الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

في يومهم العالمي ممرّضون يروون لـ"النهار" تجاربهم في مواجهة الفيروس... "يلي عم منشوفو بوّجع كتير"

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
في يومهم العالمي ممرّضون يروون لـ"النهار" تجاربهم في مواجهة الفيروس... "يلي عم منشوفو بوّجع كتير"
في يومهم العالمي ممرّضون يروون لـ"النهار" تجاربهم في مواجهة الفيروس... "يلي عم منشوفو بوّجع كتير"
A+ A-

ما قبل 21 شباط ليس كما بعده. ما كنا نسمع عنه في الخارج أصبح موجوداً في لبنان بعد هذا التاريخ، ومعركتنا مع الحياة بدأت جدياً في تلك اللحظة، والخوف من هذا الفيروس المستجد والغامض الذي أنهك العالم وما زال حتى اليوم. وما كنا نعتبره بديهيّاً أصبح اليوم جوهريّاً. لم نعرف حقيقة معنى رسالتهم وتضحياتهم إلا بعد أن خضنا حرباً شرسة طبيّة وعلميّة مع #كورونا. الجنود البيض، أو جنود دفاع الخط الأول... سمِّهم ما شئت، إلا أنهم اليوم أصبحوا دون منازع "أبطالاً" تُرفع لهم القبعة. 

في اليوم العالمي للتمريض تبقى شهادات الممرضين والممرضات أصدق ما يُقال عنهم، على لسانهم. ما يختبرونه ويعيشونه من تجارب ينقل الصورة الحقيقية ليومياتهم ورسالتهم الإنسانية التي تتخطى خطر الموت. ما واجهته مستشفى المعونات-جبيل يختصر ما قد يتعرض له الطاقم الطبي والتمريضي خلال أداء مهنته. 10 إصابات بالكورونا عند الطاقم الطبي في المستشفى بعد انتقال العدوى من المريض المتوفى ج. خ قبل تشخيص إصابته بالفيروس. الخبر وقع كالصاعقة على المستشفى والعاملين فيها، لم يكن أحد يتوقع ذلك، إلا أنه حصل وعلّمنا الكثير.

شربل جرجس كان من بين الطاقم التمريضي الذي التقط عدوى الفيروس في المستشفى. عندما شُخِّصت حالة المريض في المستشفى، كان عليهم أن يخضعوا جميعاً لفحص الـPCR. يُشاركنا اليوم شربل تجربته والتحديات التي واجهها والمخاوف التي عاشها طيلة فترة الحجر الصحي في المستشفى. يقول لـ"النهار": "لم أتوقع أن تأتي نتيجة الفحص إيجابية، لم أعانِ أعراضاً صحية سوى حرارة ليوم واحد. ومع ذلك كنتُ حاملاً للفيروس وبالتالي عليّ البقاء تحت الرعاية الطبية بناءً على طلب إدارة المستشفى للوقوف إلى جانبنا وتقديم الدعم النفسي والمعنوي لنا. لم نكن نعرف أن المريض مصاب بكورونا، ما أدى إلى انتقال العدوى إلى بعض الممرضين العاملين في الطابق نفسه، شعرتُ بالصدمة للوهلة الأولى عندما صدرت النتيجة، ومن ثم توجهتُ إلى المستشفى حيث أمضيتُ 25 يوماً فيها كمريض وليس كممرض".

لم يكن شربل يعاني من الأعراض المتعارف عليها، لم يعانِ من نزلات برد أو رشح أو سعال... ولكن كان يواجه كل يومين عارضاً جديداً مثل ألم في الجسم ومن ثم ألم عضلات... وبعد نتيجتين إيجابيتين بالرغم من مرور أسبوعين على تواجده في المستشفى صدرت النتيجة الثالثة التي تؤكد شفاءه من الفيروس بعد 25 يوماً من إصابته بالكورونا. برأيه، "ما عشته صعب جداً، فيروس جديد ولا علاج له أو لقاح، وكل ما يُعطى ما زال ضمن التجارب العملية، الأمر ليس سهلاً. كنتُ أفكر في عائلتي البعيدة عني، وهل سأراهم مجدداً. أفكار كثيرة راودتني في غرفة العزل، كنتُ أعدّ الأيام يوماً بعد يوم. اللحظات كانت قاسية ووقعها صعب، ولكن دعم المستشفى من إدارة وموظفين ومسؤولين ساعدني على تخطي هذه المرحلة، كانوا بمثابة العائلة الثانية ولم يتركوني للحظة".

لدى شربل الكثير ليقوله، كلماته أشبه بصفعة لنا جميعاً، صرخته اليوم قوية يريد إيصالها ليعرف الناس حقيقة ما يواجهونه، "نحن نتحدث عن فيروس لا نعرف عنه شيئاً سوى القليل. وكما يقول المثل "سآل مجرب وما تسأل حكيم"، قعدة المستشفى أصعب مليون مرة من قعدة البيت، ما تسهتروا بالفيروس لأنه لا يُميّز بين كبير أو صغير، واعلموا جيداً الوجع بصاحبه و"الله لا يجرّب حدا". 

أما بالنسبة إلى الممرضة ميرا خوري التي تعمل في قسم العناية الفائقة لمرضى الكورونا في مستشفى المعونات- جبيل، فتصف لنا تجربتها وما تخوضه من فصول ومصاعب يومية مع #كورونا، قائلةً: "كشف لنا الفيروس قيمة الحياة وأهمية العائلة أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نعيش كل لحظة بلحظتها، وما نراه صعب وموجع. اختبرنا مع الفيروس لحظات صعبة وكيف يخطف المريض في لحظة غير متوقعة بعد أن كانت حالته الصحية مقبولة. اليوم لمسنا حقيقة قيمة الحياة والعائلة والأولاد وخصوصاً في زمن #الكورونا حيث حُرمت عائلة المريض من الاطمئنان عليه وزيارته، حتى أن البعض حُرم من توديع والدٍ أو قريبٍ له ولم يستطع أن يقول لهم كلمة وداع أو يشعر بوجودهم قبل وفاته".

ما هي أصعب اللحظات التي اختبرتها في عملك مع مرضى الكورونا؟ تشير خوري إلى أن "أصعب لحظة عشتها كانت عندما ساءت حالة أحد المرضى عندالساعة الواحدة فجراً في العناية الفائقة وحاولنا الاتصال بأولاده ليسمع صوتهم قبل وضعه على الجهاز التنفسي. لم يُجب عليه سوى ابنه، وبعد أيام توفي المريض من دون أن يتمكّن أولاده من رؤيته أو سماعه. صحيح ما نعيشه قاسٍ ولكن لا أنكر الدعم النفسي والمعنوي والمادي الذي توفره المستشفى بإدارتها ومسؤوليها للطاقم الطبي (لا سيما العاملين في قسم الكورونا) الذي ساعدنا كثيراً على تخطي المخاوف، والتخفيف عن الضغوط التي نواجهها مع الفيروس يومياً، فنحن نخوض حرباً شرسة معه".

تعيش خوري في صراع مع الوقت والحياة، فكلما كان عليها الدخول إلى غرفة المريض عليها أن تخوض هذا الصراع "بين أهمية حماية نفسي وارتدائي للبدلة الوقائية وبين كسب الوقت للكشف على المريض. الدقيقة غالية في هذه الحالات الحرجة، وكل تأخير حتى لو دقيقة بإمكانها أن تسرق المريض منا. لذلك الشاطر الذي يُخلص نفسه، على الناس أن تعرف أن هذا الفيروس صامت وغامض ولا يُميز أحداً. لو كان بإمكان الناس أن ترى وتختبر ما نعيشه ونراه مع المريض لما خرجت من منزلها بهذا الاستهتار ودون أدنى إجراءات الوقاية. لو ترى الناس كيف يموت المريض لما تصرفت بهذا الاستخفاف. ما يسمعون عنه ليس كما نراه نحن بأمّ العين".






الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم