الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

لماذا تتعرّى ؟

ليال كيوان بو عجرم
A+ A-

قبل أيام، شهدت باحة متحف اللوڤر في باريس تظاهرة من نوع خاص، ففي مناسبة "اليوم العالمي للمرأة" قامت نساء عربيات وإيرانيات بالتظاهر عاريات مطالبات بالحرية والمساواة والعلمانية، بينهن التونسية أمينة السبوعي والمصرية علياء المهدي ذوات السوابق في تاريخ التعري. أسئلة كثير طُرحت حول تلك الممارسات، وأهمها ما مدى فاعليتها في سبيل الحصول على الحرية والمساواة؟ وهل التعري يحقق المطالب على اختلاف أنواعها؟


الصورة الأولى التي ظهرت للإنسان في التاريخ من خلال آدم وحواء أظهرت عريهما الذي لم يكن الخطيئة الأولى، بل كانت الخطيئة أكل التفاحة! لكن مع تحوّل المجتمعات وعاداتها وتقاليدها ومفاهيمها للجسد، تحول الأخير سلعة قابلة للعرض والطلب يُتاجر بها. واليوم نحن أمام كمّ هائل من العري يطالعنا فصولاً في الشوارع والشاشات والشبكة العنكبوتية، حتى بات جسد المرأة لكأنه سلعة في سوق الرهانات. وتتزايد ظاهرة تعري النساء في الملاعب الرياضية تشجيعاً للاعب او فريق ما، وفي الشوارع احتجاجاً على أمور معينة، ولا يمكن أن نغفل تعرّي الرجال في بعض المواقف احتجاجاً على أمور تعنيهم، فما سبب ظاهرة التعري تلك؟ وكيف يقرأها علم النفس والمجتمع؟


اختلاف في وجهات النظر
تختلف نظرة المجتمعين الأوروبي والعربي أو الشرقي عموماً الى الجسد العاري، ففي الثقافة الأوروبية، استخدام جسد الرجل أو المرأة في الاحتجاج على موقف ما أو تشريع ما، لا يفاجئ أحداً، في حين أن جسد المرأة عند الشرقيين والعرب ينحصر غالباً في معناه "الإيروتيكي" ولا يحمل أي بعد اجتماعي أو فكري أو ثوري مهما كانت الرسالة التي ترمي اليها المرأة العربية من خلال التعري.
ولو فتشنا في الانترنت لوجدنا صوراً لا تعد ولا تحصى لنساء عربيات وغربيات عاريات الصدور أو الجسد بأكمله، ومن بينهن ممثلات شهيرات أو نساء عاديات جداً. وما يميز التعري في المجتمع الشرقي المحافظ والإسلامي تحديداً، التجرؤ على استفزاز ذلك المجتمع وهو يمارس تقاليده المعروفة كالتستر بالحجاب والنقاب، والإخلال بالنظام الاجتماعي العام. فالغرب يحفل بتاريخ نساء تعرّين سواء لتحقيق مطالب معينة أو مناصرة لقضية ما أو تشجيعاً على أمر ما، أو لمجرد الرغبة بالتعري وإظهار الجسد بداعي لفت النظر. وأيضاً للنساء العربيات تاريخ آخر في التعري للأسباب عينها، ولمن يريد أن يتذكر، فإن الفنانة التشكيلية السورية هالة الفيصل التي تعيش في الغرب، أرادت أن توصل رسالة احتجاج على الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، فكتبت على جسدها العاري "أوقفوا الحرب" ووقفت في ساحة نيويورك العامة، فتمّ اعتقالها لأنه ممنوع أن تظهر عارية في مكان عام. الى الأمس القريب، جاء اعتراف جاكي شمعون نفسها لتتحدث بلسان حال من سبقنها، وتقول ان لبنان بلد محافظ وان الصورة التي أظهرتها لا تعكس ثقافة المجتمع اللبناني، وهذا يلتقي مع رأي معارضي هذه الظاهرة الذين يرون أن التعرّي لأي سبب كان هو استغلال رخيص لجسد المرأة ولا يجوز للمرأة عموماً التفريط بنفسها وبشرفها مهما كانت الأهداف.


التعري وفلسفة الجسد
وإذا ما تحدثنا عن التعري من الناحية الفنية والنظرة الى الجسد من منطلق فلسفي، ينقلنا الفنان التشكيلي رامي الزين الى اعتبار علماء الأنثروبولوجيا، أن الإنسان ولد عارياً من دون ملابس، "واجتمعت الظروف والمسببات فاتخذ من جلود الحيوانات وبعض النباتات أغطية لجسمه تقيه الحر والبرد والمطر. وبتطور سبل العيش ومتطلبات الإنسان، صار للملابس أغراض أخرى ترتبط بمفاهيم معينة كالعبادة والسحر والزينة وغيرها". وبالانتقال الى الفن التصويري، يقول الزين إن التجريد في التصوير الفوتوغرافي وُجد من أجل توظيف الجسد البشري متجرداً من دون ملابس بوضعية الجماد، مثله مثل الرسم والنحت اذ يتم توظيف ملامح الجسد البشري من ناحية الخطوط والأشكال كعناصر أساسية لخدمة العمل. وقد ركّز التصوير الفوتوغرافي بالأساس على الجسد كعنصر متجرّد من الشخصية الإنسانية". لكن لماذا يتمّ التركيز على جسد المرأة العاري؟ يعود ذلك برأي الزين الى"كون المرأة الرمز الأكثر وضوحاً والتجسيد الأكثر صراحةً للجمال دون الرجل".


رأي علم النفس
وبصرف النظر عن الرؤية الفنية للجسد ومحاولة فلسفة التعري أو التجرّد، ثمة واقع اليوم يتمثل بالتعري لأسباب مطلبية، نقف على دوافعها من منظور نفسي.
"كان الغرب سبّاقاً الى كل شيء والاحتجاج بأسلوب التعري عُرف فيه منذ عشرات السنين، ففي مجتمعنا الشرقي نقوم بتقليد صرعاته وأفكاره"، هذا ما تراه المعالجة النفسية الدكتورة كريستينا معلوف.فالنساء الغربيات كنّ السباقات الى التعري، واليوم يتعالى الجدل بين المدافعين عن هذا السلوك بوصفه جزءاً من حرية المرأة، ومناهضين له يصفونه بقلة الحياء والعرض الرخيص لمفاتن الجسد. وحتى اليوم، ترفض النساء المتعريات البوح بأسباب إقدامهن الحقيقي على هذا الفعل، فماذا يقول علم النفس في ذلك؟
بدايةً، تقول معلوف إن التعري النضالي "يطلق عليه ثقافة الصدمة على أنه تعبير أو مصطلح يراد منه وصف مشاعر مختلفة من مفاجأة أو حيرة أو اشمئزاز تظهر لدى شخص أو مجموعة أشخاص نتيجة تعاملهم مع ثقافة تختلف عن ثقافتهم، وتالياً يواجهون صعوبات في استيعاب هذه الثقافة المختلفة. وظاهرة التعري النضالي في الشارع العربي ينظر اليها من منظار"خالف تعرف" ومن الجانب الغربي لا ينظر لها بريبة. أما في واقعنا العربي، فنرى أن ممارستها ناتجة من الكبت الجنسي والموروث الديني والاجتماعي المناهض لها. ويمكن اعتبار التعري النضالي امتداداً للنضال النسوي، لكن أيضاً لا يمكن فصله عن رؤية المجتمع والعادات والتقاليد. ولا علاقة للتعري بالجرأة والنساء في العالم العربي لا يمتلكن أجسادهن رغم نضالهن من أجل استرجاع ذلك الجسد المسلوب، وهذا متفاوت بين بلد وآخر لكن الاتجاه السائد هو التحكم بالأجساد كسلع يبيحون تعريتها حينما يريدون ويمنعون عن المرأة حرية التصرف بجسدها كما تشاء".
أما ظاهرة التعري عموماً، فهي ظاهرة مرضية نفسية يجد فيها الإنسان لذته الجنسية من خلال نزع الملابس عن الجسد والتأمل فيهإ أمام المرآة أو إظهاره للناس. وتشرح معلوف أن هذه الحالة "تكثر بين المصابين بأمراض الذهان، ولكنها قد تبدو في هذا القرن كظاهرة حضارية، خصوصاً في المجتمعات الغربية وتنسحب على المجتمعات الشرقية لناحية التقليد، وهي تشمل المرأة والرجل على السواء وإن كانوا الرجال المتعرّين أقلية نسبة مقارنة بالعنصر النسائي. واتخذ بعض الناس من مسألة التعري سبيلاً للشهرة وتحقيق الأهداف، ولكنها من الناحية النفسية تبقى في نظر الاختصاصيين ظاهرة تصيب بعض الناس المحرومين من الحب والجنس ويحملون في داخلهم كرهاً شديداً للممارسة الجنسية نتيجة الخجل أو التربية الخاطئة. وتصاحب التلذذ في التعري، أمور عدة أهمها النظر إلى الأجساد والتأمل فيها والتفكير بالجنس. وأحياناً تتخذ المسألة طابعاً جرمياً كالذي حصل لراقصة نمساوية كانت تتعرى أمام الشباك، مع علمها أن أمامها رجلاً يترصدها ويراقبها. وكانت تزيد من حركات الاستثارة إلى ان اضطر الرجل للدخول الى بيتها، وحين رفضت مجامعته وتلك حال جميع المصابين بالاستعراضية أو التعري، أدى الأمر إلى قتلها".
وبالنسبة الى التعري للمطالبة بأمور معينة، تفسّر معلوف هذا الخيار بـ "الرغبة في تحرير صاحبة السلوك لجسدها من يد النظام المجتمعي المقنّن للجنس، لأن التعري في ذهنية هذه المجتمعات لا يكون إلا لغرض الاستحمام أو الجنس. واستخدام المرأة لتلك الطريقة كتعبير عن غضبها دليل عن إحباط سببه عدم تحقق الإشباع". لكن عن أي إشباع نتكلم؟ "الإشباع الجنسي وهو ما تكشفه في سلوكها بوعي منها أو بلا وعي، غير أنها تدرك أن المُتلقي سيترجمه كدعوة جنسية، لأنه لا يعرف رسالة أخرى يقدمها الجسد العاري، فالسلوك يتكلم تلميحاً بما تعجز عنه اللغة". وإذ تؤكد أن لكل شخص الحق في التصرف بجسده كما يريد، تشير الى أنه لا يجوز للإنسان أن يتحدث باسم الآخرين،"يدّعي بعض هؤلاء النسوة اللواتي يتعرّين أنهن بهذا السلوك يدافعن عن حقوق النساء، لكن من قال إن النساء جميعهن تقبلن تمثيلهن بهذه الطريقة؟". لهذا تسأل معلوف النساء عن خياراتهن في المجتمعات المتشددة التي تفرض على المرأة الحجاب أو على الأقل لنقل ستر الجسد والتزام الملابس المحتشمة، عن الخيارات أمام واقع التعري كون النساء المتعريات برأيها يضعن الأخريات أمام خيار الحجاب أو التعري وكأن لا ثالث بين الاثنين. "أعتقد أن التحجّب والتعرّي يضعان المرأة في وضع مهين، والتي تسعى الى التحرر من براثن العقلية الذكورية وقيودها النمطية، وما تنطوي عليه من قمع وإلغاء لكينونتها. فالقمع يصوّر المرأة أداة إغراء وإغواء ينبغي إلغاؤها ومحوها والتعري يظهرها سلعة للاستثمار والتجارة وهو ما يحولها مجرد أداة للفت الانتباه". وتسأل معلوف أخيراً عن تعرّي الرجل احتجاجاً، "هل ينال عندها الانتباه نفسه أو الغضب ذاته أو التعليقات الصحافية والإعلامية عينها؟ فلماذا ترتضي المرأة إذاً أن تبيح جسدها أياً تكن الأسباب؟".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم