الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مراسلون في زمن "كورونا"... بين المهنة والمخاطرة

المصدر: النهار
ريجينا الأحمدية
مراسلون في زمن "كورونا"... بين المهنة والمخاطرة
مراسلون في زمن "كورونا"... بين المهنة والمخاطرة
A+ A-

لطالما وُصف العمل الصحافي والإعلامي بمهنة المتاعب، وخاصة عمل المراسلين الذين يتوجب عليهم التواجد في موقع الحدث مهما بلغت خطورته. وفي زمن #كورونا، أصبح من معايير المهنة الوقاية من فيروس مجهول الزمان والمكان، معلوم العوارض ونسبة الحديّة.

ورغم الظرف الصحي الذي لا يرحم، استمر الصحافيون والإعلاميون في رسالتهم وبكل مهنيّة. خاصة #المراسلون والمصورون الذين تواجدوا وما زالوا على الطرقات وفي المستشفيات والمطار لينقلوا الصورة بكل وضوح ودقّة عن عدد الإصابات ووضع المصابين وحالة المجتمع في أيام الحجر والكثير غيرها. فكيف كانت حالة المراسل النفسيّة، وهل تخللت الأعباء عمله؟

منذ تعاظم جائحة كورونا، لم يغادر الزميل في "النهار" رئيس قسم التصوير نبيل اسماعيل الأرض، قام وفريق العمل من قسم التصوير بالتصوير في مستشفى الحريري الجامعي والأسواق وغيرها، وغطوا الأحداث المرافقة. "عملنا على الأرض التي لم نتركها في الحروب الشرسة، فهل نتركها اليوم؟"، لكن "تبقى الوقاية هي السبيل والحذر في التعاطي مع الآخرين ووضع الكمامة وتعقيم المعدات أولوية". وقد اتخذت ادارة "النهار" سلسلة اجراءات وقائية وارشادية وأمنّت ما هو لازم لطاقمها حرصاً على سلامته أثناء التغطيات، وخلال العمل داخل المكاتب، حيث عاد فريق العمل الى نمطه الاعتيادي متبعاً التوصيات الوقائية.

يقول مراسل قناة الـ LBCI إدمون ساسين لـ"النهار" إنّ "خطوات إتمام المقابلة أو النقل المباشر تحولت بعد كورونا إلى همّ إضافيّ يمكن أن يعرّضنا للأذى أينما كنّا". وشغف العمل يكبد كل صحافي عناء مواجهة الاستفزاز، التعرض للخطر، تحمل المصاعب والبقاء على جهوزية تامة لإمكانية التصدي لكل طارئ. لكن كورونا خصم غير مرئي ولا حدود له، فوفقاً لساسين "في أي تغطية ميدانية يستطيع المراسل أخذ الحيطة والحذر وإمكانية تقديرنا لمصدر الرصاص أو الحجارة مثلاً، وبإمكننا تجنب النقاط المستهدفة. لكن اليوم وفي كل تغطية نحن معرضون لخطر عدوّ غير منظور يمكن نقله معنا إلى مراكز عملنا أو منازلنا".


وكأي وسيلة إعلامية، اتخذت الـ LBCI تدابير وقائية لحماية طاقم عملها، من إلزامية وضع الكمامة واللباس الواقي الذي يمكن التخلص منه فور العودة من التغطيات، إلى الالتزم بالمسافة الآمنة بين المراسل ومن تُجرى معه المقابلة، "وقد أثبتت هذه الإجراءات نجاحها لجهة عدم حدوث أي إصابة داخل التلفزيون أو بين أفراد عائلات المراسلين، علماً أنني كنت أتوجه إلى المستشفى بحال شعوري ولو بارتفاع بسيط في الحرارة كي أبقى مطمئناً". ومع عودة الحياة إلى طبيعتها وغياب الإجراءات الوقائية لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين يتساءل إدمون: "كيف سيكون مسار الأمور في ظل استمرار خطر الفيروس؟ خاصة أنّ الضغط الإعلامي الذي يسلط الضوء على ضخامة الأمور تحوّل إلى أولويات محلية أخرى. وقد لاحظنا تجمعاً لعدد كبير من الناس على البحر وكنّا أنا وزميلي الوحيدين اللذين يضعان الكمامة".

أمّا مراسل قناة الجديد غدي بو موسى، فقام بتوجيه رسالة عبر صفحته على فايسبوك قبل انتشار جائحة كورونا، تقضي بعدم الخجل من اتخاذ الإجراءات الوقائية أمام الكاميرا، "في البداية اعتبر البعض وضع الكمامة من مظاهر الـ show off فكانت هذه من أولى الصعوبات. وثانيها كان عدم قدرتنا على إقناع الناس بوضع الكمامة وخلق حجج كعدم قدرتهم على شرائها، فالتدابير التي كنّا نتخذها لأنفسنا كان يمكن أن تكون غير مجدية في ظل عدم التزام الآخر أمامنا. وهنا تبرز قدرة المراسل على خلق التوازن بين تأدية واجبه المهني وخوفه المكبوت من الإصابة بالعدوى". ومن واجبات الصحافي إبراز الواقع دون تضخيمه. ويفرض هذا العمل أدواراً أخرى يجب أن يتقنها الصحافي وفقاً للوضع الرّاهن. ويعتبر غدي أنّ "من ذكاء الصحافي عدم المبالغة بإبراز خوفه مراعاة للفئات العمريّة التي عانت في البداية من حالات الذعر، إلى جانب دورنا بالتوعية يجب أن نطمئن المشاهد أيضاً والحرص على عدم نشر القلق المفرط".


وكمعظم أفراد المجتمع، عانى أفراد الطاقم الإعلامي من مشاعر متناقضة بين خوفهم على أنفسهم وعائلاتهم في ظل اضطرارهم على التخالط مع كافة شرائح المجتمع. فأفصح بو موسى لـ"النهار" عن  مشاعره المتضاربة بين اختيار وظيفته أو صحته بسبب حالة الهلع التي تسبب بها الفيروس، قائلاً: "عزلت نفسي لمدة أسبوعين مع الاستمرار بالعمل من المنزل والتفكير الدائم بعدم العودة إلى مركز العمل نهائياً، وكانت الإدارة متفهمة جداً لهذا الوضع، لكن في النهاية يستطيع الإنسان التأقلم مع الحالات الأصعب من الإصابة بالفيروس. وقد عدنا للعمل متخذين كل التدابير الوقائية، وزال الخوف مع الوقت خاصة بعد تماثل عدد كبير من الحالات للشفاء". وتستطيع كلمة الصحافي في بعض الأحيان أن تقلب الموازين، تجيّش الرأي العام وتحضّ السلطات والمعنيين على القيام بأعمالهم أو استكمالها.


ومن محطة الـMTV، تحدّت المراسلة الأساسية جويس عقيقي كورونا، ولم تلتزم بفترة الحجر. وتوضح لـ"النهار" أنّه "ليس استهتاراً إنما إختيار بالاستمرار من قلب الحدث. كما أنني أجريت فحوص الـ PCR والتي أتت نتائجها سلبية طبعاً. والتزمت بوضع الكمامة وارتداء القفازات، وحتى اليوم لا تزال حقيبة ظهري مزودة بكل مواد التعقيم". ولا شكّ أنّ العمل في زمن كورونا صعب جداً خاصة مع عودة الثورة وعدم التزام البعض بالمسافة بينهم وبين المراسل. وككل الشغوفين بمهنتنا ورغم دقّة الوضع، تعتبر جويس أنّ "الصحافة رسالة وليست مهنة، وهي حياتي بحد ذاتها، ووجودي في قلب الحدث واندفاعي الدائم ليس إلاّ انعكاساً لشخصيتي". ورغم المواقف الصعبة التي تعرضت لها وتخطتها، تبقى قوتها واضحة بين صفحات صوتها، وتضيف ممازحة: "زملاؤنا من صحافيي الجيل السابق كانوا يقولون لنا: "اللي مرق علينا ما مرق عليكم" لكن اليوم نقول لهم: "مرق علينا أكتر بعد ... من الحرائق إلى الثورة إلى الأوضاع الأمنية والاقتصادية فكورونا!"

وعن قلق أهلها عليها تقول جويس: "أعتذر منهم عما أتسبب لهم من خوف وقلق و "حرق أعصاب" وخصوصاً والدتي لكن هذه رسالتي وهذه مهنتي وشغفي وسأكمل بها "والله الحامي".



وشهد بعض مراسلي الـ OTV حملات تنمّر وشتم لاذعة. وعانوا من أحداث الثورة القاسية، لكن المراسلة لارا الهاشم تعتبر أنّ "كورونا أقسى بكثير، وقد ذهبت لمواكبة عودة المغتربين إلى لبنان ويدي على قلبي لعلمي أنّه يمكن أنّ أكون على مسافة قريبة من أشخاص قد يكونون مصابين. ورغم الاحتياطات المؤمّنة من المحطة إلا أنّها كانت التغطية الأدق بالنسبة لي إلى جانب زيارتنا لمستشفى رفيق الحريري وقسم العزل تحديداً، فمهما بلغت درجة أخذ الاحتياطات يبقى الفيروس أشد غدراً". وتعرضت الهاشم للكثير والقليل في ظل مواكبتها لثورة 17 تشرين، فتقول: "حينها كنت على دراية بكل ما قد يواجهني علماً أنّ المُشاهد لا ذنب له كي يستمع للشتائم، لكن أقله كانت السيطرة على نفسي بيدي، إنما خلال تغطيات كورونا فلا نعلم أين ستكون وجهة مهاجمتنا من الفيروس".


بدورها، دعت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد إلى "تأمين حماية الإعلاميين وعدم التعرض لهم". وقالت لـ"النهار" إنّ "حرية التعبير مهمة جداً بالنسبة لنا شرط توقفها قبل المسّ بحرية الآخرين"، مضيفةً أنّها تقوم بالعمل على مشروع يمكن أن يعفي الصحافة والإعلام من بعض الرسوم والضرائب إضافة إلى إنشاء صندوق التعاضد وتأمين معاش تقاعدي للعاملين في القطاع الخاص".

إنّها ليست السلطة الرابعة وحسب، بل أيضاً اليد الخفية التي ساعدت الطاقم الطبي بتوعية المجتمع، والصوت الصادح بالحق الذي يدافع عن كل مظلوم، والقلم القادر على توصيل نداءات كل محتاج. فهي مهنة الصحافة والإعلام ومقاومة الصعاب والكفاح إلى أقصى حدود.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم