الأربعاء - 17 نيسان 2024

إعلان

حكومة الكاظمي كسبت الجولة الأولى

مهى سمارة
حكومة الكاظمي كسبت الجولة الأولى
حكومة الكاظمي كسبت الجولة الأولى
A+ A-

بحكمة وروية واتزان، يحاول رئيس الوزراء العراقي مصطفى كاظمي أن يعيد الاستقرار ويدخل التغيير التدريجي إلى العراق.

في فترة وجيزة نسبياً سجل عهده بدايات جيدة وواعدة. استكمل ملء الحقائب الشاغرة في حكومته مما يسرع في تنفيذ البرنامج الحكومي. أعاد الهيكلة في الدوائر الأمنية و العسكرية والإدارية والف فريق عمل كفؤ بتعيين القاضي رائد جوعي مديراً لمكتبه والفريق الركن عبد الأمير رشيد بار الله رئيساً لأركان الجيش، والفريق عبد الأمير الشمري قائداً للعمليات المشتركة، والفريق علي الأعرجي أمين سر وزارة الدفاع.

أعاد الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي إلى مركزه السابق رئيساً لجهاز مكافحة الإرهاب. معظم هؤلاء العسكريين قادوا الحرب على داعش بين 2014 -2017 .

استحدث منصب وزير دولة من التركمان وهي محاولة جادة لرفع الحيف عن أقلية عرقية صغيرة. تجاوب مع الحركة الاحتجاجية الشعبية أو الانتفاضة بتكليف الجيش بدلاً من قوى الامن رعاية المتظاهرين بعد الشكاوى العديدة التي طالبت بمحاكمة المسؤولين الأمنيين الذين خطفوا و قتلوا أكثر من 700 شهيد من الشباب.

التشكيلات الجديدة دعت العراقيين يشعرون بوجود نفس جديد بل امل جديد باستعادة السيادة العراقية و منع الدول من تحويل العراق إلى ساحة صراعات و منطلق لتوجيه هجمات ضد دول أخرى.

تركيز رئيس الحكومة منصب على استرجاع هيبة الدولة العراقية و إحياء عمل المؤسسات وحصر و السلاح بيد الجيش والتحضير لانتخابات نيابية مبكرة. كمطلب أساسي ورئيسي للحركة الاحتجاجية الشعبية. المنظومة السياسية تتخوف من الانتخابات المبكرة لأنها ربما ستقضي على وجودها. إذ هي المستهدفة والمتهمة بالفساد والمحسوبية والارتهان للخارج. الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في تشرين الاول الماضي أيقظت الحس الوطني الحقيقي للمواطن و عرّت الأحزاب التقليدية و الميليشيات الطائفية و المذهبية. وأياً كانت الاتجاهات التي تأخذها الحكومة أصبح الشارع العراقي رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه. الشباب هم الحاضنة الرئيسية و الصادقة للتغيير والداعمون الحقيقيون للكاظمي.

يعوّل على شخص الكاظمي لتحقيق المطالب الشعبية إذ جاء إلى الحكم بدون خلافات مسبقة مع أي طرف. علاقاته جيدة مع جميع القوى مما قد يساعده للتحرك بسرعة إلى الأمام و إخراج العراق من مأزق الجمود السياسي. وإذا استطاع العراق الخلاص يمكن أن تستفيد دول أخرى في المنطقة من التجربة.

وفي قرار لافت أخذته الحكومة مؤخراً يمنع دخول الأجانب البلاد إلا بعد الحصول على تأشيرة لقطع دابر الفوضى التي سادت خلال الفترات الأخيرة وأدت إلى استباحة إيران العراق و كأنه حديقة خلفية و بئر نفط وسوق لبضائعها.

وبموجب هذا القرار التزم قائد فيلق القدس اسماعيل أقاني الحصول على تأشيرة على رأس وفد إيراني زار بغداد مؤخراً. وتشكل هذه الزيارة فرقاً منذ زمن قاسم سليماني الذي استباح الحدود و تغلغل في مناصب الدولة و ثنايا المجتمع.

كذلك وجهت وزارة الخارجية العراقيةرسالة إلى السفير الإيراني المعتمد في بغداد أيرج محمدي أن تقتصر اتصالاته مع الدوائر الرسمية و الالتزام بالقواعد الديبلوماسية و الكف عن بناء علاقات مع زعماء عشائر و رؤساء أحزاب و شخصيات دينية.

والملاحظ للمراقبين أن قبضة إيران بدأت تتراخى في العراق نتيجة ثلاث عوامل مهمة : غياب سليماني عن المسرح السياسي.

تأثير العقوبات الأميركية على طهران و تدني أسعار النفط و مفاعيله المعيشية و الاقتصادية على الشعب الإيراني. و نجح الكاظمي في استغلال الانشقاقات و الخلافات الموجودة داخل مراكز القوى الإيرانية كما استفاد من الانقسامات الموجودة بين فصائل الحشد الشعبي حيث توزعت الولاءات بين المرجعية الدينية في النجف و مرجعية خامنئي أي في طهران.

وسياسة الحكومة الناعمة و الديبلوماسية بدأت مباحثاته تعطي ثمارها و تعمل فرقاً. زيارة رئيس الوزراء لمقر الحشد الشعبي و مباحثاته مع رئيس هيئة الحشد فالح فياض كانت بداية موفقة لأن لا مصلحة للعهد الجديد أن يكون على عداء مع الحشد خصوصاً بعد ظهور داعش مجوداً و دور الحشد في محاربة الإرهاب. ومن أول ثمار هذه الزيارة دخول أعداد كبيرة من الحشد إلى الجيش النظامي.

والكاظمي حريص على إقامة أحسن العلاقات مع يران على مستوى دولة لدولة كما تقتضي الأعراف الديبلوماسية ومراعاة حسن الجوار . العراق يستورد 40 % من حاجاته الأساسية من إيران. و إيران تسيطر شبه سيطرة تامة على قطاع البناء في بلد دمر الإرهاب مدنه و قراه ويواجه مشكلة إيواء النازحين داخل بلدهم.

لم يرق لقوى الشر المتربصة بالعراق ان ترى البلد يتعافى و يستقر في ظل حكومة جديدة. خرج تنظيم داعش من اوكاره في الصحراء في الأيام الأولى من عمر الحكومة و عاد يحرق المزروعات والمواسم ويفرض خطوات على المزارعين و يقتل الأبرياء. ودعا فصيل صفير يدعى "ثأر الله" تابع لإيران للتظاهر في البصرة أدت إلى اشتباكات مع قوى الأمن وأوقعت قتلى و جرحى. أطلقت ميليشيات متطرفة تابعة للحشد الشعبي صواريخ استهدفت السفارة الاميركية ثلاث مرات في المنطقة الخضراء. لم تعر حكومة الكاظمي أهمية لهذه التحرشات و طوقت ذيولها بسرعة وانصبت اهتمامها على المواضيع الأمنية الأخطر و العمليات الإرهابية الأكبر.

وفي الأسابيع الاولى من عمل الحكومة ألقت المخابرات العسكرية العراقية القبض على الرجل الثاني في داعش حياً المهندس عبد الناصر قرداش المرشح لخلافة البغدادي و المسؤول عن الصناعة الحربية في التنظيم.

ويعتبر هذا الصيد كنزاً ثميناً لكشف معلومات قيمة عن خطط التنظيم ، مشاريعه وتمويله و عناصره...

وخلال السنتين الأخيرتين استطاع جهاز الأمن الوطني العراقي رصد و مطاردة فلول داعش و قتل حوالي 80 شخصية قيادية في داعش كانوا متواجدين في محافظتي الانبار و صلاح الدين. والاعتقاد السائد أن التنظيم نقل قاعدته من الأراضي العراقية و اتجه نحو الحدود العراقية السورية الطويلة و التي تتجاوز اكثر من 600 كلم.

كما تمكنت مؤخراً قوات التحالف الدولي عبر درونز من قتل معتز الجبوري الملقب بالحاج تيسير و هو المسؤول عن التخطيط و التنسيق للعمليات الإرهابية الخارجية. و برأي مصادر أمنية عراقية لم تعد داعش تشكل خطراً على العراق لأنه لا يسيطر على أي أرض عراقية بعد أن انتقلت قيادة التنظيم إلى البادية السورية.

وهذا يختلف عما كانت عليه الامور بين 2014-2017 عندما كان داعش يسيطر على ثلث الأراضي العراقية. خلاياه أصبحت الآن شبه منتهية في العراق و لم يعد قادراً على تهديد المدن و المواطنين كالسابق نظراً للمواجهة الاستباقية التي تقوم بها قوات التحالف الدولي الغربي و قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

وجهود الكاظمي تركز على تحسين الاوضاع المعيشية و الاقتصادية للعراقيين والحد من انتشار وباء كوفيد 19 و تدني أسعار النفط. بفضل الحكومة أعيدت الأضواء إلى ليالي بغداد المظلمة عندما قامت الولايات المتحدة الأميركية ببادرة طيبة للعهد الجديد بالسماح باجترار الكهرباء و النفط من إيران لمدة أربعة شهور . وهذه البادرة تشكل إشارة لافتة باتجاه طهران أيضاً في زمن العقوبات والكورونا و تبادل إطلاق المعتقلين بين أميركا و إيران. و الإطراء الاميركي بمناسبة إطلاق طهران سراح مايكل وايت ادت إلى دعوة الرئيس ترمب الإيرانيين إلى التفاوض بدون الانتظار لانتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية . وقد يكون عرض ترمب جاء رداً على خطبة المرشد الأعلى خامنئي عندما المح إلى صلح الحسن مع معاوية .. إشارة رمزية تفتح باب التفاوض مع واشنطن.

واي فرصة تقرب الحوار الاميركي الإيراني ينعكس إيجابياً على التطورات في العراق ويفعل عمل الحكومة. ومن أولى الاهتمامات التي جاءت بها حكومة الكاظمي بدء المفاوضات الاستراتيجية العراقية الاميركية وتفعيل الاتفاقية التي وضعت سنة 2011. وخلال يومين من المفاوضات بحث إمكانية تنفيذ العقود التي لم تنفذ و توسيع آفاق التعاون الامني و المخابراتي و اللوجستي ليطول التبادل التجاري والاستثمارات الاجنبية وخاصة في قطاع النفط، البيئة، الصحة، التربية و التعليم العالي والتكنولوجيا.

وتمكنت اللجان المختصة الرفيعة المستوى من تخفيض عدد القوات الأميركية و إعادة انتشارها على أن تستأنف المفاوضات لاحقاً في شهر تموز القادم. وتشكل الوجود العسكري الاميركي (5000 جندي) مادة خلاف وجدل بين العراقيين. إيران و أنصارها تطالب بانسحاب القوات الاميركية فوراً. بينما الأكراد و السنة و بعض الأحزاب الشيعية والحكومة ترى مصلحة عراقية في بقاء القوات نظراً لحاجة العراق إلى محاربة داعش و ردع إيران . وقبل افتتاح المفاوضات أعلن وزير الخارجية الاميركية بتقديم مساعدة مالية بقيمة 100 مليون دولار للعراق تجاوباً مع الموقف العراقي الرسمي الذي يردد "هناك حاجة للمعونة الأميركية" أميركا وافقت أن لا يكون لها قواعد دائمة وثابتة في العراق، وتفعيل الجوانب السياسية والاقتصادية لتطوير العلاقة الثنائية بين البلدين.

والمعونة الحقيقية للعراق و حكومة الكاظمي جاءت من العرب و خاصة من المملكة العربية السعودية و دول الخليج الذين رحبوا بعودة الابن الضال إلى الحظيرة العربية. وبعد تأليف حكومة الكاظمي اتصل الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان مهنئين بتسلمه السلطة وعارضين المساعدة و كذلك فعلت الكويت و الإمارات العربية المتحدةو البحرين.

والموقف السعودي ترجم فوراً باستقبال الرياض وزير المالية العراقية السابق عبد الامير علاوي موفداً من الكاظمي حيث قدمت المملكة هبة مالية تؤمن دفع رواتب الموظفين في أجهزة الدولة من مدنيين و عسكريين و متقاعدين.

كما أبدت الكويت استعدادها لتأجيل تحصيل استحقاقات احتلال الكويت في 1991 إلى موعد آخر. ووعدت الإمارات العربية المتحدة بتقديم مساعدة مالية محترمة.

و يواجه العراق البلد النفطي الثاني أزمة مالية خانقة بسبب الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة خلال الهيمنة الإيرانية و سيطرة المذاهب والاحزاب و الميليشيات على منظومة الحكم التي سرقت و نهبت لسنوات خيرات العراق. وعندما خرج عادل عبد المهدي من الحكم وجدت الخزينة فارغة و خاوية مما تطلب نجدة الأشقاء الخليجيين.

تدني أسعار النفط و سيطرة إيران المباشرة على منظومة الحكم عبر وكلائها وزبائنها الذين عاثوا في الأرض فساداً أدى إلى إفقار العراق وشعبه عملاً بإرشادات ونصائح قائد فيصل القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني الذي شجع الفساد مقابل الولاء لإيران والسير في مخططاتها.

وتبدي إيران مرونة في التعامل مع العراق. قبلت على مضض بالكاظمي بعد أن استحال بقاء رجللها المفضل عادل عبد المهدي. تتصرف طهران من وحي الواقع الذي تعيشه بعد رحيل سليماني و ثقل العقوبات وسوء الأوضاع المعيشية و الاقتصادية عندها. لذلك نرى أنها خفضت من تدخلاتها. السافرة ورضخت للأمر الواقع و فضلت ممارسة الاحتواء لمواجهة موجات الغضب العراقية التي عمت العاصمة ومدن الجنوب التي طالبت بخروج إيران من العراق والتي توقفت بسبب انتشار الكورونا مهادنة إيران. تخيف بعض المراقبين كالمفكر السياسي العراقي الدكتور غسان العطية من تحضير إيران "كمائن" لتعطيل مسيرة الكاظمي. لا يوجد أوهام عند الكاظمي او غيره من إمكانية انسحاب النفوذ الإيراني من العراق مرحلياً. إيران تمثل للأسف الدولة العميقة في العراق وانسحابها من أرض الفرات يعني فشل مشروعها التوسّعي "الهلال الشيعي" في الإقليم، لذلك الاعتماد على حكمة و عقلانية وصبر الكاظمي وسياسته الناعمة للتعامل مع إيران بأقل مشاكل و خسائر ممكنة. التغيير سيأتي تدريجياً ومحافظةً للاستقرار.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم