الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الهلال ورحلة تطوره من رمز وثني الى رمز اسلامي

المصدر: النهار
خالد الحاج
الهلال ورحلة تطوره من رمز وثني الى رمز اسلامي
الهلال ورحلة تطوره من رمز وثني الى رمز اسلامي
A+ A-

وقف راعي الغنم نديميون أمام جوبيتر، محتاراً بين الخيارين اللذين أمره أن يختار بينهما، فإما أن يختار طريقة موته، أو أن يغطّ في نوم أبدي. اختار مكرهًا الخيار المرّ. فلا يزال نائماً في كهف جبل لاتموس حتى تستطيع ديانا أن تنظر إليه من نقطة معينة وهي في طريقها لإضاءة السماء ليلاً. دفعت ثمن خوف البشر وجوبيتر، أن تنسى دورها. 

لطالما ارتبط الهلال تاريخياً بالأنثى الإلهة، فـ"عشتار"، "عشتروت" عند البابليين، الفينيقيين، والكنعانيين، وصولاً للإلهة "سيلينا"، في الميثيولوجيا الإغريقية، ونظيرتها الإلهة "ديانا" عند الرومان إلهة الصيد والعذرية.

كان رسم الهلال دائمَ الحضور في الرسومات والمنحوتات التي تصوّر هذه الآلهة. ورثت ديانا غطاء الرأس في شكل هلال مقلوب من "سيلينا" بعد أن كانت تجسد في المنحوتات بهلال يتجه إلى السماء.

في عصرنا الحاضر، وعند الحديث عن الديانات السماوية، يُرمز إليها بنجمة سداسية لليهود، الصليب للمسيحيين، والهلال للمسلمين. فكيف أصبح الشعار الوثني شعاراً للإسلام؟

الرموز بشكل عام تُطبع في الذاكرة الثقافية للشعوب من دون التنقيب في أصولها. الاعتقاد الشعبي في عصرنا يصور الهلال بأنه شعار يرتبط بالعصر الأول للإسلام، تعززه فكرة اتّباع المسلمين التقويم القمري كمواقيت زمنية. فعملية ترقب الهلال للدلالة على بداية الشهر وبالأخص هلال شهر رمضان، تدعم هذا الاعتقاد، لكن الحقيقة المختبئة حول رمزية الهلال تعود لآلاف السنين، متجاوزة مسألة إعلان دخول رمضان أو العيد، حتى غورًا إلى تاريخ طويل من أساطير الأولين. فعلى سبيل المثال، لا تزال بعض النساء في مناطق داخلية في صعيد مصر والسودان، يُلبسن العروس بعد عقد القران حُليّاً من الذَّهب، لا تستطيع أن تنزعه حتى ظهور هلال الشهر المقبل في السماء، وإلا أصبحت عاقراً؛ وهذه العادات تعود إلى طقوس التضرع لإيزيس ربة القمر والأمومة لدى قدماء المصريين، رغم نفيهم لأي علاقة وثنية، وتأكيدهم على إسلامهم، متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم التي ورثوها.

تاريخيًّا، الراية الأولى في الإسلام، وامتدادًا إلى الخلافة الأموية والعباسية، كانت عبارة عن رايتين، الأولى قطعة مربعة الشكل مصنوعةٌ من الصوفِ ذي اللون الأبيض، مكتوبٌ عليها عبارة "لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله"، استعملت في أيام السلم، أما الراية الثانية فكانت تشبه الأولى من حيث الشكل إلا أنها مصنوعة من الصوف الأسود، مخصّصة للحروب والمعارك. مع تقدم التاريخ تنوعت واختلفت الشعارات التي استخدمتها الدول والممالك الاسلامية، إلا أن الثابت دخول الهلال كرمز إسلامي بدأ مع العثمانيين عندما اتخذوا الهلال شعاراً لدولتهم، وهو قد يعود إلى العام 667 قبل الميلاد عندما اعتمد البيزنطيون تعظيمًا للإلهة أرتيمس رمز الهلال الأبيض على خلفية حمراء في رايتهم الرسمية. ومع فرض الأمبراطور قسطنطين المسيحية كدين رسمي للبلاد وتحويل بيزنطيا إلى القسطنطينية في العام 330 ميلادية، أضاف إلى الشعار النجمة البيضاء السداسية التي ترمز للسيدة العذراء، وقد يكون العثمانيون تأثروا، مع دخولهم إلى القسطنطينة، بالشعار، ليتحول شعاراً لدولتهم. ومع توسعهم، أدخل العثمانيون الهلال على المسجد النبوي في القرن السادس عشر ميلادي. وبصعود قوة العثمانيين وتهديدهم لأوروبا، كرس العثمانيون شعار الهلال كرمز إسلامي وصولاً على سبيل المثال إلى اختراع الفرنسيين للمعجنات الفرنسية الشهيرة، "الكروسون"، والتي تعني "هلال" في اللغة العربية، احتفالاً بهزيمة العثمانيين وكسر حصار فيينا 1683.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم