الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

حرب أميركيّة-كوريّة شماليّة في الأشهر المقبلة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
حرب أميركيّة-كوريّة شماليّة في الأشهر المقبلة؟
حرب أميركيّة-كوريّة شماليّة في الأشهر المقبلة؟
A+ A-

يدرك الزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ أون حجم الصعوبات الداخليّة التي تواجه الرئيس الأميركيّ على أبواب الانتخابات. ولهذا السبب يشعر بأنّه يتمتّع بهامش واسع من حرّيّة الحركة. حتى أنّه يحسن استغلال المناسبات لاختيار خطواته.

"كابوس أسود"

خلال الأيّام القليلة الماضية، قطعت كوريا الشماليّة جميع أنواع الاتّصالات مع جارتها الجنوبيّة بسبب منشورات ألقاها منشقّون تنتقد كيم. ويوم الجمعة الذي صادف الذكرى السنويّة الثانية لانعقاد قمّة سنغافورة، وجّهت كوريا الشماليّة واحدة من أقسى الانتقادات إلى الولايات المتّحدة. فقد اتّهم وزير خارجيّة بيونغ يانغ ري سون غوون واشنطن بـ "النفاق" بسبب "وعودها الفارغة" والسعي إلى تغيير النظام قائلاً إنّ آمال 2018 تحوّلت إلى "كابوس أسود".

على الرغم من الإيجابيّات ولو الشكليّة التي أفرزتها قمّة سنغافورة لناحية تعبيد الطريق أمام تخلّي كيم عن أسلحته النوويّة، أظهرت قمّة فيتنام سريعاً هشاشة تلك الإيجابيّات. فالاختلاف بين واشنطن وبيونغ يانغ استراتيجيّ وأعقد من أن تحلّه مصافحات وابتسامات أمام عدسات التصوير، أو حتى بعض الإطراءات التي يوجّهها ترامب إلى كيم.

بالنسبة إلى سنة ونصف من ولاية شهدت تهديد ترامب بمواجهة كوريا الشماليّة لـ "النار والغضب" وإطلاق كيم صواريخ بالستيّة قادرة على الوصول إلى الساحل الشرقيّ للولايات المتّحدة، يمكن اعتبار تطوّرات ما بعد 2018 نجاحاً نسبيّاً قصير المدى. فانفتاح كيم على الولايات المتّحدة وكوريا الجنوبيّة وإنهاؤه التجارب الصاروخيّة البالستيّة العابرة للقارّات فتحا للعالم والمسار الديبلوماسيّ نافذة جديدة سرعان ما أُغلِقت بسبب عدم التوصّل إلى مقاربة واحدة لآليّة التفاوض.

مشكلة ترامب الكوريّة الشماليّة

أعاد انسداد الأفق تسليط الضوء على ما كان ترامب يتباهى به لجهة كونه عاقد صفقات ناجحاً. قد لا تتمحور مشكلة الرئيس الأميركيّ حول فشل التوصّل إلى تفكيك كوريا الشماليّة ترسانتها النوويّة. ففي نهاية المطاف، لن يلام ترامب كثيراً لإخفاقه في تحقيق هدف فشلت جميع الإدارات السابقة بتحقيقه. غير أنّ خطأه هنا يتلخّص ربّما في مبالغته باستعراض قدراته التفاوضيّة.

من حيث تطوّرات هذا الملفّ، تكمن مشكلة ترامب الحقيقيّة في أنّه يقترب من نهاية ولايته مع عودة التوتّرات وتصاعد اللغة التصعيديّة لبيونغ يانغ وعودة إطلاق المقذوفات نحو بحر اليابان. في حزيران 2018، قال ترامب إنّه لم يعد هنالك تهديد نوويّ من كوريا الشماليّة للولايات المتّحدة. لكن في حزيران 2020، يقترب الرئيس الأميركيّ من انتخابات رئاسيّة مصيريّة في ظلّ ظروف فوق شبه الجزيرة الكوريّة أقرب لأن تكسر ما كان قد أعلنه منذ سنتين. فبيونغ يانغ توسّع منشآت لإطلاق المقذوفات وهي تبني أخرى جديدة. وهدّدت شقيقة الزعيم الكوريّ الشماليّ كيم يو جونغ بعمل عسكريّ ضدّ كوريا الجنوبيّة بعد إرسال المنشقّين المنشورات المعارضة لكيم عبر الحدود.

"يائس"

وسط كلّ الفوضى العمليّة والحسابيّة في البيت الأبيض، وفي حال استمرّ التصعيد الكوريّ الشماليّ، يمكن أن يُحشر ترامب في زاوية اختيار حرب على بيونغ يانغ قبل الانتخابات. على الأقلّ كانت هذه فكرة أو تساؤل أستاذ العلاقات الدوليّة في جامعة باث البريطانيّة تيمو كيفيماكي. فبعكس "الحكمة التقليديّة" التي تقول إنّ الرؤساء الأميركيّين يفضّلون عدم الانخراط في المغامرات العسكريّة الخارجيّة خلال السنة الانتخابيّة، يعدّد كيفيماكي سلسلة الحروب التي خاضها الرؤساء السابقون في تلك الفترة تحديداً.

من بين تلك الحروب أو العمليّات العسكريّة، حروب العراق وأفغانستان وكوسوفو والصومال وليبيا وغيرها الكثير. علاوة على ذلك، يتابع الأستاذ الجامعيّ نفسه، تمّ تشجيع ترامب "على التمرّد" بحيث أصبحت تقريباً عمليّته العسكريّة ضدّ قواعد سوريّة "مكوّناً لصدقيّته الرئاسيّة". يترافق كلّ ذلك مع توقيت يشعر فيه ترامب بأنّه "يائس".

مسارات معاكسة

إذا كان اجتماع هذه العناصر يجعل من الحرب احتمالاً قائماً فإنّ عناصر أخرى تقلّل من حدوثه. حتى براهين كيفيماكي يمكن أن تصبح أقلّ قوّة إذا وُضعت في سياقها. لقد اضطرّ ترامب إلى شنّ ضرباته العسكريّة ضدّ القواعد العسكريّة السوريّة لأنّه أراد إظهار احترامه للخطوط الحمراء التي يضعها بخصوص منع استخدام الأسلحة الكيميائيّة بعكس ما فعل أوباما سنة 2013. واغتيال قاسم سليماني أتى على خلفيّة التهديدات التي طالت السفارة الأميركيّة في بغداد بعدما أراد ترامب تفادي تكرار مشهد مقتل السفير الأميركيّ كريستوفر ستيفنز في ليبيا سنة 2011 وسط تحرّك بطيء جدّاً من إدارة أوباما.

لكنّ ضربة عسكريّة ضدّ كوريا الشماليّة لن تعزّز صدقيّته الرئاسيّة لأنّها ببساطة لن تظهره رئيساً قويّاً حيث كان سلفه ضعيفاً. يضاف إلى ذلك أنّ مفاعيل توجيه ضربة إلى كوريا الشماليّة هي أكبر من مفاعيل شنّ ضربات على سوريا أو اغتيال سليماني. فعلى الرغم من أنّ واشنطن ستنتصر على بيونغ يانغ في نهاية المطاف، إلّا أنّ الكلفة ستكون كبيرة بالنظر إلى امتلاك كيم أسلحة استراتيجيّة وتقليديّة تهدّد أمن حلفاء الولايات المتّحدة مثل كوريا الجنوبيّة واليابان.

كذلك، بإمكان الحرب أن تشتّت الأميركيّين عن مشاكلهم الداخليّة لفترة بسيطة، لكنّ نقطة قوّة ترامب الانتخابيّة تكمن في الاقتصاد لا الحرب. إنّ ضربة عسكريّة على كوريا الشماليّة – وهي خطوة قد لا تجد تأييداً شعبيّاً في الأساس بغضّ النظر عن مدى استفزاز بيونغ يانغ – لن تخدم الاقتصاد الأميركيّ. من هنا، إذا كان ممكناً طرح احتمال حرب أميركيّة على كوريا الشماليّة قبل نهاية السنة الحاليّة، فإنّ طرح احتمال استئناف المحادثات بين البلدين قبل الانتخابات ممكن أيضاً. وهذا ما فعله الخبير البارز في الشؤون الكوريّة الشماليّة ضمن "المعهد الأميركيّ للسلام" فرانك أوم.

بقاء الستاتيكو هو الأرجح... ولكن

يتوقّع أوم عدم انعقاد قمّة أخرى بين البلدين لأنّ كيم سينتظر إلى ما بعد الانتخابات لبناء خطوته التالية. واستبعد أن يعمد كيم إلى استفزاز الولايات المتّحدة بتجربة لصاروخ بالستيّ عابر للقارّات لأنّه سيجلب المزيد من العقوبات الأمميّة بما فيها تلك التي توافق عليها الصين. ومع عدم استبعاده أن تنخرط بيونغ يانغ في استفزازات غير مباشرة، رأى أوم أنّ الإدارة الأميركيّة راضية أو على الأقلّ متقبّلة للستاتيكو الحاليّ.

قد تكون احتمالات بقاء الوضع الراهن أكبر من أيّ احتمالات أخرى. لكنّ تصرّفات كيم ليست مضمونة هي الأخرى. ربّما يرغب، بعكس ما يتوقّع أوم، في زيادة الضغط على الرئيس الأميركيّ من خلال استفزاز كبير (كإطلاق صاروخ بالستيّ متوسّط المدى) يتماشى تصاعديّاً مع الخطوات الكوريّة الشماليّة خلال الأشهر القليلة الماضية. فهل يردّ ترامب بضربة عسكريّة حينها؟ على الأرجح لا. ومع ذلك، ما من جواب نهائيّ. إنّه سؤال "المليون دولار" وفقاً لكيفيماكي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم