضعها في مقدمة مدن لبنان. هذا المعرض جزء من محاولة لإستعادة وجه طرابلس الحقيقي".

ظلمة أول الليل. العشّاق "عم بيلملموا حالن". والمدينة المزخرفة بالأحياء التاريخيّة تحاول إخفاء الكارثة الإجتماعيّة والإقتصاديّة والإنسانيّة المتفشيّة في ضواحي المدينة. الشوق لبساطة أيام رحلت وما زالت الذاكرة تُعيد سرد أنشودتها خوفاً على الصيف الذي إنتهى بالفعل. ويد الفساد تتكتّم وتتعجرف, ومدينة العيش المُشترك تُدندن لحن البدايات.

ورائحة الكعك الطرابلسي "يالّلي طالع طازة" من الفرن يتداخل مع الأحاديث الآتية من هناك، من ذاك الرواق البعيد.

والمصوّرة هدى قساطلي تلقي الضوء على المعالم الهندسية التعدديّة، والمهارات، والفنون الحرفيّة الحيّة، والنكهات المتعددة الخاصة بطرابلس الشرق.

الناس الذين لا يملكون الكثير، غالباً ما يكونون الأكثر عظمةً.

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم