الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"الإسلاح"

غسان صليبي
"الإسلاح"
"الإسلاح"
A+ A-

منذ نحو أسبوعين صرح الرئيس عون بأن "الإصلاح هو خيارنا الاستراتيجي".

كلمة "الإصلاح" ملازمة للدعاية السياسية العونية، وقد ارتبطت بكلمة أخرى هي "التغيير"، فأصبح شعار "الإصلاح والتغيير" من بين احتكارات "التيار الوطني الحر".

لم نفهم من الرئيس عون إذا كان الإصلاح هدفاً استراتيجياً، أي يجري تحقيقه على المدى البعيد، وعلينا تالياً ألا نتوقعه اليوم، او اذا كان الإصلاح استراتيجياً وليس هدفاً، اي وسيلة لتحقيق أهداف أخرى.

التساؤل مشروع بعد فشل العهد في تحقيق اي من الاصلاحات الموعودة، لا بل مثابرته على اتباع السياسات القديمة نفسها. 

فكيف نتفاءل بإصلاح، وفي جارور المكتب الذي كان يجلس إليه الرئيس، حين أكد خياره الاستراتيجي، يقبع مرسوم مجلس القضاء الأعلى حول التشكيلات القضائية، في انتظار توقيعه. فأي إصلاح في ظل الإصرار على استتباع السلطة القضائية؟

حكومة الرئيس دياب، أقرّت بدورها خطة أطلقت عليها عنوان "الخطة الاصلاحية للحكومة". لست في صدد مناقشة ما تطرحه الحكومة في خطتها من خطوات، وما اذا كان يمكن وصفها بالإصلاحية، فهذه مهمة سأقوم بها في مناسبة أخرى.

فبعيداً مما جاء فيها من "كلام"، لفت انتباهي اكثر أن الحكومة كانت ترغب بتكليف جهاز أمني للتحقيق في ما يتعلق بالإثراء غير المشروع، في جو من التشنج السياسي والتهديد بين اركان السلطة الحاليين، وبعض المسؤولين السابقين.

في الكلمة التي أعلن فيها عن خطة الحكومة، أكد دياب ان "التغيير يحصل من داخل آلية النظام". وهو ما يُقرأ في ظرفه، كرسالة الى خصومه السياسيين، لكن ايضا الى مجموعات الانتفاضة التي كانت قد بدأت التحرك من جديد.

هذه الرسالة السياسية، ترافقت مع رسائل عنيفة على الارض، قد لا يكون الرئيس دياب مسؤولاً عنها شخصياً، لكنها بالتأكيد من ممارسات "النظام" الذي عبّر عن حرصه على احترام "آلياته".

فقبل إقرار الخطة، جرى تكسير خيم الانتفاضة في ساحة الشهداء، للمرة الالف، على أيدي شبان قيل في الإعلام انهم ينتمون الى بعض اركان الحكومة. كما جرت محاولة لحرق نصب الانتفاضة.

بعد اقرار الخطة "الاصلاحية" أيضا، استشهد شاب منتفض، برصاص الجيش في طرابلس، فيما كان يتظاهر من اجل لقمة العيش. وقد علّق رئيس الحكومة على احداث طرابس بالقول انه "ممنوع العبث بالاستقرار الأمني وستكون هناك محاسبة للعابثين"، طبعاً محاسبة للعابثين بالامن من مجموعات الانتفاضة، وليس من حلفائه او خصومه السياسيين.

جرى أيضا بالتزامن مع اقرار الخطة، تعذيب معتقلين من الانتفاضة وصعقهم بالكهرباء ومحاولة إجبارهم على توقيع تعهد بعدم المشاركة في التحركات. كما جرى اعتقال منتفضين من دون الافصاح عن مكان احتجازهم وكأنهم مخطوفون.

في إطار الاحتجاجات على سد بسري، أصيبت شابة بإرتجاج دماغي بعدما ضربها في مرج بسري شخصٌ لم يجرِ القبض عليه، بل شوهد يتنقل في المكان بعد الاعتداء.

تم أيضاً وأيضاً في خلال هذين اليومين، استدعى المجلس الوطني للاعلام مسؤولين عن مَوقِعين الكترونيين، "المدن" و"جنوبية". والموقعان المذكوران معارضان للحكومة والعهد.

جميع هذه الممارسات القمعية، ترافقت أو تلت اعلان العهد والحكومة عن نيتهما في "الإصلاح".

هذا التناقض بين القول والممارسة، كان يحتاج الى من يباركه ويحميه من الانتقاد. فجاءت كلمة السيد نصرالله الذي طالب بإعطاء الحكومة الفرصة، "وإن لن يكون تعاون فقفوا على الحياد". انها دعوة صريحة منه لعدم معارضة الحكومة.

هذه الدعوة في محلها، فخطة الحكومة "الإصلاحية" ستكون موجعة للمواطنين، وهي التي توقعت ان ترتفع نسبة الفقراء بعد تطبيقها الى اكثر من نصف السكان.

تطبيق الخطة سيستدعي إذاً معارضة شعبية، وكان لا بد من استباق توسعها، من خلال ممارسات قمعية من جهة، والاستعانة بغطاء مرجعية ذات نفوذ عسكري وسياسي وشعبي من جهة ثانية. لعل ذلك يردعها في مهدها.

سيكون على المعارضة الشعبية ان تواجه أيضاً "إصلاحات" صندوق النقد الدولي، التي لم تكن يوماً الا موجعة حيثما طبقت.

فهل تشوّه هذه الطبقة السياسية مفهوم الإصلاح، كما سبق وشوهت كل المفاهيم المرتبطة بالصالح العام؟

وهل سنستبدل كلمة الإصلاح بمصطلح جديد هو "الإسلاح"، نضيفه الى قاموس ممارسات هذه السلطة؟

لست أدري بعد ما إذا كان معنى "الإسلاح" سيقتصر على تطبيق "الإصلاح" بقوة السلاح، ام انه سيتعدى ذلك الى ما هو أخطر، ليصبح تطبيق منطق السلاح بلبوس الإصلاح.

لكن السلطة ليست وحدها من يحدد دائماً معنى الأشياء، بل المعارضة الشعبية المنظمة، التي عليها ان تتوقع تزايد القمع وتتحضر للمواجهة، دفاعاً عن معيشة الناس وحرياتهم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم