الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الروائي الجزائري بشير مفتي لـ"النهار": الجوائز تتكاثر من دون قيمة ولا أؤمن بورش الكتابة

المصدر: "النهار"
مسعودة لعريط- الجزائر
الروائي الجزائري بشير مفتي لـ"النهار": الجوائز تتكاثر من دون قيمة ولا أؤمن بورش الكتابة
الروائي الجزائري بشير مفتي لـ"النهار": الجوائز تتكاثر من دون قيمة ولا أؤمن بورش الكتابة
A+ A-

يعدّ بشير مفتي أحد أبرز الروائيين الجزائريين الذين تمحورت رواياتهم حول إشكالية مرحلة العشرية السوداء التي عصفت بالجزائر في تسعينات القرن الماضي. هنا دردشة صريحة لـ"النهار" معه... 

- قرأت لك أخيراً رواية "غرفة الذكريات" التي تدور أحداثها في الجزائر العاصمة في حقبة التسعينات، وتتمحور حول شخصية عزيز عمران. ينتمي ذلك الشاب المهووس بالأدب والفكر إلى حي شعبي وعائلة بسيطة لم تستطع أن توفر له غرفة خاصة به، تسمح له بالقراءة والتحليق في عالمه الخاص وتحقيق حلمه بكتابة رواية، فينتقل للعيش مع صديقه الشاعر جمال كافي في شقة واسعة. في الحانة، برفقة سمير عمران الذي كان هو الآخر شاعراً، تتجسد عذابات المثقف الجزائري الذي عايش تلك الأحداث بصمود وشجاعة، وبمرارة أيضا وبأحلام وتطلعات إلى جزائر أفضل...

تكمن المفارقة في هذا النص في أنّ الموت كان معانقاً للشعر والحب، وأن الوعي كان مقترناً بالغياب والسكر. تنتهي قصة حب عزيز مالك المعقّدة بالفشل، لكن حبّه لمرجانة يظل قائماً، ينتحر سمير عمران يوم مقتل الرئيس المخدوع بوضياف ويلتبس الأمر: هل كان ذلك انتحاراً بسبب الوضع، أم بسبب عشق امرأة كانت بين صديقين حميمين. تمتد يد الإرهاب لتضع حداً لجمال كافي الذي كان يزعجهم بمقالاته الصحافية عن الوضع الفاسد، في وقت لم يكن بإمكان أحد أن يعرف مَن يقتل مَن. في الخمسين من عمره، يتمكّن عزيز مالك، الشخصية المحورية للرواية من كتابة روايته التي حلم بها من خلال نزيف الذاكرة، مسترجعاً قصص الأصدقاء الذين ذهبوا ضحية تلك الحقبة السوداء التي شكلت هاجسا للكتابة بالنسبة لكثير من الروائيين الجزائريين: "تكلموا أيها الموتى... القتلى... المذبحون...المنتحرون من خلالي"، فيُمنَحوا بذلك فرصة ثانية للحياة.

- هل سيبقى هاجس المرحلة السوداء التي عاشتها الجزائر في التسعينات يهيمن على خصوصيتك الروائية، أم ستتمكّن من تجاوز هذا الموضوع الآسر؟

لماذا تعتبرين أن عدم الكتابة في هذا الموضوع تجاوزاً؟

- أقصد ما هي الهواجس الأخرى الممكنة؟

لقد شكّلت تلك المرحلة نقطة سوداء في تاريخ الجزائر المعاصر، وشكّلت أيضاً منعطفاً مهماً لأمور كثيرة واجهناها بعد تلك الفترة بسبب العشرية السوداء.

- هل يمكن أن تنشغل بهواجس أخرى أم هي خصوصية ثابتة؟

يقول مورافيا: "لكل روائي مفتاح يمكن أن نلج عالمه من خلاله"...، همنغواي الشجاعة، كافكا الخوف، ربما أنا الحب والموت، صراع الثنائية بين الحياة والموت. فهمتُ قصدكِ، لكن لا أريد أن يفهم كما لو إني سجين في كتابة مرحلة، بينما أشعر بأنّني لم أقل إلا القليل عنها... عشر سنوات من العنف... حياة بأكملها.

ما هي أقرب نصوصك إلى قلبك؟

كلها! لأني لو لم أحبها لما نشرتها بكل عيوبها طبعاً. نشرتها لأني أحبها أو أحببتها على الأقل في الزمن الذي نشرتها فيه. كل رواية هي قصة حب في النهاية.

ما الفارق الزمني الذي تستغرقه لكتابة رواية جديدة؟

سنتان، ولكن رواية "دمية النار" دامت ثلاث سنوات.

جميل، هذا وقت قياسي... حسنا، وما هو المحيط الذي ينبغي أن يتوافر لتكتب؟ أم أنك تكتب في كل الظروف وبلا طقوس خاصة؟

لا توجد طقوس، إلا إذا اعتبرنا التدخين يدخل في الطقوس (ضحك)، كان جبرا إبرهيم جبرا يقوم بعد كتابة رواية بتعداد علب السجائر التي دخنها. كتبت في المقاهي، في البيت، في الصباح، في الليل، في العمل، في كل مكان...

ألا يتطلب الأمر غرفة خاصة للكتابة والقراءة، مثلما حدث مع بطل "غرفة الذكريات" ومثلما تقول فرجينيا وولف؟

يتطلب إن كنت تملك ذلك. أما أنا، وبما إني أستأجر دائما، فلا اشعر إني أملك شيئا، لا غرفة، لا بيت، لا مكتب... بالنسبة لي الروائي يكتب بحسب الظروف المتاحة له. هنالك من كتبوا حتى وهم في السجن. إذاً، المهم هي الكتابة وليس محيطها. قد تساعدك الظروف بعض الشيء بالتأكيد، لكن الكتابة كما أظن، تتجاوز، أو يمكنها أن تتغلّب على كلّ الظروف. أذكر رواية رائعة عنوانها "عربة المجانين" لليسكانو، كتبها في السجن.

ما الأهم بالنسبة إليك في كتابة الرواية، الفكرة والحكاية الأولى أم الشخصيات؟

أحيانا الفكرة، أحيانا الشخصيات...

هل تكتب وأنت تملك حكاية في ذهنك مسبقة؟

لا.

هل تفكّر مسبقاً بالتقنيات التي ستعتمدها؟

تأتي فكرة بسيطة في البداية، ثم أترك المغامرة تنسج الرواية، وتغيّر الأحداث، وحتى الفكرة الأولى قد تصبح غير أساسية. أثناء الكتابة تظهر التقنيات. لا أفرضها على نصّي بل هي تأتي مع الكتابة، وفي أثنائها...

هل تجلس طويلاً في مكتبك لتكتب؟ كم يستغرق منك وقت الكتابة الروائية يومياً؟

لا أحسب كم ساعة أقضيها يومياً في الكتابة.

هل تكتب بوتيرة متواصلة، أم يمكن أن تتوقّف أياماً تم تعود؟

أحياناً أكتب لنصف يوم، أو حتى ليوم كامل، بحسب درجة الحماسة. إن بدأت في الكتابة، فيجب ألا أتوقف، لو أطلت هجرها ستهجرني. يجب أن أتمّمها. ثم يمكن تركها بعض الوقت ثم العودة لقراءتها مجدداً وإضافة ما أريد.

لماذا تكتب؟

يعجبني ما قاله الروائي الأرجنتيني أرنستو ساباتو لأدافع عن وجودي. كتبت على نفس المنوال لأبلغ عن وجودي، أنا أكتب إذاً أنا موجود . لا يهمني المستقبل يهمني الآن.

لمَن تكتب؟

أكتب، أغلب الظن، لنفسي.

لك أيضا قراء وجمهور تعرّف إليك في كثير من المناسبات والمحافل الثقافية ومعارض الكتب وعلى شبكة التواصل الاجتماعي.

بالفعل، تطلّب الأمر وقتاً حتى يتكوّن هذا الجمهور من القراء الذين أعتزّ بهم، ولكن في الكتابة، لا أكتب للقراء، ولا أضعهم في ذهني بتاتا، وإلا شعرت أني أكتب بطريقة زائفة، أي ما يريدونه مني، لا ما أريده أنا. الأهم في الكتابة أن تكون حراً ومستقلاً عن أي أحد.

ما رأيك في واقع الرواية الجزائرية؟ ما أجمل رواية قرأتها عالمياً وعربياً؟

الرواية الجزائرية لا تزال رواية مشاريع، مغامرات أفراد وليست تياراً أو حركة روائية. لهذا تجدين بزوغ بعض الأسماء لأنها تبذل جهدا أو تجتهد أكثر، لكن لا توجد لدينا ديناميكية روائية وحركية تسمح بأن تصبح الرواية الجزائرية حقيقة ملموسة، أي لها سوق ولها إعلام، ولها نوادٍ وقراء وجمعيات وجوائز، إلخ...

تعجبني الأسماء الجديدة المعروفة في وقتنا الراهن، لكن أفضل عدم الإشارة إلى اسم بعينه تفادياً لإثارة حساسية البعض. عربياً، قرأت كثيرا لجيل الهزيمة، النكسة. قرأت لجمال الغيطاني، والخراط وصنع الله إبرهيم، وجيل الستينيات العربي بكل أسمائه، وكنت معجباً بروايات جبرا ومنيف وغسان كنفاني. في الحقيقة، قرأت كل ما كانت تقع عليه يديّ من روايات من كل البلدان العربية بلا استثناء. أما عالمياً، فكان لي تأثر خاص بهنري ميلر، وفرانس كافكا، وارنستو ساباتو، وميشيما يوكويو، لكن قرأت الكثير من الروايات العالمية التي لا يمكن ذكرها جميعها.

تنتقد وضع الرواية في الجزائر، في حين هناك من يصنفها بلد الرواية مقارنة بتونس بلد الشعر، والمغرب بلد النقد والدراسات النقدية، وأخيراً حصدت الجزائر الجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" في دورتها الثالثة عشرة، بفضل رواية "الديوان الإسبرطي" لعبد الوهاب عيساوي.

لا أنتقد وضع الرواية في الجزائر، إنما انتقد البيئة الثقافية غير المؤهلة لأن تكون حاضنة لحركة روائية كبيرة، وقلت إنها لا تشكّل تياراً.

أنا أعتقد أنها تشكل تيارات...

دعك من الكثرة، فأغلب الروايات لا تحمل من الرواية إلا النوع الذي يوضع على الغلاف. أظن أنها مشاريع روائية فردية وليست تيارات بمعنى حركة روائية مهمّة، تقتصر على أفراد لهم تجارب مميزة من الأجيال مختلفة. لكن الرواية في الجزائر ليس لها سوق قرائي كبير، بخلاف مصر مثلاً، حيث يمكن أن تنجح رواية تجارياً، بمعنى أن تبيع ما يفوق الـ10 آلاف نسخة، أما في الجزائر فهذا شبه مستحيل. أغلب الروايات لا يتجاوز بيعها الألف نسخة، يعني ليست هنالك سوق قراءة للرواية. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد مجلات ولا إعلام يهتم بالأمر، أما النقد فمحصور في الرسائل الجامعية وهو لا يصل للقراء عامة.

وماذا عن الجوائز في الجزائر؟

ليس عندنا جوائز قيّمة لهذا لا أشارك فيها. كما تدخل العلاقات الشخصية مما يفسدها تماماً. الجوائز تتكاثر دون فائدة ولا قيمة، وجوائز وزارة الثقافة كارثية، لهذا لا يجب أن نكذب على أنفسنا في هذا الشأن. لستُ متشائماً، وقد يحدث تغير في المستقبل. مَن يدري؟

ما رأيك في ورشات ومدارس التكوين في كتابة الرواية؟

بالنسبة إلى مدارس التكوين وورشات الكتابة، فأنا شخصياً لا أؤمن بها، حتى لو كانت معتمدة في جامعات أميركية كبرى. ولكن ثمة سوقاً كبيراً للرواية، ولهذا يحتاجون لصناعة نجوم في كلّ مرة. باختصار أنا مع التثقيف الذاتي. فالكاتب إن كان موهوباً أو أظهر قدرات في هذا المجال، فعليه أن يصقل موهبته بالقراءات الكثيرة، والتزوّد من كلّ المعارف الممكنة والمتاحة حتى يصل إلى ما يريده. والذي لا يملك صبر أيوب في القراءة والتعب، فعليه أن يتخلّى على هذا الطريق من تلقاء نفسه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم