الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الخسائر ليست نهاية العالم

المصدر: "النهار"
راوية مطر
الخسائر ليست نهاية العالم
الخسائر ليست نهاية العالم
A+ A-

اتّخذت قراري، سأرفس هذه النمطية وأمضي غير آبهة. لا أريد لهذه الصداقة أن تستمرّ. كان قد منحني إيّاها كجائزة ترضية بعد وضع حدّ لعلاقتنا الحميمة، فبدا من السهل عليه القول: "سنبقى أصدقاء".

ها أنذا أعيش منذ قرابة الـ50 يومًا بمفردي. لم تظهر لديّ تلك الحاجة الملحّة لاختراع صداقات جديدة. حتى أصدقائي الحقيقيون بات تواصلي معهم محدودًا. كلنا نترقّب، نمارس الوحدة بتفرّد كأننا كنّا بأمس الحاجة إلى الاختلاء بذواتنا.

أستذكر في هذه اللحظة صداقاتي القديمة التي شكّلت محور حياتي لسنوات، كيف انتهت رويدًا رويدًا، انتهت من حيث بدأت من دون ألم ولا بكاء، انتهت بفعل انصرافنا عن اهتماماتنا المشتركة، بهدوء وروية وبمنتهى العقلانية.  

شيء ما يشبه انتهاء مدة الصلاحية، يلمّ بالصداقات عندما نملّ، نتغيّر، نبدل بعض الشيء في أنفسنا.

وحتى تلك الصداقات التي لم تنتفِ الحاجة الملحّة لوجودها، بتنا بفعل مرور الزمن نجيد خسارتها. فعندما نهدأ من نوبة الخسارة تلك، ندرك أن الخسائر ليست نهاية العالم. لا بل قد تكون بدايته. بتنا عندما نخسر شيئًا قيمًا نتنبّه إلى أننا نربح أشياء أخرى قد تكون صغيرة، إنما هي قيّمة، تتراكم لتشكّل تعويضًا كافيًا عن الخسارة. 

****

إن كان البعض يمارسون العادة السرّية ويستعيضون بها أحيانًا عن حبّ واهم أو علاقة مرضيّة لا تجلب لهم سوى التعاسة، فهل من الممكن أن نستعيض عن الصداقات الواهية بمصادقة أنفسنا، أن نبني تلك العلاقة المتينة مع الذات على المصارحة والشفافية؟ هل نصل إلى مرحلة من التقهقر الاجتماعي نصبح معها كائنات تطرح الأسئلة على ذواتها وتخاطبها؟ كأن نقول لأنفسنا "صباح الخير"، ونتمنّى لها يومًا ممتعًا. أذكر أنني، وفي إحدى حصص التأمّل القليلة التي شاركت بها، رأيت زملائي يتحدّثون مع ذواتهم بعبارات المدح والثناء، يشكرونها على وجودها في حياتهم، أبدوا تجاه ذواتهم كلّ الحب والتقدير والاعتزاز. يومها قالت المدرّبة إنّ الوقت الذي نخاطب فيه ذواتنا يجب أن تكون له قدسيته في حياتنا.

أذكر يومها أنني شعرت بالغرابة، لم أخاطب نفسي كما طلبت المدرّبة، لكنني أمعنت النظر في تلك الوجوه الصافية والعيون المغمضة المنصرفة إلى التحدث مع ذاتها. بدا الأمر سورياليًا تمامًا. لكن ظهرت على تلك الوجوه علامات الرضا والطمأنينة. كان أصحابها سعداء بمخاطبة ذواتهم. كنت الشخص الوحيد في القاعة ربما العاجز على تحسّس تلك المتعة.

لكن منذ قرابة الـ50 يومًا، وضعتني الحياة في مواجهة مع ذاتي في شقة مغلقة، أمام خيارين: أن أصادقها أو أعاديها... أظنني لم أحسم خياري بعد.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم