الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الأمن الذاتي... يهرول سريعاً

غسان حجار
غسان حجار @ghassanhajjar
A+ A-

لم يولد تحذير الرئيس سعد الحريري من اعتماد الأمن الذاتي من فراغ، وانما من افتقاد الامن والامان، الرسمي وغير الرسمي. ولن تكون دعوته يتيمة، اذ ان التطورات المتلاحقة قد تدفع في هذا الاتجاه، وقد ظهرت نذره منذ مدة، وإن من بوابة وباء كورونا.

ولا تقتصر مظاهر الامن الذاتي على الوقاية من الوباء، اذ ان الثنائي الشيعي اقام له حواجز ونقاط مراقبة، واضحة وفاضحة، في الخندق الغميق وفي اماكن اخرى من العاصمة، بذريعة منع انطلاق التظاهرات الدرّاجة، ومنع غرباء من دخول تلك المناطق والانطلاق منها او الاختباء فيها. لكن الحزبين، اي "حزب الله" وحركة "امل" تقصَّدا اظهار الحواجز في ما بدا انه امن ذاتي على ابواب العاصمة، وهو كذلك اصلا، في مشهد لا يدين اصحابه فقط، بل يسقط هيبة الدولة الى غير رجعة، ويذكّر بأعوام الحرب.

ثم توالت الشائعات عن ظهور شبان مدنيين من "القوات اللبنانية" في نقاط ثابتة ومتحركة من عين الرمانة مرورا بفرن الشباك وصولا الى الاشرفية، اي على خطوط التماس السابقة، لحماية تلك المناطق من اي مسيرات دراجة وافدة من الضاحية الجنوبية ومن الشياح. ويرسم المشهد شارعا في مقابل شارع، وخطوط تماس لم ترفع الدشم الترابية، وانما مكنت الدشم النفسية والاجتماعية القائمة اصلا، والمغطاة بكمية من الخطب الرنانة، والعبارات المنمّقة عن تعايش مشترك هش، سرعان ما ينزلق الى حقيقة التباعد، عند اي سقطة ولو صغيرة.

وكانت بلديات كثيرة نصبت حواجز ثابتة في مداخل القرى تراقب الداخلين اليها والخارجين منها تصدياً لانتشار وباء كورونا، وملأت استمارات تتضمن معلومات عن الوافدين، في ما يشبه الادارة الذاتية، ترافقت مع مشاريع زراعية واخرى حيوانية، امتدت من قرى الجنوب، الى الشوف، وصولا الى كسروان حيث اطلقت البطريركية المارونية دعوة الى استثمار اراضيها من دون خطة واضحة.

هذه السيناريوات، وإن كانت وقتية، وترتبط بحالات واحداث معينة، الا انها في واقعها تخفي الخوف من الآخر، والرغبة في الاحتماء منه، واقامة الامن الذاتي في كل منطقة، انطلاقا من الطوائف والمذاهب، اكثر منها انقسامات سياسية واضحة. ولتُقل صراحة، تخفي الرغبة الجامحة في التغيير، وهو تغيير ليس بالضرورة مفيدا وجيدا، لكنه ينم عن الرغبة الاكيدة في التقسيم، او بالحد الادنى في الفيديرالية.

والدافع بل الدوافع الى هذا التوجه كثيرة، ابرزها عجز السياسيين او عدم رغبتهم في حل المشكلات القائمة، لتبقى عالقة، وتستمر الحاجة اليهم للعمل على تسويات موقتة. فالمشكلة على الاراضي في لاسا لم تحسم رغم مرور سنوات عليها، ورغم تشكيل لجان اهلية، وبين البطريركية المارونية و"حزب الله" وحركة "امل"، ولا تزال جمراً تحت الرماد. والامر نفسه في العاقورة واليمونة، حيث لا حلول علمية ومنطقية، بل عشائرية امنية طابعها وقتي. والخلاف السني - الشيعي يستعر عند كل محطة، والتنافر المسيحي (العوني) الدرزي (الاشتراكي) لا يطول غيابه عن ساحة الجبل. ويبدو واضحا وجليا ان اللبنانيين لم يتعلموا من ماضيهم الاليم وان الحواجز النفسية لا بد عائدة على ارض الواقع.

[email protected] - Twitter: @ghassanhajjar

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم