الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

إعرفْ نفسكَ أيها اللبناني

المصدر: النهار
غسان صليبي
إعرفْ نفسكَ أيها اللبناني
إعرفْ نفسكَ أيها اللبناني
A+ A-

إعرَف ايها اللبناني انك رهينة بيد "قانون قيصر" وان "قيصر بلا قانون". تصرف على هذا الاساس.

أنت تعتقد ايها اللبناني انك مسلم او مسيحي، سني او شيعي او درزي، ماروني او ارثوذكسي او كاثوليكي، وأنّ عليك التصرف على هذا الاساس.

أنت مخطئ.

أنت تعتقد انك فقير او غني، عامل او صاحب عمل، موظف او عاطل عن العمل، وعليك التصرف على هذا الاساس.

أنت مخطئ

انت تعتقد انك ٨ آذار او ١٤ آذار، ممانع او سيادي، وأن عليك التصرف على هذا الاساس.

أنت مخطئ.

أنت تعتقد انك يميني او يساري، مناهض للشرق او للغرب، للامبريالية الروسية او الاميركية، وأن عليك التصرف على هذا الاساس.

انت مخطئ

انت تعتقد انك طفل او شاب او كهل، وأن عليك التصرف على هذا الاساس.

أنت مخطئ.

انت تعتقد انك امرأة او رجل، وأن عليك التصرف على هذا الاساس.

أنت مخطئ.

"إعرَف نفسك"، هي مقولة عممها سقراط بعدما استقاها من الثقافة اليونانية. وبحسب الفيلسوف هيغل، جعل سقراط بمقولته هذه، من الوعي الشخصي الداخلي، الاطار الذي تُكتشف فيه الحقيقة ويُتخذ فيه القرار.

اقول مع سقراط: ايها اللبناني، إعرَف نفسك حتى تكتشف الحقيقة وتتخذ القرار المناسب.

إعرف انك رهينة ايها اللبناني. مجرد رهينة.

صحيح ان لك صفات أخرى مثل التي ذكرتها أعلاه، وقلت لك انك تخطئ إن اعتقدت ان عليك التصرف على اساسها. لكن صفتك الأساسية، في هذه اللحظة التاريخية وامتداداتها عبر الزمن المقبل، هي انك رهينة على هذه الارض التي اسمها لبنان.

إعرَفْ انك رهينة واعترفْ بذلك، امام نفسك وامام الآخرين.

الرهينة هو انسان مخطوف ومعتقل في انتظار تلقي الخاطف فدية من اجل اطلاق سراحه.

لا تقل انا في وطن. فلا وطن بدون حدود.

لا تقل هذه سلطة. فلا سلطة بدون دولة.

لا تقل هذا "النظام السياسي الطائفي". فبلدك جزء ملحق بنظام إقليمي مذهبي قائم على العنف وليس على السياسة.

لا تقل لديَّ حقوق. فلا حقوق بدون مواطنية.

لا تقل لن ادفع ثمن الافلاس. قل لن ادفع الفدية من لحمي ودمي.

في ١٧ تشرين ٢٠١٩ انتفضتَ كمواطن ضد "السلطة". واكتشفتَ على الطريق انه ليس بإستطاعتك ان تغيّر هذه السلطة لأنك ستصطدم بقوة مسلحة وظيفتها إقليمية وقد اعلَنَت صراحة انها تحمي هذه السلطة. ولأنك لا تريد استخدام القوة المسلحة او لا تستطيع استخدامها، خفتَ، لكنك رفضت ان تعترف بخوفك وان تعلن عنه، واخفيتَ خوفك بالتبريرات والتنظيرات على انواعها، وبالانفلات في الشوارع، يمينا ويسارا وتكرارا.

في ١٧ حزيران ٢٠٢٠، ومع دخول "قانون قيصر" حيز التنفيذ، من المعيب الا تكتشف انك رهينة ايها اللبناني، وأن لا تُقِرّ بذلك.، وبأنك رهينة الصراع بين "قانون قيصر" و"قيصر بلا قانون".

"سلطتك" المحلية تدعو برئيسها ورئيس حكومتها الى التشدد الامني والرقابة الاعلامية، او الى "الضرب بيد من حديد" كما قال السيد نصرالله البارحة، ليس لحمايتك بل لتشديد الحراسة عليك كرهينة.

إذا اردتَ ان تكمل انتفاضتك، فعليك ان تتصرف كرهينة وليس كمواطن. وان تضع استراتيجيا تنطلق من ثلاث مسلمات: انت مسلوب الحرية، انت تتحرك في سجن، وسجانك يطالب بفدية لاطلاق سراحك.

لا تفدِ نفسك، فالقضية هي الفدية. وعندما تُدفع الفدية من لحمك ودمك، سيُبرم اتفاق بين من دفع ومن قبض، والاتفاق ستجري حماية بنوده بسلاح الطرفين. وبنوده الثابتة، هي ان يبقى الصراع محصورا بالتصرف بحياة الرهائن، وان يبقى السجانون من يدفع ومن يقبض ثمن عذاباتك وقهرك.

كان بإمكان الاميركيين، واوباما تحديدا، اسقاط الاسد عندما استخدم الاسلحة الكيميائية ضد شعبه. لكنهم فضلوا إطالة عذابات الشعب السوري لسنوات، من خلال مقايضة إسرائيلية -سورية – اميركية - روسية، أجبرت الاسد مبدئيا على تحييد السلاح الكيميائي وتسليمه، ليس رأفة بالشعب السوري، بل حماية لأمن اسرائيل وشعبها.

اليوم مع "قانون قيصر"، قد يُسقط الاميركيون الاسد بالتوافق مع بوتين الذي لا يتوقف عن انتقاده في اعلامه، مستبدلينه بمن يشبهه، او بمن يحب ان يتشبه به. وقد يترافق ذلك مع اتفاق روسي اميركي، تشارك فيه ايران وتركيا. وقد يتوصلون أيضا الى تسوية اميركية - اسرائيلية - ايرانية، ترسّم الحدود اللبنانية- الاسرائيلية وتضمن امن إسرائيل بموافقة "حزب الله"، على ان تُترك له عندها حرية الحركة والنفوذ في الداخل اللبناني. تماما كما حصل بين الاميركيين والنظام السوري، الذي سُمح له بالهيمنة على لبنان بعد الطائف. وربما جرى الاتفاق على تسليم الصواريخ الدقيقة التي يملكها "حزب الله".

كل هذا طبعا، بعد ان يدفع الشعبان اللبناني والسوري ثمن الحصارين، الداخلي والخارجي.

فلا يقنعنّك احدٌ بأن تفدي نفسك من اجل "قانون قيصر" او من اجل "قيصر بلا قانون". الطرفان مستعدان لتجويعك للوصول الى مبتغاهما. او لـ"الإنتصار" بحسب تعبيرهما.

تصرفْ كرهينة وليس كمُرتَهن.

هذا اول الطريق، اذا اردتَ الخروج من السجن. عليك الخروج اولا من السجن الايديولوجي الذي اخترعه لك الطرفان المتصارعان. ولا تتوقع، كرهينة، ان يدفع عنك الخاطفان الفدية ليجري إطلاق صراحك. بل إياك ان تطالب بذلك. فالقوة الوحيدة التي تمتلكها، هي انك تُستخدَم من الطرفين، اللذين يطالبانك بدفع الفدية من لحمك ودمك.

بدون هذه الفدية، بدون لحمك ودمك ايها اللبناني، وايها السوري، لا يستطيعان تحريك الصراع.

قل لهما انك لن تدفع الفدية. قلها بصراحة وبصوت عالٍ.

ولا تخف، فعلى عكس ما يحصل مع الرهائن الافراد، عندما تقرر الجماعة الا تدفع الفدية، تتحرر تلقائيا من الاعتقال وتخرج من السجن.

أنت

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم