الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

السؤال القاسي: ماذا سيغيّر موتكَ يا علي؟

المصدر: النهار
ديانا سكيني
ديانا سكيني
السؤال القاسي: ماذا سيغيّر موتكَ يا علي؟
السؤال القاسي: ماذا سيغيّر موتكَ يا علي؟
A+ A-

ورود، شموع، دموع، قهر، إدانات، شتائم للطبقة السياسية الفاسدة، عدسات وسائل إعلام، عشرات المتضامنين والمتحمسين لتحويل اللحظة إلى ثورة. كلّ ذلك في مكان انتحار علي الهق.

على "تويتر" وأخواته، سنجد الأمور نفسها مع فارق بعدد أكبر من المتضامنين والمقهورين والداعين إلى ثورة من المنصات الافتراضية.

حتى اللحظة، لا شيء يوحي بتغيير المعادلة التي تبقى لصالح ما يسميه الغاضبون في شارع الحمراء، سلطة فاسدة.

أصلاً سبق لناجي الفليطي وغيره أن قرّروا إنهاء حياتهم لوضع حدّ للصعوبات المعيشية وضيق الحياة. وكان موتهم حدثاً عابراً.

أصلاً سبق أن وضعت اليد على الأموال في المصارف، وارتضى الجميع الوقوف في الصف من أجل الحصول على مئة دولار، فما بالكم بالوقوف في الصف أمام الأفران ومحال الصيرفة ووكالات السفر. ما بالكم بالتوقف عن تناول اللحمة. تفاهة. نحن شعب مجرّب فلا تجرّبونا!

بين "الجبابرة" أشخاص فقدوا السيطرة وقرّروا إطلاق رصاصة الرحمة على رؤوسهم وأمعنوا في رسم سيناريو عملية الانتحار بدقة ربما توخّت إيقاظ شعبهم. ربما. هكذا ثبّت علي الهق سجله العدلي النظيف على رصيف، ورمى جملة "أنا مش كافر" على الطريق، أمام المقهى، أمام المارة، أمام التاريخ، أمام الرمزيّة... نفذ علي عمليته ورحل كما يرحل الشعراء ذات صيف. ما مواهب علي؟ لماذا يحجم أقرباؤه عن روايتها الآن؟ ليس الوقت المناسب. هل اختار المكان والزمان والنهار علّه يصبح شرارة؟ هل بقيَ في يأسه شيء من التفكير بالآتي، بالأثر، بما بعد الرحيل؟ الشك قائم. كلّ ما في مسرح النهاية يحمل الإشارة. السجل العدلي. الجملة. يأسه لم يكن من دون وصل معنا. من دون رسالة إلينا...

ولكن ماذا نخبره؟ إنه الآن حديث وسائل الإعلام ومادة "نووية" لعبقرية مقدمات نشرات الأخبار الجماهيرية ومانشيتات الجرائد التي تطبخ الآن. إنه حرّك انتفاضة غضب افتراضية. إن قلّة نزلت إلى مكان الانتحار. السؤال محرج وقاسٍ. لا نعرف تماماً ماذا سيغيّر موتك. لا نعرف إن أردته حقاً أن يغيّر شيئاً. الأرجح أنه سيكون علينا اعتياد الأمر كما اعتدنا نوائب أخرى. "أصلاً نحنا منحمل جبال".

ساعات على الرحيل، لم يُسمع تعليق مسؤول أو أسفه أو اعتذاره. لم يحرّك الانتحار ضيقاً ضمير استقالة، سيّما لدى وزراء عرفت عنهم رهافة القلب. لم يحرّك استكانة يأس أو تطبّع مع الانهيار لدى شعب قد يكون كثيرون من بينه قريباً من المصفقين لتسوية سياسية تجمع الخصوم والحلفاء من الداعين الى محاربة الفساد ومن العاملين على إخفاء صفقاته، ومن حلفاء هذا المحور وذاك. لم يحرّك موت علي استكانة يأس أو تطبّع أو تبعية لدى شعب قبِل أن لحظات 17 تشرين الحقيقية يمكن أن تغتال وكفى، وأن بعضه اكتفى بشرف المشاركة في تحرك مجيد لمحاولة بناء دولة، ولكنه متمسك الآن بسردية أن الثورة ومجموعاتها مشروع فاشل والأدلة كثيرة، وأن بلدنا واقع على فالق زلازل سياسية، يحكمه الصراع الأميركي- الإيراني، وتبعات سلاح "حزب الله"، والطوائف، والتركيبة الفاسدة، ووجوه زعاماتية طائفية تعرف جيّداً كيف تخيف وتحمي، ونظام عنيد على التغيير. طيّب.

يصرّح الآن وزير الصحة من المطار بالتعويل على موسم اصطياف رائع. المغتربون آتون ومعهم دولارات. إصابات كورونا بالعشرات ولا أحد يراقب حجر مئات العائدين لكن الفيروس وراءنا. الشواطئ ممتلئة بالمسترخين والجبال بالمتنزهين. التسوية تطبخ وتشهد شدّ حبال. رفوف السوبرماركت تمتلئ وتفرغ. قد تسقط الحكومة وقد لا تسقط. الدولار يتدلع بين 8 و10 آلاف. التحقيق الجنائي ممنوع. "كرول" إسرائيلية ولا حديث عن غيرها. شريط التشويش طويل ويطول. مسخ الكرامة يواجه الاستكبار. والسيادة تبحث عن تعريف. والحقيقة الوحيدة أنك اخترتَ الرحيل يا علي.

يحرجنا موتك ويعرّي عجزنا أكثر فأكثر ويلطّخ كرامتنا بالعار.

رسالتك وصلت. وصلتنا. لكن ماذا بعد؟

بعد موتك بقليل، وردنا خبر انتحار السائق الصيداوي سامر حبلي. وهذا ليس كل شيء.

وماذا بعد؟

هل قلتم شابات وشبان وأساتذة جامعات وطلاب وأطباء ومهندسين وفنانين وعمال وعاطلين عن العمل وأمهات ملأوا الساحة بالأحلام وبالتصميم على وضع اللصوص وراء القضبان؟ أتقصدون الأشخاص أنفسهم الذين يناجون الهجرة اليوم؟ لنعِش ونرَ.

[email protected]

@dianaskaini

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم