الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الرّهان على المغتربين اللبنانيّين وهمٌ أم حقيقة؟

حمزة عليان
الرّهان على المغتربين اللبنانيّين وهمٌ أم حقيقة؟
الرّهان على المغتربين اللبنانيّين وهمٌ أم حقيقة؟
A+ A-

هل في الأمر مزحة أم أن الدعوة تحمل شيئاً من الواقعية حينما نعوّل على المغتربين اللبنانيين في إنقاذ بلدهم؟

في العام 1944 طلب رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح من كميل شمعون القيام بمهمة إنشاء أول مفوضية للبنان في "بريطانيا العظمى".

وفي هذا الشأن يروي ابن دير القمر، في كتابه "مذكّراتي"، رحلته إلى لندن لهذا الغرض والزيارة التي قام بها إلى مصر قبل ذلك لعدة أيام ولقاءه الملك فاروق وسياسيين مصريين وأجانب، ثم دعوته إلى البطريركية المارونية لتناول الغداء والنقاش الذي دار بينه وبين أنطوان الجميل، رئيس تحرير "الأهرام"، حول مسألة المغتربين والتي يعترف فيها بالقول:

"إعتقادي هو أن لبنان، إذا أراد أن يصير بلداً مستقلاً سياسياً واقتصادياً مثل سويسرا التي يقارن بها الكثير، فلا بد له من السعي لعودة اللبنانيين المغتربين إليه بعد الحرب، نظراً لما يملكونه من موارد وتجارب ونشاط".

لم يتعثر "ثعلب السياسة" بالوصف الذي أطلقه، ولم تكن شهادته زلّة لسان، وتاريخ لبنان يشهد بأن الاغتراب الذي لازمه كان فاعلاً في الدول التي استقر فيها، ولا يحتاج المرء عناء البحث للاستدلال على قوة ونفوذ ما يقرب من 14 مليون لبناني منتشرين في قارات العالم الأربع.

في بلاد الاغتراب لبنانيون قادوا دولاً شغلوا فيها مناصب عليا، اختيروا وعبر صندوق الاقتراع، ليتبؤوا مراكز القرار في البلدان التي عاشوا فيها وباتوا من مواطنيها.

نجح اللبناني المغترب في المجتمعات التي انتمى إليها بل وأضاف إليها شيئاً من التميّز، والأهم من كل ذلك أن الاغتراب خلق لديه "حالة انتماء وولاءً إلى الوطن الأمّ وليس لطائفة أو زعيم".

نصف الشعب اللبناني لديه أقرباء في المهجر، وهؤلاء لمسوا مدى تعلقهم بلبنان وتعايشهم كجالية لبنانية، يجمعهم شعار واحد، عشقهم وحبهم وتضحيتهم من أجل البلد.

كنا وإلى وقت قريب نضع الجالية اللبنانية على رأس قائمة الجاليات العربية في الخارج عندما يجري الحديث عن كيفية الدفاع عن قضايا العرب والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. نحن الآن نستدعي هذه التجمعات سواء كانت في الخليج أو في أفريقيا أو في أوروبا أو في الأميركتين أو في أوستراليا في لحظة الحاجة إليهم.

ظني أنهم يشكلون الجبهة الخلفية والوحيدة الباقية لهذا البلد لإبقائه حياً وقادراً على الصمود.

لقد نجح اللبنانيون المغتربون وعلى مختلف انتماءاتهم المذهبية والمناطقية في إبقاء وطنهم حياً في قلوبهم، وفي محافل أصحاب القرار، وهذا بيت القصيد.

قد يكون حبل الخلاص بيد هؤلاء في ظل غياب مشروع وطني جامع للإنقاذ، وغياب رؤية إصلاحية تنتشله من الهاوية. وأتمنى ألّا أكون مخطئاً في ذلك.

لن نزجّ أنفسنا بالجدل القائم والمهلك حول مَن يتحمل مسؤولية الانهيار وأوجه الفساد، فقد وصلنا إلى الحد الذي لم يعد ينفع فيه إصدار بيان أو توصية تدعو إلى التغيير أو استبدال رئيس الجمهورية وإزاحة رئيس مجلس النواب.

إن إنتاج سلطة جديدة بالكامل يحتاج إلى بيئة تصلح لقيادة التغيير. لقد وصلت السكين إلى الرقبة وبلغ اليأس مداه.

عندما تصل الأمور إلى الحرمان من المأكل والملبس للبقاء على قيد الحياة تسقط كل المقاييس. لقد أسقطوا الليرة في أكياس من الخيش وصرنا بحاجة إلى هذا النوع من الأكياس لنملأها بالعملة الورقية "الليرة" ونحملها من أجل شراء كيس من الخبز!

لم نستشعر أن السوس بلغ حدّاً لم يعد ينفع معه إغلاق الفتحة التي دخل منها، ولم يعد الخزان يحتمل الدقّ والقصة التوراتية التي وردت في الإصحاح الخامس من سفر دانيال النبي، والتي يذكر فيها قصة الكتابة على الحائط وهي من عدة كلمات "منا منا تقيل وفرسين" ـ ومعناها: وُزنتُ وثُمنت فوُجدت ناقصاً، وسيقسم الفرس مملكتك إلى نصفين (مادي وفارس)، وهذا ما حصل لمملكة بابل، ومقصدها أنه مهما ارتفعت أسوار مملكتك لن يحميها مَن أصابه الغرور والتكبر وتملّك به، ومَن فقد التوازن في حكمه!

ندقّ الناقوس لأن الاستحقاق بات وجودياً. نبقى كبلد وكشعب لديه طاقات ودور يعطيه صلاحية التميز أم نصبح مثل الهنود الحمر؟ أو نتحول إلى "بعبع" كمثل ذلك الإنسان الذي يحمل مرضاً معدياً يبتعد الناس عنه كلما اقترب منهم حتى لا يصابوا "باللبننة" والغرور الفاحش والزائد عن الحد والفشل بإدارة الدولة؟!

وفي هذا المقام ينقل أحد الكبار من أبناء الخليج قصة أحد الأمراء التقى شخصية لبنانية من البكوات في مصايف الجبل، وبأجواء شاعرية مريحة وفي جلسة سادها إطلاق الدعابات، أخذت هذه الشخصية الخليجية البوح بشعورها بالراحة والاستمتاع بالطقس الجميل، التقط "البيك" الحديث مخاطباً ضيفه: "نبدّل أماكننا يا طويل العمر". ردّ عليه معقباً: لا يا "بيك" لا تتعب نفسك، نحن نأتي إليكم على رأسنا ومع فلوسنا وابقَ في مكانك"، والرسالة لا تحتاج إلى عناء بالشرح، فالمبنى يعبّر عن المعنى.


[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم