الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الشهادات الوهمية تلوُّث ثقافي خطير... إسقاط أوراق التوت

المصدر: "النهار"
محمد علي الأسعد- ألمانيا
الشهادات الوهمية تلوُّث ثقافي خطير... إسقاط أوراق التوت
الشهادات الوهمية تلوُّث ثقافي خطير... إسقاط أوراق التوت
A+ A-

ليست المشكلة في أن يقدم المرء شهادته قبل اسمه د. فلان أو الباحث علان، وليست مشكلة إطلاقاً في أن يعتد الشخص بصفته العلمية أو العملية، الصيدلاني، المحامي، الخضرجي، اللحام، ولكن مشكلة المشاكل حين يدّعي البعض حصولهم على شهادات علمية أو يصر على أنه حقوقي أو أستاذ جامعي في جامعة غير معترف بشهاداتها، أو عضو في مؤسسة غير موجودة على أرض الواقع فعلاً، وهي عبارة عن موقع إلكتروني لا أكثر، بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية التي تمنح الدكتوراه الفخرية لكل من هبَّ ودبَّ، وأحيانا تطلق على مشاريعها أسماء فاعليات دولية مثل (شهادة البورد، والسعفة الذهبية) وغيرها من المسميات الأخرى.

فضح الشهادات المزوّرة مسؤولية

وفي هذا السياق، قالت الصحافية دينا أبو الحسن لـ"النهار": "لا أتعامل عادة بالألقاب مع من أعرفهم خارج أماكن العمل. الطبيب دكتور في عيادته فقط، وأستاذ الجامعة دكتور إذا كان يحمل شهادة الدكتوراه وفي جامعته وبين طلابه. أما بالنسبة للغريب، فأنا أناديه دكتور فقط إذا ناداني بلقبي. هناك مستوى معين لرفع الكلفة بين الأشخاص، وهذا المستوى يحدده الطرفان. أما رغبة الناس بالحصول على "د" قبل الاسم، مما يدفع بعضهم لتزوير شهاداتهم ومؤهلاتهم، فهذا أمر يحيرني".

وأضافت: "اللقب لا يضيف للإنسان شيئا ولا يؤثر في محتواه، سينكشف جهله عاجلا أم آجلا، وستصبح كل شهاداته موضع تشكيك وتمحيص، وهذا ما حدث أخيراً مع شخص ادعى أنه دكتور، في قصة انتشرت على فايسبوك قام بعض الأصدقاء بتوضيح كيف أنه لا يحمل شهادة تخوله التعريف بنفسه على أنه دكتور. بالنسبة لي، لا أحاول التدخل في ذلك عادة، بمعنى إذا قال لي أحدهم أنه يحمل دكتوراه في الأدب العربي، وحتى لو كنت أعرف أنّ هذا غير صحيح، لن أتدخل. تكفيني فعلا نظرته لنفسه وهو يكذب ويعرف أنه غالبا مفضوح أو سيفتضح أمره. أما من يدعي أنه دكتور في مجال قد يؤثر في المتعاملين معه، كالطبيب مثلا، فهنا الطامة الكبرى هذا علينا جميعا أن ننبهه، فإن لم يرتدع علينا أن نفضح كذبه، هذا يدخل ضمن المسؤولية المجتمعية وهو واجب علينا". 

الفجوة العميقة بين اللقب وصاحبه

من جهته، حذّر الأستاذ ضياء الأسعد من موضة شراء الشهادات العلمية والمهنية التي انتشرت أخيراً، فقال: "يُولد الإنسان ويختار له أهله اسماً مجرداً من الألقاب، ولكننا لم نكتفِ بمجرد الاسم فتم اختراع ما يسمى باللقب، ومن هنا انتشرت بدعة وظاهرة الألقاب فليس غريباً أن تجد أي شخص في المجتمع يطلقون عليه لقب دكتور أو مهندس، أو أن تجد حرامياً يطلقون عليه رجل أعمال وما إلى هنالك من فوضى الألقاب المنتشرة حالياً". 

وتابع: "أنا هنا لا أتحدث عن ما يستحقه كل صاحب مهنة أو اختصاص من لقب وتقدير، ولكن أود تسليط الضوء على صدقية بعض هذه الألقاب والهوّة بين هذه الألقاب ومكانة صاحبها الحقيقية. ومما ساعد على تفشي هذه الظاهرة وجود تجارة للشهادات العلمية والمهنية فأصبح بإمكان أي شخص مقتدر مادياً أن يشتري أعلى الشهادات من جامعات محدّدة أو وجود مراكز معينة تمنحك شهادات أو عضويات بطريقة الـ"تيك أواي". وهكذا انتشرت المؤهلات الزائفة بلا ضابط ولا رادع". 

واستطرد: "واذا استعرضنا حساب بعض الأطباء على سبيل المثال لا الحصر، لوجدنا بعضاً منها يعج بالكثير من الألقاب والمسميات وباللغتين العربية والانكليزية، وبعض هذه المسميات تحمل الكثير من الوهم، فبعضها إما أن يكون صحيحا ولكن لا قيمة له وإما أن يكون وهمياً. كما أن غياب الهيئات والمؤسسات المتخصصة بتعديل وتوثيق المؤهلات العلمية والدرجات الأكاديمية قد ساهم في هذه الفوضى. ويبقى السؤال الأهم: هل يحدد اللقب قيمة الشخص، وماذا لو أدركنا الفجوة العميقة بين اللقب وصاحبه؟ لذا نأمل أن تلتفت الدول إلى الآثار السلبية لهذا الوضع الخطير نتيجة لغياب هيئة اعتماد للمؤهلات أو عدم فاعلية إجراءات تعديل واعتماد المؤهلات حتى لا تندثر السمعة الأكاديمية والمهنية بأيدي مَن يلهثون خلف الألقاب الوهمية بلا حسيب أو رقيب". 

جائحة الألقاب أخطر من جائحة كورونا

ترى الكاتبة مها قوادري أنّ جائحة الألقاب آفة لا بد من مكافحتها فقالت بغضب: بين الاسم وحرف (الدال) مسيرة سنين العمر المشوبة بجهاد بدايته استئصال علل دواخلنا لتكتمل مراحل إثبات الوجود.

وقالت: "العلل التي كان رحمها منصات التواصل الاجتماعي التي اتخذها البعض جهات رسمية لإعطاء شهادات وألقاب وهمية خاوية إلا من تزين الزيف واتساع رقعته بتلميع الصفحات بعيدا من تعزيز البصمات مما جعله سريع الزوال والاضمحلال كالثلج عند إشراقة أول خيوط الشمس الحقيقة التي تسلط على صاحب اللقب الانتهازي الذي ينبطح للمطبلين له ليصعد بسرعة كفقاعة صابون تتبختر معطية ألوان الطيف الجميلة لتصدم بشوكة الحقيقة فتذروها كالهباء المنثور. فجائحة الألقاب والتمسك بها أخطر من جائحة كورونا إنها آفة تفشت بين أناس مريضي الأنا، وغالبيتهم فاقدي شرعيتها أو فقدان توثيقها من الجهات المعنية والمخولة. فكل من خلال إتقان عمله وثباته بمجال تخصصه يفرض علينا تذيله أو مناداته بدكتور أو طبيب أو صحفي أو محام، فمن كان من استحقاقه لقب تعب وتفانى للحصول عليه بتواضعه يفرض احترامه ومناداته بلقبه". 

وأضافت قوادري: "أما من كان يدعى هو من يحاسبك على طريقة مناداته ونفخة كاذبة كالإعلامي الذي لم يعرف سبيل كلية الصحافة أو طبيب من خلال دورة إسعافات أولية يسبق اسمه بدكتور، أو كل شخص قرأ كم صفحة من كتاب يدعي الثقافة والعلم وهي براء منه. فنحن المعلمين، الأطباء، المهندسين، الطبقة المثقفة من غير حملة الشهادات الوهمية نحن حملة الشهادات بحق يقع على عاتقنا كل المسؤولية أن نجرد هؤلاء الكاذبين وعلينا الإشارة إليهم وبأسمائهم لإماطة الأذى عن عقول من انجرف بكذبهم وتأذى من عواقب جهلهم. فلنرتقِ بطبقة من المثقفين قادرين على إنارة دروب الجهل وقطع نسغ تغذيته". 

دكاكين الشهادات

الناشط السياسي أنس العجمي، يرى أن ظاهرة الشهادة المزورة أو الوهمية ظاهرة قديمة، ولكنها استشرت في المجتمع من جديد فقال متحدثا عن مستقبل هؤلاء: "هذه الألقاب الخلبية من يحملها لديه عقد نفسية من الفشل وشعور بالدونية، ولم تكن هذه الشهادات ذات القيمة المعدومة والممنوحة من دكاكين غير مؤهلة بالأصل وليدة اللحظة بل هي منذ عشرين عام تقريباً، لكن سعارها ازداد واستشرى في زمن الفوضى واالإفلات الأمني والمجتمعي، ولكن هؤلاء جميعا يسقطون عند أول اختبار لهم بالمجتمع، إذ أي نقاش معهم سينبئك فورا عن حقيقتهم وتنكشف عوراتهم". 

بعد استطلاعنا لتلك الآراء التي أدلى بها الأساتذة في هذا التحقيق، يتضح أنّ التلوث الثقافي أخطر بكثير من الأمراض الجسدية وأكثر فداحة منها، ومن واجبنا كسلطة رابعة مكافحتها من خلال تعريتها وإسقاط ورقة التوت عن عوراتها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم