الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كوفيد وفريد

المصدر: النهار
سينتيا الفليطي
كوفيد وفريد
كوفيد وفريد
A+ A-

دقات القلب تتسارع، لا يستطيع المريض التنفّس، يا إلهي إنّنا نفقد السيطرة...أرجوك ابق مستيقظاً، هل تسمعني؟ هل تراني؟ أيها المريض ٢٠٢٠، لا تمت. وانهالت الممرضة بالبكاء!

هكذا ودعت رؤى المريض المصاب بوباء كورونا بعد صراع مع المرض دام حوالي أسبوعين.

فريد الذي يبلغ من العمر ٣٠ عاماً، يعاني من نقص في المناعة ومشاكل تنفسية حادّة ناتجة عن كونه عضواً متمرساً في فريق المدخنين "باب أول"، منذ أن كان في الصف الثامن.

في اليوم الثالث على توالي الفاجعة، طلبت الأم هاتف ابنها وراحت تغوص في داخله، وهي على يقين بأنها ستجد شيئاً ما على الأقل يفسّر لها ما حصل، ويطفئ ربما لهيب النار في قلبها. لقد بقي ولدها حوالي النصف ساعة متواصلة على هاتفه قبل أن تسوء حالته فجأة وتتدهور صحته تماماً.

وبينما هي تبحث في المحادثات الأخيرة، وجدت حديثاً كان قد دار بين ولدها والكوفيد-١٩. دخلت إلى المحادثة مذهولة، فمن هذا الذي أطلق عليه ابنها اسم الفيروس الذي أودى بحياته! وما سر هذا التوقيت الذي تزامن مع تدهور حالته!

دخلت على المحادثة وأصابعها ترتجف. وكانت المفاجأة.

"فريد: مرحبا أيها الفيروس اللعين. كيف الحال؟ أعتقد أنك ستستغرب مما سأقول لكنني سأقوله رغم ذلك، فأنا أحب الفضفضة و"اللي ببطني عراس لساني". شكراً لك على مجيئك. لولاك، لم أكن لأعلم أنني صبور وقوي إلى هذا الحد.

الفيروس: من أنت؟! هذه المرة الأولى منذ مجيئي، التي يشكرني فيها أحد. لا يمكنك تخيل كمية الشتائم التي انهالت علي في هذه الفترة القصيرة. هل أنت جاد فيما تقول؟

فريد: نعم بكل تأكيد، مع أنني لا أعرفك كفاية كي أمزح معك، "ما شفت غير منظرك من أسبوعين". صحيح أنك بغيض وخبيث، لكن لابد لي من شكرك.

الفيروس: لحظة! لا أفهمك جيداً، هل اعتدت على شكر الخبثاء والبغضاء؟

فريد: أنا لا أشكرك على خبثك وبغضك، إنما على ما جعلتني أكتشفه في محنتي الصعبة معك، عن قصد أو غير قصد.

الفيروس: ها! وما الذي اكتشفته يخزي العين؟

فريد: أنني قوي، وصبور، وعنيد، وأنني سأقاومك حتى الموت يا عدو البشرية.

الفيروس: إسمع أيها القوي والصبور والعنيد والفهيم. لا أبالي بتصنيفك لي بقدر ما أبالي بمعرفة من أوصلني إليك أو إلى غيرك، لأنني أشعر بأنني شرير لوجودي بهذه الأجساد الغريبة، المليئة بالشر. على كل حال، "رأيك فيي ما بيدل عليي".

فريد: وهل تدعي أن هناك من أوصلك إلينا وأرغمك على المجيء؟ تقتل الآلاف يوميا وبكل وقاحة تنعتنا بالأجسام الغريبة! لقد سببت الحزن والأسى للملايين وتهددنا بأنك لن ترحم أحداً. يا لك من وقح!

الفايروس: وماذا تريد لمن استيقظ فوجد نفسه مكروهاً من كوكب بمن فيه. يتحدثون عني باشمئزاز وكراهية، يتسابقون للقضاء علي، يصدرون الأكاذيب والإشاعات، يستغلونني لأغراض تارة سياسية وتارة اقتصادية ولأخرى إجتماعية. حتى إنكم تلقون اللوم عليّ لتعنيف النساء والتفشفش بالأطفال.

فريد: يا إلهي كم أنت بارع في تمثيل دور الضحية. أكنت ممثلاً سابقاً في كوكب الفيروسات؟

الفيروس: لا والله كنت رقاصة. ومن قال لك أنني أتيت من عالم آخر؟

فريد: لقد سمعت ذلك من إحدى المحطات التلفزيونية. لقد قالوا إنك طورت نفسك وهذا ما وصلت إليه.

الفيروس: حقا؟ ألم تسمع أيضاً أنني أتيت من أكل الحيوانات الحية؟ أو أنه تم تصنيعي في المختبرات وأن هناك براءة اختراع باسمي؟ أو أنني معدَّل من جماعة سارس؟ ألم تسمع أنني شغل مؤامرات وحياكات؟ أو أنني أتيت من أميركا لضرب الصين أو ربما من الصين لضرب أميركا؟ ولنعتبر أنني حثالة ناتجة عن أكل الخفافيش أو خطأ علمي قصدي أو غير قصدي. فمن الذي يأكل هذه الخفافيش والأخضر واليابس؟ "مش إنتو جماعة الإنسانية"؟ ومن الذي يعبث بالمختبرات والغابات والأنهار والهواء والماء والحيوانات والطبيعة؟ من؟

فريد: كف عن التبجح. لا شيء يعطيك حق الفتك برئاتنا وأكبادنا.

الفيروس: صحيح. فأنتم فقط من لديكم الحق للفتك ببعضكم البعض وبكل شيء يدور حولكم، بمن فيهم أنا. دعك من ذلك.

يا أخي أنا فايروس لعين، خبيث، قذر، "اللي بدك ياه". وأنتم الضحية. أوكي موافق. هلا فسرت لي لماذا يموت ٣ ملايين طفل سنوياً من الجوع؟ و١٠٠ ألف رضيع سنوياً بسبب الحروب؟ و ٦ ملايين شخص سنوياً بسبب التدخين؟ هل تعلم أن الذين ماتوا في قاع البحار هرباً من حكّامهم وأنظمتهم هم بالآلاف؟ وأن الذين يموتون سنويا بالعنف الأسري هم بالمئات؟ أتعلم يا فريد، أنه حتى من هم أحياء، أكثر من نصفهم أموات، وعلى كفالتي.

فريد: ألا تعتبر نفسك مسؤولاً عما وصلنا إليه؟

الفيروس: نعم ولا. وفهمك كفاية.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم