الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"ذئبة" لحكمت حسن: أبدية تكسّر الأمواج على الصخور الخالدة

المصدر: "النهار"
يوسف طراد
"ذئبة" لحكمت حسن: أبدية تكسّر الأمواج على الصخور الخالدة
"ذئبة" لحكمت حسن: أبدية تكسّر الأمواج على الصخور الخالدة
A+ A-

تمطرنا الكلمات فرحًا على ضفاف الكتاب، فكيف الهرب من الحلم وراء فتنة البوح، الكامنة في ديوان "ذئبة"، لحكمت حسن، الصادر عن "دار نلسون". 

ديوان ليس كحكاية (ليفيوس) وأشعار (أوفيد) عن ذئبة (روموس ورومولوس)، تلك الذئبة التي أرضعت توأما كانا ثمرة اغتصاب (مارس) إله الحرب للعذراء الجميلة (ريا سيلفيا). بل إن ذئبة الشاعرة حسن، أوحت بقضم أشرعة الحب، والقسم على "وهم الأسوار" لتعبر الشمس بابًا إلى "رسائل الكون".

من يقرأ برهبة السحر يسرح "بديمومة الألوان"، منصتًا إلى صمت العصافير، حتى و"لو كان العالم" لا يدرك الليل. وينساب "بين نبضين" في "أسطورة" لم تُدوّن. يهرب مع الظلال صادحًا بلغّة العيون. متربصًا للحب القادم من "فجوة في الجدار" كنسيم الفرح، ليُرتي رداء الشمس بـ"خيط ماسيّ". يشهق "شهيق" الريح خاطفًا "خيوط المطر". يظهر من إشراقة نور هادرة في حطام اللّامحدود بعد "اختفاء". ينعتق مع الشاعرة من معادلة الجاذبية، ليسقطا معًا في مركز القصيدة، استباقًا لصيام البوح. يتلوى على جمر، متأوهًا عند "انحسار" الأمل. يمارس الطقوس "قراءة" تورق "ما بين الأزل والأبد". يرفع عيناه نافذتين مشرعتين على الدهشة عند "اختمار" الشعور في ظلال "لا تؤرّقه الشمس". يتكسّر صوته من رائحة شفاه تزهر، سابحًا في "روافد" أنهار تصبّ بين "العدم والجفاف". يجد شغفًا تسلل بين شعاع الألوان "حيث الخدر الأول"، فيلتئم شمل الكون بعد انسداد "ثقب في الإحساس"، لتتوالد "حتمية" السدود التي تحصي الثواني. تتراىء له "وردة الصبر" في الأفق الصامت، عازفة على نتوءات مهد الأرض. يتبع وحي الأرواح، الحاملة أنينها زهورًا خارجة من رخام المصائر اللامعة. يتحسس جسده صلاةً عابرةً، إلى زمن يُستنسخ فيه الجمر شجرًا، ليعشعش فيها عنكبوت الظلام ويلتقط الضوء بشبكته.

شاعرة، سال دمعها مع آثار الماء في "أكداس من تراب". امتشقت القلق عكازًا، يذوب "ذوبان" شمعة تنير أحرف قصيدة بين الولادة والموت، كي لا تمر الكلمات إلى "حافة" فجوة الرمال. استراح شعرها في "قاع جسد" عند تغريد عصافير حزينة مستقرة في دائرة حول الحياة، لتجد ذاتها في "حفرة باردة" داخل كهف، قبالة جدار عليه أشباح الزمان التي رُسمت بحبر الحاضر الصدئ.

نبحر في الديوان بطيب الوهم، عند بدء تجريد العلاقات من "الرماد المتوقّد". تنتفض أصابعنا ثورةً وكتابةً عن "بشرى" الخلود، عند الهروب من الحقيقة، فور "عبء اكتشاف الإنسان". نغرق في "غابة" من النجوم الندية، ثم نغوص في زمن السفر حين تتهدل الأعمار. كيف السبيل إلى "صيد" السّنين عندما تلتصق بالجسد مع "ظلال الدخان"، هل ندفع ضريبة "الأمنيات الرطبة" كما كانوا يدفعون ضريبة الشمس في مدينة الضباب؟ كيف الفوز مع الشجر الساجد بجائزة "حكايات الأمس الموغل"؟ الدماء امتصت قدرًا "ناجية" من تسرب الخيال سأمًا بين الأقمار، فكانت "حكمة الالتحام" تخليدًا لفراغات "تسدّ الأحاسيس". شمعة "تضيء التراب الرطب"، فنمتثل لحكم مكتوب بحبر سريّ. حان الاعتراف وقد ضمّنا "حضن الكون" وتوهجت "ظلال أحداقنا".

نتوغل في الديوان قراءةً، ننتعش من رائحة الزهر في "لقاء ورديّ"، وتتكسر زوايا القلب، حيث تخضع لترميمٍ بعد "إلصاق السماء، بالضوء المؤنس". لكن لا اعتراض ولا بكاء على "تخمين" لصوت يُسمع كأنه بكاء في "ظلال أشجار النور". مشهد "خشبة" الأزل مدماك في عرش الكلام "أمام لا أحد". خطأ في عدّ الرمال حيث الحرية حبيسة. وتسيل دماء شجية من تشظي حبر رسائل الفراق. لا اكتفاء بحنان تكثّف مع التعابير في "مدن الأحضان".

ثمة تناقض في التعبير خلال القصائد بين: "خيال من واقع"، "أي شموس ساطعة، أي حدوس داكنة"، "لحظة واتجاهان"، "الماضي والحاضر"، تقول "التناقض يحاور وجودي يحوّل مساري لاشتعال وانطفاء". أظهرت حكمت حسن هذا التناقض في الحياة، كمفترق لطرقات الأحاسيس، دون أن تبحر من رصيفين. فلم يتلاش ارتعاش الحواس، فابتهجنا وابتهجت السطور بنا من خمر شعرٍ شربناه من أعيننا.

على مدى صفحات الحياة، مدّت الشاعرة الأماني الجميلة، حيث كانت الشمس نورًا ليراعها. كان إحساسها فائق الرقة عند النقطة التي تلتقي فيها الصحارى بالأفق، مولدة الواحات الفكرية. لم تكن بفكرها مبهمة وبحسها مهمومة، بل كانت البهجة تسري إلى نفسها، مصطحبة القارئ على خطٍ مستقيم بين الريح والنسمة، لينعم سمعًا مع عزف الصباح، جالسًا على شاطئ بحر الحبر، مراقبًا أبدية تكسر أمواجه على الصخور الخالدة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم