السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

أنا واسمي المستعار والغربة بندوبها وتفرّعاتها

المصدر: "النهار"
محمد علي الأسعد- ألمانيا
أنا واسمي المستعار والغربة بندوبها وتفرّعاتها
أنا واسمي المستعار والغربة بندوبها وتفرّعاتها
A+ A-

لم نكن نعرف أين ستأخذنا الحياة إبان اختراع الـ"فايسبوك"، أو ربما لم أكن أدرك الأبعاد الحقيقية لهذا الاختراع العجيب والغريب الذي دخل حياتنا من دون سابق إنذار، وهو لا يشبه المنتديات الأدبية ولا المواقع الإخبارية. 

في البداية قال لي صديق أنه بالإمكان التسجيل في هذا الزائر الجديد باسم مستعار، فأعجبتني الفكرة وسجلت أول صفحة باسم "العاشق الولهان"، ولأن العاشق لم يجد أي عشيقة له في صفحة لا يزيد عدد الأصدقاء فيها على أربعة بين ذكور وإناث، لا أعرف عنهم شيئاً ولايعرفون عني شيئاً أيضاً، ولكن الفكرة بشكل عام مغرية تختلف عن مسنجر الـ"ياهوو"، والـ"هوت ميل" الذي كنا نهتم بمحادثاته وكاميراته أكثر من اهتمامنا بفناجين القهوة التي كانت تصطف قرب الكمبيوتر في سهراتنا العامرة بالاكتشافات والتلميحات.

مع بداية عام 2012، عندما بدأت العمل الإعلامي مراسلاً لعدد من محطات التلفزيون والإذاعات المختلفة التي كانت مهمتها نقل ما يدور في الداخل السوري من تظاهرات وضرب للبراميل وهدم للبيوت واعتقال للصغار قبل الكبار، وكان دوري آنذاك نقل الخبر بحرفية عالية، بعد منتجته وإخراجه بالتعاون مع زملاء يعملون معنا للأهداف ذاتها، رأينا أنّه من الحماقة أن نرسل التقارير هكذا بالأسماء الصريحة، فإذا لا قدَّر الله وقع أحدنا في يد المخابرات السورية، فسيسلخون جلده ويرمونه للكلاب الضالة، لذلك اختار كلّ منا اسماً مستعاراً. كان اسمي الذي اخترته حيان العمري. طبعا ليس لدي أي مبرر لاختيار هذا الاسم، بل اخترته هكذا من دون تفكير أو تخطيط. ومع الأيام أحببته واعتدت عليه حتى صار لصيقاً بي وصرت بين الجميع حيان، أقدم نفسي في كل محفل: الصحافي حيان العمري. حتى بعد استقراري في ألمانيا، اعتاد الرفاق على مناداتي بالاسم ذاته، حتى كدت أنسى اسمي الحقيقي محمد علي الأسعد، والذي استعدته على "فايسبوك"، قبل عام تقريباً، عندما شعرت بالاستقرار العاطفي والنفسي مع المرأة التي أعادت لي هويتي، وعلّمتني طرق الصعود إلى قمم النجاح، وطالبتني بالتخلص من الإرث الثقيل من المغامرات والهفوات التي حملها حيان العمري على ظهره خلال سنوات تشرّده وشتاته ما بين دول اللجوء من تركيا، مروراً باليونان ثم الوصول إلى ألمانيا. وها أنا الآن أعترف بأنني أسرفت بالأخطاء تحت تأثير حالة الضياع والانكسار التي سببّتها مشاكلي الخاصة، ومشاكل اللجوء في بلاد غريبة طالبتني بتعلّم لغتها وطرق العيش فيها وإثبات وجودي في العمل لأتمكن لاحقاً من لَمّ شمل أولادي الذي تحقق بعد استنزاف دمي وأعصابي.

إنها الغربة أيها السادة بكل ندوبها وتفرّعاتها المفرحة أحياناً، والموجعة دائماً، خصوصاً عندما توفيت والدتي في السعودية، ولم أتمكن من وداعها بقبلة فوق جبينها، أو حمل نعشها على كتفي كما يفعل أي ولد بار بأمه. فلم أكن أهتم بأي اسم سأغضب، ولكن القوانين الصارمة للجوء منعتني من اسمي الذي أطلقته والدتي عليّ، لقد منعوني من البكاء على صدرها وطلب المغفرة من طهر جسدها، كم كنت أرغب بالركوع تحت أقدامها والبكاء حدّ العويل. كنت أرغب بالصراخ: "أنا محمد يا أماه، محمد الذي لطمته الحياة على خدّه الأيمن فأدار لها الأيسر".

ها أنا الآن يا أمّاه أستعيد نزاهة اسمي ولقبي وأدفن حيان من دون أسف أو ندم، إذ مذ عرفته توالت عليَّ النكبات التي كانت تأتي مبتسمة كأي صديق خائن، ثم تطعنني في الظهر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم