الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

currency board: سياسة سعر الصرف الأنسب للبنان (1)

المصدر: "النهار"
د. ليال منصور
A+ A-

يعاني لبنان من "أزمتين توأمين" Twin Crises، أي من أزمتين متلازمتين، واحدة مالية والثانية مصرفية. وليس من أزمة مصرفية فقط كحالتي قبرص واليونان. ولفهم الأزمة لا بد من تشخيصها بشكل علمي دقيق للوصول إلى طرح الحل الأنسب لتخفيف حدتها وخسائرها.من "أزمتين توأمين" Twin Crises، أي من أزمتين متلازمتين، واحدة مالية والثانية مصرفية. وليس من أزمة مصرفية فقط كحالتي قبرص واليونان. ولفهم الأزمة لا بد من تشخيصها بشكل علمي دقيق للوصول إلى طرح الحل الأنسب لتخفيف حدتها وخسائرها.

الدولرة تعني لا ثقة

لا يثق الشعب اللبناني بعملة وطنه، وذلك بسبب البيئة الاقتصادية والسياسية غير المستقرة. فلبنان يعاني من نسب تضخم غير مستقرة وعدم شفافية وفساد مستشرٍ في مؤسساته، إضافة إلى الطائفية السياسية والزبائنية وعدم الاستقرار الأمني والسياسي.

كل هذه العوامل تجعل من الشعب اللبناني غير مؤمن بعملة وطنه ودائم الخوف من التعامل بها، فعند كل منعطف سياسي أو أمني يشعر بأن استثماراته ومدخراته في خطر شديد.

لذلك فهو يلجأ إلى الدولار كعملة بديلة توحي بالثقة والاستقرار على المدى الطويل.

من جهة أخرى، إن الدولرة تعتبر عاملاً مهماً لجذب الاستثمارات الأجنية لا سيما في بيئة اقتصادية غير واعدة كلبنان.

بحسب الدراسات الاقتصادية، إن نسبة الدولرة في أي بلد مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعوامل عدم الاستقرار الأمني والسياسي وغياب الشفافية واستشراء الفساد. فكلما زادت هذه العوامل ارتفعت نسبة الدولرة.

بالنتيجة ليس من المستغرب أن تصل نسبة الدولرة في لبنان إلى 73/100، وهي من الأعلى في العالم، وذلك يعتبر دليلاً قاطعاً على عدم ثقة اللبناني بعملته ولجوئه إلى الدولار، وكأن الدولار أصبح العملة الأساسية والليرة اللبنانية هي العملة البديلة.

إن نسبة الدولرة العالية تعتبر من اخطر العوامل الإقتصادية التي يواجهها لبنان، فبحسب صندوق النقد عام 2017، كل ما زادت نسبة الطلب على الدولار 1/100 يؤدي ذلك إلى استنزاف 3.7/100 من احتياطي الدولار في البنك المركزي. بمعنى آخر، كل دولار جديد يستعمل في لبنان يعادل خسارة احتياطي البنك المركزي بما يقارب الأربعة دولارات في المقابل.

لذلك فلبنان مرتبط ارتباطاً شديداً بإحتياطي الدولار. تسمى هذه الحالة بالإدمان، لا يمكن أبداً مقارنة اقتصاد بلد غير مدولر ببلد مدولر. لأن هذا الأخير فيه شعب مدمن على الدولار غير موجود في دول اخرى.

فأي سياسة اقتصادية تتطلب إلغاء الدولرة، أي حرمان اللبناني من إستعمال الدولار، تؤدي إلى حالة هلع وهستيريا Hysteritic effect عند المواطن، ومن ثم إلى ازمة مالية شديدة جداً مثل الأزمات المالية التي وقعت في الأرجنتين والمكسيك وروسيا وتركيا في أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الحالي.

فمعالجة الدولرة لا يمكن أن تتم إلا تدريجياً وعلى سنوات وذلك من خلال إصلاحات داخلية تعيد ثقة اللبناني بعملته.

من جهة ثانية، فإن الدولرة لا تطال المواطن والقطاع الخاص فقط بل هي تطال الدولة كذلك. فالحكومة عندما تعجز عن الاستدانة بالليرة اللبنانية نظراً لإنعدام الثقة بها، تلجأ إلى الإستدانة بالدولار. هذا الإجراء خطير جداً لدرجة أنه يسمى في علم الاقتصاد بالخطيئة الأصلية Original sin.

السياسة النقدية الأنسب

إن مخاطر الدولرة على الاقتصاد النقدي والمالي تفترض اعتماد سياسية نقدية لا بديل منها، تقوم على تثبيت سعر صرف الدولار.

فلطالما أن نسبة الدولرة مرتفعة في لبنان، وفي ظل عدم وجود خطة إصلاحية فعالة، ستظل الليرة اللبنانية تعاني من خوف التعويم Fear of floating وتتطلب تثبيت سعر الصرف لمدة غير محدودة fixing for life.

كيف يمكن أن نفكر لحظة بتعويم الليرة اللبنانية وتعريضها للعرض والطلب في ظل حالة انعدام الثقة التي تعانيها، فالمواطن اللبناني لم يثق بها حتى في أفضل الظروف.

من البديهي القول، أنه لا توجد سياسة إقتصادية خاطئة أو صائبة بالمطلق. إنما هناك سياسة مناسبة أو غير مناسبة.

من خلال الدراسات الإقتصادية العلمية المثبتة عالمياً، يتبين بأن البلد المدولر عليه أن يعتمد إما سياسة تثبيت سعر الصرف أو تثبيت سعر الصرف أو تثبيت سعر الصرف...

إلا أن سياسة تثبيت سعر الصرف هي صعبة جداً، لأنها تتطلب من المصرف المركزي أن يكون متيقظاً 24/24 ساعة وحارساً لإحتياطي الدولار لديه، وأن يكون بإستمرار بحالة تناغم من جميع الوزارات وتجاوز الخلافات بين الوزراء والمسؤولين بسب إنتماءاتهم السياسية والحزبية والطائفية. فالسياسات الضريبية المدروسة والملائمة ممكن أن تعمل على تحسين الميزان التجاري وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما يؤدي إلى تعزيز والحفاظ على إحتياطي الدولار لدى البنك المركزي.

فعندما يكون البلد يعتمد سياسة تثبيت سعر صرف عملته بالنسبة للدولار، يكون بذلك قد سلم رقبته من ثروات ومدخرات ومستقبل شعبه للبنك المركزي واحتياطي الدولار لديه.

فحتى يومنا هذا، لا يوجد أي بلد مدولر استطاع أن يحرر سعر صرف عملته بنجاح من دون أن يتعرض للانهيار الإقتصادي والإجتماعي الشامل.

فأي سياسة نقدية غير تثبيت سعر الصرف تعتبر خطوة ناقصة وستؤدي حتماً إلى أزمة إقتصادية اشد من الأزمة الحالية بأضعاف مضاعفة.

فإذا كان لا بد للبنان أن يتفق مع صندوق النقد الدولي، فيمكنه أن يفاوض ويتنازل عن كل شيء إلا تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية.

فالبعض يعتقد بأن سياسة تثبيت سعر صرف الليرة هي التي أدت إلى الأزمة الحالية، إلا أنني أؤكد من جهتي بأن سياسة التثبيت هي التي أدت إلى استمرار وجود الليرة مدة ثلاثة وعشرين سنة. وبرأييي إن ما أدى إلى الأزمة الحالية هي الأخطاء المتراكمة عبر السنوات التي ارتكبتها السلطات اللبنانية، التنفيذية والتشريعية ومصرف لبنان والمصارف، والتي أدت إلى استنزاف الإحتياطي بالدولار من خلال الإهدار والفساد بدلا من الحفاظ عليه.

وإذا كان على لبنان أن يجد سياسة مناسبة لواقعه ومقنعة لصندوق النقد الدولي، فبرأيي لا بد من اللجوء إلى سياسية "الكارنسي بورد" Currency Board التي تعتمد على تثبيت سعر الصرف من خلال تأمين غطاء باحتياطي بالعملة الصعبة لمجمل الكتلة النقدية المتداولة وإلغاء صلاحية البنك المركزي بطبع الليرة اللبنانية.

الكارنسي بورد Currency Board: الحل الإنقاذي

يتبع في الجزء الثاني

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم