صيغة 1943 سقطت إلى غير رجعة

يروي لي صديقي النائب جان عبيد انه عندما زار الرئيس شارل حلو في مقره الرئاسي في سن الفيل، وكان لا يزال يمارس عمله الصحافي في منتصف ستينات القرن الماضي، بادره يومذاك شاكيا له الزيارات المتكررة شبه اليومية لرؤساء بعض الرهبانيات المارونية له قائلا: يا جان مش عارف شو بدّي رد عليهم؛ ساعة بيجيني راهب ويقول لي نحن الموارنة أسسنا لبنان. ويأتيني آخر ويقول لي نحن الموارنة بنينا لبنان. ويأتي غيره ويقول لي نحن الموارنة فضلنا على لبنان. ماذا عساني اجيبهم حتى يحلّوا عن ضهري. قلت له: هيْني فخامة الرئيس، قل لهم: كلا ليس الموارنة وحدهم اسسوا لبنان او بنوه او لهم الفضل فيه دون غيرهم، بل كان معهم شركاء أساسيون في الوطن، مسلمين ومسيحيين. ولكن نعم الموارنة وحدهم سيدمرون لبنان.الله الله على هذا الاستشراف الواعي والرؤية الوطنية الصافية عند جان عبيد منذ ستينات القرن الماضي، قالها بهذا البُعد الوجداني وكأنه يعرف ان ممثلي المارونية السياسية لن يكونوا بصراعاتهم السياسية والحزبية دمويين ومجرمين بحق بعضهم البعض فحسب، بل بحق طائفتهم ووطنهم أيضا.وقد التقى طبيب الرئيس كميل شمعون الدكتور المحترم زيدان كرم مع النائب عبيد عندما كتب في مقاله الذي حمل عنوان: "استحوا واخرسوا" الذي نُشر في العزيزة "النهار" بتاريخ الجمعة 5/7/2019: ان اجدادنا الموارنة حفروا هضاب الجبال بالمعول والرفش وحوّلوها الى ارض زراعية بالقمح والعنب والزيتون. وورثنا لبناننا الكبير عنهم فبذرناه واحرقناه كالابن الشاطر واصبحنا نربي الخنازير. وبسبب الدماء التي سالت في صراع الديوك بيننا، اصبح الموارنة كالمغول يجتاحون الوطن ويحرقون كل موجوداته ويقطعون الأخضر واليابس فيه.وهذا ما تجلّى فعلا من ردود الفعل على كلام المفتي الجعفري الممتاز احمد قبلان التي صدرت من بعض جهابذة المارونية السياسية، ولاقاهم فيها بعض جهابذة السنية السياسية، والذي كان نعى فيه صيغة عام 1943 التي قام عليها لبنان في اعقاب الاتفاق "الهزيل" الذي أُبرم بين بشارة الخوري ورياض الصلح مع شخصيات لبنانية أخرى وسمّوه...