الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

"العنصريّة النظاميّة" في أميركا... واقع أم تراشق سياسيّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
"العنصريّة النظاميّة" في أميركا... واقع أم تراشق سياسيّ؟
"العنصريّة النظاميّة" في أميركا... واقع أم تراشق سياسيّ؟
A+ A-

"أسوأ من 1968"

أستاذ التاريخ والشؤون العامّة في جامعة برينستون جوليان زيليزر كتب أنّ الواقع الأميركيّ اليوم هو أسوأ من أجواء 1968 إبّان حركة الحقوق المدنيّة. قارن زيليزر بين الحالتين، فوجد نقاط تشابه كالعنف في الشوارع وقسوة الشرطة ضدّ الأمريكيين-الأفارقة. لكن في مقابل رئيسين مثل ليندون جونسون وريتشارد نيكسون، لا يهتمّ الرئيس الحاليّ دونالد ترامب بالحوكمة الجيّدة، وفقاً لرأيه. وأضاف أنّ ما يجري اليوم من حيث تدهور الوضع الاقتصاديّ والصحّيّ أسوأ من تلك الحقبة، حيث توفّي أكثر من مئة ألف أميركيّ بسبب "كورونا" في مقابل خمسين ألفاً بسبب حرب فيتنام، كما أنّ الأداء الاقتصاديّ اليوم أكثر انهياراً.

لفت زيلير النظر إلى أنّ الأوضاع الداخليّة اليوم أصبحت أكثر استقطاباً من ذي قبل. يتوضّح هذا الأمر بشكل شبه يوميّ في الولايات المتّحدة. لكن ما لم ينتبه إليه الكاتب هو أنّ اتّهامه لترامب بفقدان المؤهّلات القياديّة وسط هذه الظروف قد يكون جزءاً من هذا المشهد. صحيح أنّ تصريحات ترامب السابقة كانت بعيدة من المثاليّة في هذا السياق خصوصاً في الفترة الأولى من عهده، لكنّ المشكلة أعمق منه. في الأيّام الماضية، تظاهر ناشطون أمام البيت الأبيض استنكاراً لسياسات ترامب "المسؤولة" أو التي "تشجّع" على العنصريّة.

لكن حين قُتل المواطن الأميركيّ-الأفريقيّ مارتن براون بإطلاق نار من الشرطيّ الأبيض دارن ويلسون في آب 2014، لم يتوجّه المتظاهرون المنضوون تحت ألوان مختلفة من "اليسار" الأميركيّ إلى البيت الأبيض حين كان باراك أوباما سيّده. ثمّة الكثير من هذه الأسئلة حول تناقض المشهدين والتي قد لا تجد أجوبة حاسمة لها. هل سبب هذا الامتناع هو عدم وجود مكسب سياسيّ من انتقاد أوباما؟ أو أنّ أصول أوباما الأفريقيّة تمنعه من أن يكون متورّطاً في "شحن النفوس" في المسائل العنصريّة؟

عن العنصريّة كمنهجيّة

حين يقع اعتداء فتّاك من شرطيّ أميركيّ أبيض على مشتبه به من أصول أفريقيّة يعمّ غضب شعبيّ وتلقائيّ الولايات المتّحدة على "العنصريّة" حتى قبل انطلاق التحقيقات، وهذا ما كان واضحاً في حالة فلويد. يعتقد جزء وازن من "اليسار" وحتى من بعض المراقبين أنّ العنصريّة حالة "منهجيّة" في النظام الأميركيّ. تحدّث بايدن عن "جرح مفتوح" للعنصريّة النظاميّة في الولايات المتّحدة يوم الجمعة. رئيس "معهد بروكينغز" جون آر ألّين كتب أيضاً عن هذه الحالة.

لا يوافق مستشار ترامب لشؤون الأمن القوميّ روبرت أوبراين على وجود هكذا عنصريّة في مؤسّسات إنفاذ القانون في البلاد، متحدّثاً عن وجود بضع "تفّاحات سيّئة" في الشرطة. تردّ المراسلة البارزة في موقع "ماذر جونز" ستيفاني منسيمر على كلام أوبراين كاتبة أنّه من السهل دوماً إلقاء اللوم على بعض عناصر الشرطة في قضايا التعامل الوحشيّ عوضاً عن إلقائه على "النظام" الذي "خلقها".

وتذكر منسيمر أنّ ما يقارب 50% من الأشخاص غير المسلّحين الذين قُتلوا على يد الشرطة ضمن أكبر مئة مركز أمنيّ في البلاد بين 2013 و 2019 كانوا من السود. قد تكون نسبة خمسين بالمئة معبّرة عن خلل ما إذا تمّت مقارنتها بالنسبة العامّة للأميركيّين-الأفارقة والتي تبلغ حوالي 13% من نسبة السكّان الإجماليّة. وهنالك أرقام أخرى قريبة تشير إلى هذا الواقع.

لكنّ هذه الأرقام على الرغم من أهمّيّتها لا تظهر جوانب بارزة أخرى بحاجة للبحث مثل حجم الخطر الذي فرضه المشتبه بهم على عناصر الشرطة ومدى اضطرارهم للدفاع عن النفس. ويمكن أيضاً الانطلاق من زاوية ثانية للمقاربة تقوم على معرفة عدد السود الذين تقتلهم الشرطة بالنسبة إلى عدد المواجهات. لكنّ هذين الأمرين صعبا التحقق لأنّ "الخطر" يعبّر عن رؤية ذاتيّة لا موضوعيّة لعناصر الشرطة كما أن لا إحصاءات حول عدد المواجهات لقياس نسبة سقوط القتلى السود خلالها. وانخفضت في السنوات الأخيرة حصيلة القتلى غير المسلّحين في مواجهة الشرطة، وانطبق هذا الواقع على السود العزّل بالتوازي مع انخفاض نسبة القتلى العزّل من الإثنيّات الأخرى.

تمهّل

علاوة على ذلك، لا تشير هذه النسبة إلى عدد السود الذين قُتلوا على أيدي شرطيّين من السود. وفي 2018، حين كان ضحيّة القتل من السود، كان المشتبه بارتكابه الجرم أسودَ في 88% من الحالات. وبين 1976 و 2005، كان 94% من القتلى السود ضحايا لقتلة من المجتمع الأميركيّ-الأفريقيّ. وهذا يعني أنّ الشرطة قد تكون أحياناً على تماس أكبر مع بيئات خطرة.

يؤكّد البروفسور الفخريّ في كلّيّة جون جاي للعدالة الجنائيّة في "جامعة مدينة نيويورك" باري لاتزر الذي أورد هذه الأرقام أنّها ليست مدعاة لوسم ذلك المجتمع بميله إلى الإجرام. ويضيف أنّ هذا المجتمع يُدين العنف لكنّه يعاني من "غياب عميق" في الثقة بالشرطة داخل أحيائه الفقيرة إضافة إلى خوف من انتقام المجرمين السود في حال تعاون الأهالي معها. وهو ما يشكّل بالنسبة إلى الأستاذ الفخريّ "ثقافة من اللاتعاون" في ذلك المجتمع مع الشرطة.

من جهة ثانية، لا تطلق عمليّات القتل التي تستهدف مواطنين أميركيّين من البيض على يد شرطيّين من السود ردّة الفعل العنفيّة نفسها. وهذا ما حصل منذ ثلاث سنوات مع جاستين دايموند التي قُتلت على يد شرطيّ أسود في مينيابوليس. كانت دايموند قد اتّصلت بالشرطة بعد ظنّها أنّ امرأة تتعرّض للاغتصاب وحين وصلت الشرطة وسارعت دايموند إلى عناصرها للتحدّث إليهم، أطلق أحدهم النار على صدرها فأرداها. وبعد ثمانية أشهر أدين الشرطيّ بتهمة القتل من الدرجة الثالثة، وهي التهمة التي تمّ توجيهها إلى شوفين.

بطبيعة الحال، إنّ القتل الوحشيّ الذي مارسه شوفين بمساعدة آخرين من زملائه يتطلّب إضافة إلى الإقالة والمحاكمة تطويراً وتدريباً دائمين لعناصر الشرطة على التعامل مع المشتبه بهم. مع ذلك، تفرض طبيعة المشكلة المعقّدة في ظلّ نقص البيانات التمهّل في إطلاق أحكام العنصريّة وخصوصاً في تعميمها على شرائح أو مؤسّسات أميركيّة واسعة. فقتل شرطيّ أبيض لمتّهم أسود لا يعني تلقائيّاً أن تكون دوافعه عنصريّة، على الأقلّ ليس قبل أن يتمّ إثبات ذلك قضائيّاً. لكن في ظلّ سنة انتخابيّة قاسية، يُتوقّع أن ترتدي اعتداءات كهذه أبعاداً سياسيّة تستبق، إن لم تحجب، المعطيات القضائيّة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم