الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الأمة العربية مقابل النفط

زاهي جبرائيل
A+ A-

"جروحٌ ورضوضٌ وقروحٌ مفتوحة لم تُعالج، وأرضكم يأكلها الغرباء أمامكم؟


(أشعياء)


في الخامس من شباط 1969 بعثت قنصلية الولايات المتحدة في الظهران إلى حكومتها تقريراً عن الاجتماع الذي عقد في الثالث من الشهر بين الملك فيصل والسفير الأميركي في الرياض وتركز على مراجعة القضايا المصيرية للأمة العربية. لخّص التقرير تطلعات العاهل السعودي ومطالبته كما يلي:
أعرب الملك فيصل عن قلقه من تزايد النفوذ الشيوعي في الشرق الأوسط، وفي رأيه أن السبب الرئيس وراء ذلك هو اسرائيل والسياسة المعادية للعرب التي تعتمدها الإدارة الأميركية. يعتقد الملك فيصل أن إدخال الصهيونية إلى الشرق الأوسط بطموحاتها التوسعية هو السبب الأكبر وراء عدم استقرار المنطقة. ثم أورد خوفه الكبير من السياسة المُعادية للعرب داعياً الإدارة الأميركية الى اعتماد نهج أكثر توازناً تجاه الصراع العربي الاسرائيلي. اقتراح العاهل السعودي أن الخطوة الأولى في التسوية السلمية لهذا الصراع تكون بالتثبّت من النيات الاسرائيلية وضبطها، فمتى كانت مقبولة ومترافقة بتعويضات وحلول منصفة تقدّم الوفاق. شرح التقرير إصرار الملك فيصل على أنه يجب على اسرائيل مغادرة القدس دون أي شروط. ثم تطرق إلى رؤية الملك فيصل للعلاقة الخليجية الإيرانية فلا تقدم على هذا المسار وهو لا زال ينتظر إشارة إيجابية لنيات الشاه تجاه البحرين، فالسعودية لا ترى البحرين إلاّ دولة مستقلة ضمن مجموعة الدول العربية. كما تناول البحث مسألة اليمن وأمور مصر وقناة السويس، ومرد إرتماء مصر في أحضان الشيوعية السوفياتية حسب الملك السعودية هو السياسة الأميركية غير العادلة مع العرب.
خمسة وأربعون سنة مرت على هذا التقرير فما الذي تغير؟ ما زال الصراع العربي الاسرائيلي ناشباً والعلاقة الايرانية الخليجية ما زالت مبلبلة والتغلغل العقائدي الشيوعي المُناهض لأميركا حل مكانه التغلغل "الديني" الأصولي "المناهض" أيضاً لأميركا، وكلا الامتدادين لهما قاسم مشترك في التسبب بالخلل الكبير في العدالة الاجتماعية.
عدد سكان الوطن العربي حالياً يناهز 370 مليون نسمة (5% من سكان العالم)، 65% منها في الفئة العمرية المنتجة. يُتوقع أن يرتفع العدد سنة 2050 ليصل الى 600 مليون (6% من سكان العالم). أهم ثروات الوطن العربي هي النفط والغاز. المخزون المحقق من النفط باحصاءات 2013 بلغ 475 مليار برميل، 30% من المخزون العالمي. أنتج منها سنة 2012 حوالي 10000 مليون برميل (32% من الإنتاج العالمي)، استٌهلك منها في الداخل العربي بحدود 3000 مليون برميل. أما الغاز الطبيعي فتقديرات 2013 للمخزون المحقق للوطن العربي بلغت 2000 تريليون قدم مكعب، 29% من المخزون العالمي. أنتج منها سنة 2012 حوالى 18 تريليون قدم مكعب (16% من الإنتاج العالمي)، استهلك منها ضمن الوطن العربي 12 تريليون قدم مكعب. بحسب الارقام التي وردت، وبسعر وسطي 100 دولار للبرميل ومعدل 5 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، وإن اعتبرنا ان 50% من هذا المدخول يعود صافياً للقطاع الوطني العربي، فالغرب يعتبر أن العرب يأخذون من ثرواتها المالية كل سنة بحدود الـ 400 مليار دولار أميركي يجب تخفيضها واستردادها من خلال التكنولوجيا النظيفة والسلاح والنظام المالي المعقد والتبعية في الإدارة.
أيام قليلة يزور الرئيس الأميركي باراك أوباما السعودية ويجتمع بعاهلها، وعينه على كل الوطن العربي. ماذا يريد رئيس الولايات المتحدة رائدة الدول الصناعية من العالم العربي؟ هل يريد أن تساعده الدول العربية في برنامجه الفضائي بتقنيات جديدة، أم يسترضيها لئلا تبخل على من يُمثّل بتقدمهم في الطب والعلوم؟ كان هذا من زمان، زمان إبن سينا وأترابه. هل في جعبته الحل لإعادة الفلسطينيين إلى وطنهم، أم جاء يتنسم أريج "الربيع العربي" من العراق المزدهر وسوريا النعيم واليمن المُترف ومصر المُتراصّة وكرنفال ليبيا، و، و، و... كلا، فما يريد أن يضمن هما النفط والغاز دونما انقطاع وبأفضل المُعطيات لعالمه.
أيام قليلة وتنعقد القمة العربية في الكويت والأمة العربية في أحلك أيامها. الجامعة التي جاء في المادة الثانية من ميثاقها أن الغرض منها توثيق الصلات بين الدول المشتركة وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة استقلالها وسيادتها والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها.
فيا سيدي الرئيس، يا رئيس أقوى دولة، يا حامل جائزة نوبل للسلام ليذكرك التاريخ، تاريخ العظام أدمج الحدثين، احضر مؤتمر القمة العربية وفي قبضتك السلام العادل، وليلقك العرب موحدين دونما أحقاد. خذ النفط الأسود يا حضرة الرئيس ولتبقَ الأمة. ربما يا سيدي تريدون ذلك، إنما لا تستطيعون، وإن استطعتم فهل قادة الأمة في هذا الزمن الرديء يريدون ولو استطاعوا؟


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم