الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

جدل الحريّات يتصاعد وقمع الشتيمة يستدعي شتائم... "صونوا الدستور"

المصدر: النهار
ديانا سكيني
ديانا سكيني
جدل الحريّات يتصاعد وقمع الشتيمة يستدعي شتائم... "صونوا الدستور"
جدل الحريّات يتصاعد وقمع الشتيمة يستدعي شتائم... "صونوا الدستور"
A+ A-

كان يجب ألّا يعلو صوتٌ فوق صوت الرغيف وشبح الجوع الزاحف في المشهد السياسي الاقتصادي المعقّد. وسط زحام الكوارث المعيشيّة وعصيان أبواب السجون على الفاسدين، تتقدّم هموم الحريات مرة أخرى والمطالبة باحترام مقدمة الدستور.

الجدل تفجّر راهناً مع قرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، المتعلق بالتدوينات المعارضة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

غضبٌ عبّر عنه معارضون على مواقع التواصل. غرّدوا. انفعلوا. شتموا. سخروا. انتقدوا. حاججوا بالقانون. وبعضهم اعتصم أمام قصر العدل: "من حقنا أن نعبّر ونشتم... جميعهم مسؤولون... نحن شعب سُلب جنى عمره وأبسط حقوقه من قبل مسؤولين شاركوا بهذه الجريمة أو سهّلوا حصولها على أبسط تقدير... أنظروا إلى السارقين والمتّهمين والمخالفين الكبار والمتباهين بالسلاح أحراراً طلقاء". ذاك لسان حال المعارضين الذين يرفضون محاججةً تَعتبر بأنّ التعرض للمقامات خرق لقانون العقوبات الذي يحاسب على القدح والذمّ والتشهير، وأنّ التعرض لمقام الرئاسة ممنوع قانوناً.

الفنّانة التشكيلية والناشطة باسكال طرّاف مثُلت مطلع الأسبوع أمام السلطات المختصة بعد استدعائِها من قبل جهاز أمن الدولة على خلفية منشورات عبر "فايسبوك" تتناول فيها الطبقة الحاكمة، وكذلك أوقف الناشط ميشال شمعون إثر نشره فيديو على مواقع التواصل تناول فيه رئيس الجمهورية. المشهد تزامن مع تفاعل قرار القاضي عويدات ومع صدور بيانين "ماروني" و"وطني" يطالبان بالتغيير في سدة الرئاسة "ربطاً بالإخفاقات السياسية والاقتصادية الهائلة".

ووُجِّهت الدعوة إلى مؤتمر صحافي في نقابة الصحافة، باسم موقّعين وموقّعات على "البيان الوطني" للردّ على قرار عويدات المتعلق بالتدوينات.

شارك منهم رئيس المجلس الدستوري السابق القاضي شكري صادر، البروفسور المحامي الدولي شبلي ملاط، الناشطة المدنية نوال المعوشي، والإعلامية الناشطة لينا حمدان، في حضور نقيب الصحافة عوني الكعكي.

صادر قدّم عرضاً للبيان "الذي كان موضع تساؤلات، وهو البيان الماروني"، موضحًا أنه "وُقِّع من قبل مواطنين ومواطنات ينتمون إلى الطائفة المارونية، ثم تبعه البيان الوطني الذي وُقِّع أيضاً من قبل مواطنين بصفة شخصية ولا صفة لهم غير ذلك".

في رأيه، "هم مواطنون يحبّون وطنهم ويخافون عليه من الوضع السائد المستمر منذ 3 سنوات ولا يزال في تراجع، كل ذلك بحكم المحاصصة وطبقة سياسية فاسدة وحكم فاسد، ما أدّى إلى إفلاس الدولة، وانعدام الصدقية لإنقاذ البلد الذي لم يترك له صاحباً لا عند العرب ولا عند الغرب".

ووجّه تحية إلى ثوار 17 تشرين، فـ"لم يعد للشعب اللبناني قدرة إلا على التعبير، وها نحن قرأنا في الصحف ووسائل الإعلام أنه سيتم استدعاء كل من يمسّ بكلمة مقامات معينة إلى النيابة العامة التمييزية".

وهنا تشديد على أن "البيان لم يتعرض لأشخاص بل كان يعبّر عن رأي المواطنين"، داعيًا إلى "احترام حرية التعبير المصدَّقة في الدستور".

في رأيه، "نعم، هناك فرق بين حرية التعبير والتشهير والقدح والذم، فالبيان حضاري ونحن متمسكون بحرية الرأي. ولا أحد يهوّل علينا ويرهبنا بالحديث عن ملاحقات، وإذا كانت ستطالنا فنحن لم نتعرض لأحد، الحرية مقدسة".

تشديد صادر على نفي أفعال القدح والذم عن "البيان الوطني" سلّط الضوء على ربط محتمل بين البيان وقرار عويدات. وفي السياق، تشير مصادر قضائية لدى سؤالها عن الأمر، بأنّ "لا علاقة لأصحاب البيان بقرار النائب العام، والمسألة تتعلق بشكل أساسي بصورة غير لائقة نُشرت لرئيس الجمهورية وطُلب من المباحث الجنائية التحرك في هذا الصدد".


في المؤتمر الصحافي، اختلف الملاط مع صادر: "أنا مع الشتيمة وهي جائزة من ضمن صون الدستور وتأتي من حرقة قلب الناس"، ضارباً المثال بما يوجَّه إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب من شتائم على لسان نخب. وتوجّه الملاط إلى الشباب قائلاً: "الدستور معكم، والحق معكم، وحرية التعبير مصونة في الدستور وهو يقوم على احترام الحريات العامة، وبالتالي حرية الرأي. ومن يلاحقكم يخالف الدستور".

ويسأل الملاط وزيرة العدل "المدافعة عن الحريات" إذا كانت "على علم مسبق بقرار النائب العام، وهل هي من طلبت منه التحرك، وهل تعرف من طلب منه التحرك؟"، مضيفاً: "نريد معرفة موقفها وإذا ما رأت في الأمر تجنّياً على الناس... فلتستقل".

بالنسبة لقصر بعبدا، الموضوع محسوم. مصادره تنفي لـ"النهار" أن يكون الرئيس قد طلب من القاضي عويدات التحرك، كما أن القرار "لا يطال الآراء السياسية وحق الاختلاف بل تدوينات محدّدة على السوشيل ميديا تضمنت تحقيراً".

في المقابل، ترى نائبة رئيس التيار الوطني الحر المحامية مي خريش في حديث لـ"النهار" أن "هناك خطّاً فاصلاً رفيعاً بين حرية التعبير عن الوجع والقهر وضمنها الشتيمة الناتجة عن انفعال، وبين المخطط الممنهج باعتماد الشتيمة كأسلوب تعبير يمكن أن يؤدي إلى عواقب تمسّ بالسلم الأهلي". وتُذكِّر أن عويدات لا يحتاج طلباً من أحد بل يتحرك تلقائياً من موقعه حسب قانون الأصول الجزائية وبصفته مسؤولاً عن النيابات.

لا يمكن الحسم إذا كان قرار القاضي عويدات سيؤدي مبتغاه. اليوم تجمع عشرات المواطنين خارج مخفر جونيه تضامناً مع الناشط ميشال شمعون الذي أوقف بسبب شتيمة. وعلى هواء النقل المباشر للتلفزيونات كانت تُسمع عشرات الشتائم للمقامات. الأرجح أن الإصلاحات السياسية الجذرية وحدها الكفيلة بتهدئة المشهد وإعادة النقاشات إلى أصولها.

[email protected]

@dianaskaini

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم