الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

لوحة رقم صفر

المصدر: النهار
هديل المغربي
لوحة رقم صفر
لوحة رقم صفر
A+ A-

لم تكن المحاولة الأولى، لكنها كانت الأخيرة.

حينما تكللت محاولاتها التائهة بالنجاح وأيقنت أخيراً معنى طعم الحياة، وأدركت أن ما فاتها لم يكن من الصواب، فلطالما كانت تتوسل أن تسعفها سنوات عمرها كما الأفكار حتى تتمكن من الصعود عوضاً من الانكسار.

وهذا ما جرى فعلاً، عندما اجتازت جوارحها حدود الطبيعة وأطلقت العنان لتبحر في تفاصيل اللحظات وأشكال العلاقات، فوضعت كل قصة على لوحة وجلست معها المسطرة بجانب اللوحات، وبدأت بترقيمها من واحد حتى آخر لوحة. فكانت تقرأ النتيجة بوضوح، كصوت الحب في البدايات. يملؤها الامتنان لقيمة الوقت ولأهمية الشخوص ولشجون بعض الساعات.

حتى توقفت عند لوحة منسية، بلا رقم ولا عنوان، كادت تُهلك في زحام الأيام، فراحت تمسح عنها الغبار وتحاول فهم المغزى منها وتفك شيفرة بعض الإيماءات. وبعد الانتهاء، أدركت أنها لوحة تساوي كل تلك اللوحات، وما فيها يختصر عناء المسافات، وينهي ما سبق من محاولات.

لأنها المحاولة الأخيرة والقيمة الوفيرة، فهي عبارة عن فطرة سليمة تحتوي قلباً سمحاً وعقلاً فذّاً ووجهاً فرحاً ولساناً لبقاً. هذا هو الإنسان، في كل بيت، في أي علاقة وفي كل مكان، لذلك، وبسرعة، قامت بترقيم هذه اللوحة بالرقم صفر، لأن هذا هو الأساس وكل ما هو فوق الصفر، يكون إضافة الإنسان لنفسه، وما هو تحت الصفر يكون انتقاصه لنفسه أيضاً. لهذا احتفظت بهذه اللوحة دون غيرها من اللوحات!


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم