الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

المنصّات الالكترونية في الحجر حالة فرضها الواقع... تجارب مثقّفين

المصدر: "النهار"
محمد علي الأسعد- المانيا
المنصّات الالكترونية في الحجر حالة فرضها الواقع... تجارب مثقّفين
المنصّات الالكترونية في الحجر حالة فرضها الواقع... تجارب مثقّفين
A+ A-

كان للحظر الصحي الذي فرضه انتشار فيروس #كورونا أثاره السيئة على جميع مناحي الحياة اقتصادياً واجتماعياً، حتى على الصعيد الثقافي، إذ توقفت جميع الأنشطة الفنية والثقافية، وأغلقت المسارح والمكتبات العامة ودور السينما، وتوقفت المعارض الفنية والأمسيات الطربية، بالإضافة لتوقف جميع الأنشطة الرياضية والمباريات الدولية، واستطاع ذلك الفيروس الصغير الذي لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، إجبار الجميع البقاء في بيوتهم.

ولكن العقل البشري الجبار استطاع استنباط الحلول الفورية وحوّل جميع منصات الواقع إلى منصات إلكترونية تقرأ من خلالها القصائد الشعرية والقصص الأدبية، وتحولت المعارض الفنية أيضا إلى معارض إلكترونية.

أمام هذا الواقع الجديد والحالة الراهنة كان لابد من استطلاع آراء كتّاب وشعراء وفنانين حول جدوى تلك المنصات، هل هي ظاهرة صحية ستستمر لاحقا، أم هي مجرد فقاعة صابون ستجفّ؟

• كسر حالة العزلة بالافتراضي

عبّر سعيد الجريري وهو أكاديمي وشاعر يمني مقيم في هولندا عن إعجابه بهذه الظاهرة فقال:

لم تكن البدائل اختيارية، فقد اقتضت اللحظة الاستثنائية الكورونية الطارئة التي عصفت بالعالم أن يكون النشاط الثقافي والفني موازياً. ولعل من حسن حظ البشرية أن أتت هذه الجائحة في زمن الرقميات والبرمجيات الحديثة التي أتاحت للمبدعين مجالات واسعة لاستمرار الفاعلية والتفاعلية ثقافياً، على عكس أزمنة ماقبل الثورة التكنولوجية الكبرى، التي لم يكن متاحاً لها سوى الانعزال.

ولئن أنتج الأدباء والفنانون والمفكرون أعمالاً خالدة في زمن العزلة، فلعل زمن الرقميات أن يكون منتجاً أعمالاً مميزة، لكنه يمتاز بأنه يكسر حاجز العزلة، بالافتراضي، ويسرع إيقاع التفاعل الإيجابي بين المبدع ولا سيما العربي، وحقول الإنتاج الرقمي، ومحو الأمية الرقمية لدى المبدعين العرب. لذا يبدو لي أن تنظيم المهرجانات الثقافية عبر منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية يمثل حالة إيجابية.

وأضاف: بقدر ما هي إجراء بديل موقت، فهي أيضاً مدخلاً إلى عالم التفاعل بين منتجي الأدب والفن، والعصر الرقمي الذي سبقنا العالم إليه بمراحل. ولعلّي أشير هنا إلى المسافة بين الثقافة الورقية والثقافة الرقمية التي ما زالت واسعة، إلى درجة أن وجودنا العربي على خريطة الأدب الرقمي لا يكاد يرى، ولا يشكل نسبة تذكر ، كما تبين لي من خلال بحث أجريته في العام الماضي في أحد المعاهد الهولندية عن واقع الأدب الرقمي العربي وتحدياته.

• الشبكة العنكبوتية من أهم عوامل المعرفة

لم يكن رأي الدكتور سليمان عمر وهو شاعر طبيب سوري يقيم في المملكة العربية السعودية مخالفا لرأي الجريري، لكن عرج على السياسة قليلا فقال في معرض حديثه:

دائمًا ما كان الأدب ابن بيئته، مولود من رحم الأحداث، ومعبرًا عن معاناة الشعوب.

في الآونة الأخيرة، ظهرت فئة من الأدباء تشبه إلى حد بعيد فقهاء وشعراء البلاط، وأبواق كأبواق الإعلام، انقسمت إلى يمين ويسار اصطف بعضهم مع الطاغية الحاكم. آخرون مع طغاة المعارضة يقتاتون على موائد هؤلاء وأولئك، وتسخر لهم منابر الطغمتين.

والآن نتيجة انشغال العالم بأزمة الكورونا، وتوقف أي لقاءات أدبية وفكرية أو مهرجانات ومنتديات نتيجة التباعد الاجتماعي الذي فرض عالميًا لمحاصرة الوباء، فهل يعني ذلك أن نتوقف حتى تنحسر الأزمة؟

تابع: برزت الشبكة العنكبوتية أخيراً كأحد أهم عوامل المعرفة وإيصال المعلومة، واستطاعت هذه التقنية أن تتجاوز الحدود لمن تعذر عليه ذلك، فجعلت من السهل على المهتم أن يتواصل ويوصل رأيه وفكره لمن يهتم به بيسر وسرعة.

وقد لمسنا هذا الامر في العقد الأخير، عقد الحراك الثوري وثورة التغيير التي شهدتها الساحات العربية منذ انطلاق ثوراتها، فكانت وسائل التواصل ساحة مهمة لنشر الأفكار والتوجهات، وربط ساحات الحراك رغم المحاولات المستميتة للأنظمة في قمع التجمعات واقعًا وافتراضًا.

ولذلك من الممكن أن يتم استثمار هذه التقنية لتحقيق ما يتطلع له أصحاب القلم والفكر في نشر كلمتهم وتفعيل دورهم والتقائهم في العالم الافتراضي.

• المنصات الاجتماعية تشكل رعبا للحكومات

أضاف عمر: لو عدنا لبدايات اندلاع ثورات التغيير العربي نتذكر أنها بدأت من هنا، من العالم الافتراضي، حينما كان يتم منع الناس من الخروج للشارع وتفرق تجمعاتهم بالرصاص والقنابل، كانت المنصات الاجتماعية تشكل رعبًّا للحكومات؛ فهي ساحات لايمكن مواجهتها إلا بقطع الانترنت، وهذا لم يكن ليستمر للأبد، ومن ميزات هذا الأسلوب عبوره الحدود بشكل سريع ووصوله لأكبر شريحة من المتلقين والمهتمين.

وتابع: إن الأمر يحتاج الرغبة والإرادة و الخبرة في التعامل مع هذه التكنولوجيا وتسخيرها لنشر أي قضية.

فاإن انعدم لقاؤنا واقعًا فذلك ممكن افتراضًا، عن طريق إطلاق منصات أدبية ثقافية تعبر الحدود لتجمع أصحاب القلم والفكر، ونشر إنتاجهم، بل وإطلاق لقاءات و منتديات افتراضية، يشرف عليها نخبة من الأدباء المشهود لهم ، كما يمكن إنشاء مواقع يتم النشر والتوثيق فيها لحفظ الملكية الفكرية.

• استطاع الفيروس الفتك بالجسم الثقافي

أكدت الكاتبة السورية ندى الحاكمي أن لمنصات التواصل الاجتماعي في هذه المرحلة أهميتها، إذ قالت: لا يمكن أن ينفصل الأدب عن أي حدث يطرأ في أقاصي الكرة الأرضية فكيف الحال والكورونا اليوم هو أحد أكبر وأهم الأحداث التي بدأت في تغيير التاريخ البشري لم له من تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية بل ونفسية خطيرة، ويمتد ليشمل الحالة الثقافية والأدبية كونها الانعكاس لكل ما سبق.

لم تكن الحالة الثقافية العربية قبل زمن الكورونا بعافية لذلك كان أثر الفايروس شديد الفتك بالجسم الثقافي الذي كان بطبيعة الحال قد أُصيب قبل بضع سنوات نتيجة الأحداث السياسية التي مرّت على الوطن العربي والتضييق على منتجيه بحالة إعياء بدت واضحة من خلال تشرذم المثقفين وانقسام الفنون بكافة أشكالها إلى مذاهب سياسية إما تابعة لأنظمة الحكم- وهي الأكثر حظاً لتوفر مساحة من الحرية- أو معارضة لها، وهذا ما كرّس مفهوم ال"الشللية" التي هي أصلاً إحدى آفاتنا المجتمعية العربية.

• الفايسبوك سيف بحدين

وأضافت حاكمي: حالة التقييد التي يمر بها العالم اليوم بأسره لا بد أن تنعكس بشكل رئيسي على المجتمع الثقافي والأدبي والفني، وعدم توفر الفرص لعقد الندوات والمهرجانات الثقافية دفعت بالمثقفين إلى اللجوء إلى منصّات التواصل الاجتماعي لإثبات وجودهم وتفاعلهم مع ما يحدث.. فالكاتب "كلمة"، ولا يمكن للكلمة أن تبقى سجينة إذ لا بد لها أن تبحث هنا وهنك عن منبر لتنطلق من خلاله، فكانت وسائل التواصل الإجتماعي المنبر الوحيد المتاح في ظروف الحصار هذه. أما تقويم الحالة كحالة سلبية أم إيجابية، فهذا يعتمد على وعي الكاتب وعلى المحتوى الذي يُفرغه، فحين يتعامل الكاتب مع الفايسبوك مثلاً على أنه منبر تجاري فتأخذ أفكاره ومفرداته الطابع الضحل التجاري هنا تكون الكارثة، فهو في هذه الحالة كمن يمسك سلاحاً يقتل به من حوله ثم ينتحر، أمّا إن تعامل معه بوعي - وهذا ما يجب أن يكون- فهو يرتقي بنفسه وبالثقافة وبالقرّاء، فمواقع التواصل الإجتماعي اليوم شئنا أم أبينا هي أكثر المنصّات ارتياداً ومتابعةً لدى الجمهور العربي والأكثر تأثيراً أيضاً.

• إرث الكوليرا والطاعون يبشر بـإرث كورونا

قالت الكاتبة حاكمي بأنه من المبكّر في الأحوال العادية الحكم على التغييرات في مدّة قصيرة، ولكن في ظل الأزمة الثقافية التي كنّا نعاني منها أتى الحكم سريعاً والمشهد واضحاً، فمن الطبيعي أن تصاب المجتمعات بحالة من البلبلة وعدم التوازن في ظلّ أزمة تهدد بانهيار دول عظمى بحكّامها وسياساتها واقتصادها، فكيف بنا ونحن أبناء ثقافة آيلة للسقوط بطبيعة الحال. ولكني أصرّ على أن أنظر إلى المستقبل بتفاؤل.. وأنتظر المنتج الفكري والفني الذي سينبلج عن هذه المرحلة الصعبة، والتاريخ الأدبي يشهد بذلك فكم ترك لنا الطاعون والكوليرا من إرث أدبي عظيم لا زلنا نهتدي به إلى يومنا هذا.

فما نراه اليوم انتكاسة هو ربما يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة الثقافية التي ستُثري الأدب العربي، وما نراه ضرراً أصابنا من جرّاء الفايروس الكوروني ما هو إلا انعكاسات لتوترات نفسية ستزول بزواله آملين جميعاً بقرب النهاية وانبثاق نور جديد يكون حقيقياً ومؤثراً من خلال نهضة ثقافية وفنية وأدبية تترك بصمة في فترة زمنية يقال عنها أنها "عصر عودة النهضة الثقافية العربية".

• المؤتمرات السياسية ومنصات التواصل

شرح أحمد الرمح وهو إعلامي سوري أساليب التواصل الاجتماعي قديما وحديثا فقال:

الإنسان عبر التاريخ كان مبدعا في إيجاد طرق التواصل مع الآخرين، ولو تتبعنا طرق للتواصل تاريخيا،عندما كانت المسافات بين البشر بعيدة وقطع هذه المسافات يحتاج جهد كبير وزمن كثير.

اخترع الإنسان الحمام الزاجل والبريد البشري بحيث يقف بعض الأشخاص بين دولة وأخرى وكل شخص يسلم البريد للآخر بشكل تتابعي، ثم جاء البريد التقليدي، ثم الإلكتروني، في ظل العولمة أصبح لدينا إبداع إنساني مهم جدا يحسب لعصر العولمة يسمى مواقع التواصل على مختلف أنواعها، هذه المواقع والوسائل أصبحت حلا للتباعد بين الأفراد والأسر، لكن عندما بدأ انتشار فيروس كورونا والحجر الصحي الذي كان سببه تسطيح الخط البياني لانتشار الفيروس، أول من فكر بهذا التواصل المؤتمراتي والمجتمعاتي هم الساسة فعقد لقاء مجموعة العشرين افتراضيا لبحث الآثار الإقتصادية للفيروس وأسعار النفط ، كذلك اجتماع الحكومات، رئيس الحكومة مع الوزراء، الوزير مع نوابه ومساعديه،هذه الفكرة دفعت الأدباء والشعراء والمثقفين وأصحاب المعارض الفنية حتى لايتوقف نشاطهم لدرجة الموت للأخذ بهذه السنة المبتدعة لكسر حاجز الحجر الصحي.

تابع: برأيي هذه الظاهرة تقول بأن الإنسان سيبقى مبدعا في إيجاد الحلول لكل مشكلة تريد عزله عن المحيط الإنساني لأن الإنسان بطبيعته وتكوينه كائن اجتماعي، والمثل الشعبي يقول "الجنة من دون ناس ماتنداس"، وبحسب رأيي هذه الظاهرة حل موقت وإيجابي للحجر الصحي، وقد تتطور هذه الظاهرة، ويبدع المبدعون أشياء تكون بديلا عن اللقاءات فيزيائية مثل ماحدث في اللقاءات الرياضية.

إننا مقبلون على حل للمؤتمرات والإجتماعات والمعارض الفنية والمهرجانات الأدبية والحفلات الموسيقية وغيرها إلى حل سيبدعه الإنسان لن يكون بديلا بشكل نهائي عن فيزيائي ولكن سيكون مريحا للإنسان في متابعة ومراقبة ومشاهدة هذه الفاعليات.

• ابقوا بخير وكونوا لطفاء

أما الكاتب محمد برهان الذي يدير فضائية (سي إن بي سي)، فقال متعجبا: إحدى دور السينما وضعت لافتة كبيرة على بوابتها تعلن عن إغلاقها و تقول فيها: السينما مغلقة إلى أن تتوقف الحياة الواقعية عن ظهورها كما لو أنها فيلم سينمائي ..ابقوا بخير، كونوا لطفاء. 

العبارة السابقة تمثل حقيقة ما نعيشه اليوم في ظل هذه الجائحة. هل نحن نعيش فيلماً من دراما الخيال العلمي؟ أم أنها رواية غرائبية تشارك الإنسانية جمعاء في كتابتها؟

هذه الجائحة تؤكد أن لا خيال بات يحد واقع البشر، نعم نحن جميعاً اليوم نعيش أحداث قصة بشرية جديدة قاسية وغير متوقعة لكنها تؤكد أن الأدب مهما شطح في مضارب الخيال فالواقع قادر على مجاراته.. إنه تبادل حقيقي للأدوار. وهذه الفترة غنية بمضامينها وصورها ولا بد أنها ستنعكس بتداعياتها على النتاج الثقافي والأدبي لمبدعي العالم لكن بالتأكيد الوقت مبكر للتكهن بفحوى هذه التداعيات وعلينا أولاً الخروج من المعمعة والنظر إليها من بعدٍ أكبر لنتمكن من رصدها. 

وأضاف: ما من شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تشكل حاملاً مهماً للنشاط الثقافي والفني لكن علينا أن نتذكر دوماً أنها كقناة تفرض محدداتها على هذا النشاط فالنشر في هذه الوسائط له شروطه الفنية أيضاً. إذ لا يمكن لقارئ الفايسبوك أن يغرق فيه بتفاصيل رواية، والتويتر لا يستوعب نشر حتى قصة قصيرة متكاملة، أما الانستغرام فهو بيت الصور ولا يقبل النصوص.

بالمقابل وجد الأدباء والمثقفون في الوسائط الإلكترونية الحديثة فرصة للإحتكاك المباشر مع المتلقي وهذا أتاح بصورة خاصة فرصة أكبر لصقل الأعمال الإبداعية والإطلاع على ردود فعل المتلقين عليها.

• التغيير آتٍ لامحالة

تابع برهان كلامه: كما أسلفت سابقاً، يبدو من المبكر التكهن بآثار ما يحدث اليوم ليس على الواقع الثقافي والفكري فحسب بل على المستوى الإقتصادي، الإجتماعي، وحتى السياسي لكن ما نستطيع الجزم به هو أن "هناك تغيير".

إن المفهوم الذي أطلقته الحكومات في بداية الجائحة واعتمد ما يسمى بمفهوم "التباعد الاجتماعي" سيكون له أثره بلا شك على كل مناحي الحياة. هذا المفهوم عزز التواصل الإفتراضي على حساب التماس الإجتماعي الحقيقي، ومناسبات التجمع الجماهيري كالمباريات الرياضية والمهرجانات.

إن الأضرار التي يسببها هذا الواقع قد تبدو ضبابية وغير ملموسة تماماً، ولكن علينا أن نتذكر أن الحالة التي نعيشها اليوم عاشتها البشرية أكثر من مرة فيما مضى، الجوائح كالكوليرا، الطاعون، والإنفلونزا الإسبانية، أوبئة اختبرتها البشرية في العقود السالفة، الفرق هو أن العالم لم يكن على هذه الدرجة من التواصل والاحتكاك الإنساني كما هو اليوم، العولمة التي نعيشها في النظام الإنساني الحديث أوجدت فرقاً كبيراً في مستوى عمومية الظواهر ومنها الجوائح والأوبئة.

• تقويم السلوك البشري

ومع فقدان الأرواح والاضطراب الاجتماعي والاقتصادي يبدو من الصعب الحديث عن فوائد لهذه الجائحة، ولكنها أوقفت أو على الأقل أبطأت من حالة اللهاث البشري نحو التوسع والإنفتاح المنفلت من عقاله.

منذ فترة كنت أقرأ تقريرا حديثا لإحدى وكالات البيئة العالمية والذي يؤكد بالأرقام وبصور الأقمار الصناعية أن مستوى التلوث على سطح الكرة الأرضية قد انخفض بشكل ملحوظ حتى أن البعض يشير إلى أن كبح جماح الحركة البشرية المحمومة لأشهر إضافية أخرى قد يقود إلى إندمال ثقب الاوزون وربما انحسار ظاهرة الإحتباس الحراري. وهنا يمكننا الحديث عن لحظة التأمل الإنساني التي فرضها الوباء، إنها لحظة تفكر يجب أن نستغلها في إعادة تقويم سلوكنا البشري عامة ومحاولة تغيير ما نستطيع تغييره لضمان مستقبل أفضل لأبنائنا ولأحفادنا من بعدهم.

• التعامل بحكمة مع الفيروس

أشاد محمد عبد المجيد علي الرئيس التنفيذي لصحيفة نبض الإمارات بالمهرجانات الأدبية قائلا: للمهرجانات الأدبية دور كبير في تطور المشهد الثقافي في أي مجتمع وبالرغم من أن فيروس كورونا خلق العديد من الأزمات في مختلف مؤسسات دول العالم، ولكن هناك مؤسسات ثقافية تعاملت مع الفيروس بحكمة عالية وطوعت الحجر المنزلي إلى شيئ نافع من خلال التعامل مع الثورة الرقمية ومواقع التواصل الإجتماعي التى استخدمها ملايين البشر من كافة أنحاء العالم وأتاحت التكنولوجيا العمل من المنزل ونشر أعمال المثقفين البارزين والحاضرين سواء على المستوى المحلي أو العربي أو حتى العالمي.

للسوشيال ميديا دور إيجابي لأنه يوفر للمستخدمين منافذ يعبّروا من خلالها عن استجاباتهم الفردية والجماعية لتفشي جائحة كورونا، كما أنه يشكل تفاعل المشتركين باتجاهين، إيجابي يحاول التعايش مع الأزمة وتخطيها وسلبي يحاول توظيف الأزمة لنشر الشائعات والخرافات وأحيانا لنشر توجهات عنصرية أو إجرامية أو حتى أيديولوجية مختلفة.


• لا وجود لفنان بدون جمهور

وبدوره تحدث محمد البدري وهو فاعل جمعوي فني وأستاذ مشرف على ورشة للتكوين المسرحي عن أهمية منصات التواصل الاجتماعي فقال:

إن الفنان نتيجة لموهبتة بحاجة لمجتمع يتفاعل معه، لذا وبدون مجتمع لا وجود للفنان، فالمسرحي أو الموسيقي وغيرهم من فناني العروض الفنية بحاجة إلى جمهور لتشجيعهم واقتناء لوحاتهم وأعمالهم الفنية، بالإضافة إلى ضرورة حضور الإعلام إلى جانبهم للتعريف بمنجزاتهم على مستوى أوسع ولكن مع هذه الظروف التي حلت بالعالم، وجعلت معظم الدول تفرض على شعوبها نظام الحجر الصحي، وجد الفنان نفسه منقطع عن مجتمعه وبيئته الفنية، مع العلم أنه كالطائر الحر لا يمكن أن يوضع في قفص، لذا وجد في وسائل التواصل الاجتماعية المنفذ الوحيد للتقارب مع المجتمع ومع جمهوره ليعيش حياته الفنية من داخل منزله سواء بفتح حوارات مباشرة أو عن طريق التعليقات، وكذا تقديم بعض منجزاته في هذه الظروف الصعبة.

• معرض دولي للفنون التشكيلية

تابع البدري: نحن في المملكة المغربية كنا سباقين لتنظيم معرض دولي للفنون التشكيلية في الأيام الأولى للحجر الصحي إيمانا منا أن هذه الخطوة ستكون لها إيجابيات من الناحية الإجتماعية ومن الناحية الفنية.

بالنسبة للناحية الإجتماعية، نعلم أن العالم يعيش أسوأ وأصعب فتراته وأن الموت يحوم على كل البشرية.

إن هذه القناة التي فتحناها تحت شعار لنجعل من الفن أداة للتحسيس والتشبث بالحياة لرفع المعنويات للفنانين وفتح المجال للتواصل بينهم، والإبتعاد عن الأفكار والأخبار السلبية.

أما من الناحية الإبداعية فكانت فرصة للفنانين لإنجاز أعمالهم الفنية في هذه الفترة الحلكة وتوثيقها وتقديمها للجمهور العريض الذي تفاعل معها إيجابيا والدليل أنه ظهرت أعمال فنية في مستوى عالي جدا توثق لهذه المرحلة الصعبة للأجيال القادمة.

بعدها فتحنا نافذة أخرى للأطفال والشباب والذين نعتبرهم أبطال المرحلة لتقبلهم وصبرهم الالتزام بنظام الطوارئ الصحية في منازلهم لمدة قد تفوق الشهرين بخلق مبادرة في التشخيص عن بعد والتي لقيت إقبالا وتفاعلا كبيرين ، اانضم إليها مجموعة من الفنانين الكبار في إطار لجنة تحكيم عن بعد لتقييم أعمال هؤلاء الأطفال والشباب بل وتم احتضان التجربة من طرف إحدى كبريات المجلات المغربية بوضع أعمالهم على موقعها لتكون لها فرصة انتشار أكثر وفرصة لاستقطابهم في أعمال فنية مستقبلاً، ثم دخلت بعد ذلك على الخط وزارة الثقافة والشباب والرياضة لاحتضان هذه التجربة حيث أصبحت تقام تحت إشراف المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بجهة الرباط سلا القنيطرة.

• مبادرات وطنية إفتراضية

هذا النجاح لهاتين التجربتين كان حافزا لعدة مؤسسات وفعاليات في تنظيم تظاهرات ثقافية وفنية افتراضية، كجامعة المولى اسماعيل بمدينة مكناس التي طلبت منا الإذن لتنظيم ملتقى دولي للفنون التشكيلية مماثل، والشيء الذي أبهرنا ورحبنا به إلى جانب كل الفعاليات الثقافية والفنية الوطنية هو مبادرة عثمان الفردوس وزير الثقافة والشباب والرياضة بخلق برامج ثقافية وفنية افتراضية من 20 نيسان 2020 الى غاية 20 أيار 2020 في كل المراكز الثقافية والمكتبات الوسائطية والمعاهد الموسيقية بالمغرب.

وحتى تكون لهذه التجربة انعكاسات إيجابية بعد أن يرفع الله هذا الوباء ، يجب التفكير في صيغة لإخراج هذه التجربة للوجود، وهنا يمكن أن تكون فرصة لإخراج مشروع كان الأول من نوعه في العالم تطرق إلى الثقافة الإفتراضية وعلاقتها بالواقع، وهذا المشروع كان جاهزا سنة 2010 بعد دراسة معمقة لظاهرة الفايسبوك والتي تبين منها أن فلسفته تتجلى في البحث عن الآخر والاحتكاك بثقافته ولو افتراضيا.

تقنيات العصر واستثمارها

وأما الكاتب والسينارست حافظ قرقوط فقال: لا شك أن التغيرات العظيمة في التاريخ بغالبيتها جاءت عقب أحداث كبرى دفعت البشرية إلى تبني مناهج وأساليب وقوانين جديدة ومختلفة جذريا عن سابقتها، وهي بالنتيجة تواكب حاجة الإنسان ،ولعل التحدي الجديد الذي واجهته البشرية اليوم بهذا الوباء القاتل والمفاجئ والذي سرعان ما أثر على سلوك وعادات المجتمعات سيسجل على أنه أيضا حدث كبير سيكون له انعكاسات بعيدة المدى على كافة مناحي الحياة.

إن التقنيات التي أطلق عليها ثورة المعلومات قد تكون هي العامل الأهم في تحديد اتجاهات المستقبل، وإن اعتماد تقنياتها حاليا مع هذا العزل المكثف والدقيق هو حالة لها جوانب إيجابية عديدة وهامة لفتح آفاق تواصل بين الناس أفرادا ومجتمعات.

لنتخيل أن هذه التقنيات غير موجودة فكيف سيتم التواصل ونقل المعلومة والنشاط والرأي وما إلى ذلك.

إن التباعد الجغرافي قد فرض نفسه وفرض أيضا هذه الوسائل على مستوى معارض ولقاءات وندوات وعرض كتب وحتى مؤتمرات دولية، طبعا اللقاء الحسي بين البشر دائما له حميميته وجماله وأثره المعنوي الهام وهذا ما أتمنى أن يعود من جديد.. لكن بنفس الوقت تفعيل تقنيات العصر واستثمارها للتواصل الثقافي والعلمي والفني بين الشعوب وبخاصة بصعوبة السفر على الملايين من الأفراد ومن المهم تقريبهم من بعضهم، وهي ميزة لزيادة التفاعل.

لكل حالة إيجابياتها وسلبياتها ولكن وسائل الحضارة، اذا تم استخدامها بشكل لائق لتمكين الناس وزيادة معرفتهم وتعلمهم من خلال الدراسة والتدريب عن بعد سيكون لها أثر إيجابي وتنافسي وعدم احتكار المعلومة.

وفي النهاية بعد استطلاعنا مجمل الآراء، فإنه لا بد من التكيف مع واقع فرضه فيروس كورونا على العالم بأسره وخلق فرص لتلاقح الأفكار والمعارف افتراضيا ريثما تعود الحياة لصحتها وصخبها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم