الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مَن هو الغريب؟

المصدر: "النهار"
عماد فغالي
مَن هو الغريب؟
مَن هو الغريب؟
A+ A-

سؤالٌ راودني عندما طويتُ الصفحةَ الأخيرة من رواية "زوجة الغريب" للدكتور نزار دندش. لأخلدَ إلى جوابٍ غريبٍ هو الآخر، أنّ الإنسان على كوكبنا الأرض، هو، بل يبقى غريبًا عن أخيه الإنسان، طالما معادلةُ المصلحة الخاصّة والشرّ تتحكّم به، وتطيح بالمذنب والبريء على السواء. 

"زوجة الغريب"، روايةٌ غريبة في نوعها، مثيرةٌ في علميّتها، جميلةٌ في ما تقود إليه من أمثولات. اعتمد فيها الكاتب على تخصّصه العلميّ، ليضيء من عالمٍ خارجيّ أدخله بمنطقيّةٍ "زُلال"، في سياقه النصيّ، على أدبيّات المجتمع الإنسانيّ بشكلٍ عامّ، من باب القيم والمبادئ الاجتماعيّة من جهة، والأنانيّات والصراعات من جهةٍ أخرى.

في المؤشّر الزمانيّ، وُفّق دندش باعتماد أيّامنا هذه إطارًا زمنيًّا لروايته. فتشكّل السرد من حقول التكنولوجيا المعجميّة، نمطًا يحاكي القارئ منذ الآن، وإلى ما بعد. فالعَودُ إلى تأسيس الكوكب والحياة فيه، توالدًا وتطوّرًا، جاء يخدم النظم الحياتيّة التي يعيشها إنسان اليوم، في مقاربة علميّة منهجيّة إن دلّت، فتحت القارئ على احترافيّة الكاتب في المادّة التي يعالجها.

بحثت الروايةُ في محاورَ متعدّدة، جديدةٍ في مكان، وتقليديّة في أخرى. لكنّها انصبّتْ جميعُها في خدمةِ القيميّة الإنسانيّة،من خلال زخرفٍ اجتماعيّ فالشٍ على السياق، هو الزواج. قلتُ احتماعيّ لأنّ الراوي أحاط الزواج في النماذج التي عرضلها، بكلّ ظروفه الاجتماعيّة، تحضيرًا وعيشًا وتداعيات... في نجاحه وأباطيله. فتكوّنت في النصّ شبكةٌ زواجيّة، مختلفةُ التشكّلات، كان أقواها زواج "الغريب"، في التركيبة التي صيغت ليقبل مجتمع القرية زواجَ "فرح" به.

لافتٌ ما نسجه الكاتب من خيطٍ رفيع بين "رسالة" الغريب في كوكبنا، وشخصيّة الرواية الرئيسة المثاليّة، في حوارهما على الامتداد النصيّ، ومآلهما عبر شريط الأحداث في نهاية الحبكة. في رأيي شكّل هذا الخيطُ الرفيع، كلّ تماسك السبك القصصيّ في الرواية.

يلفتُ أيضًا، سقوط بعض الشخصيّات التي بدت في البداية أساسيّة، كفرح مثلاً، لتتحوّل تباعًا إلى جسر عبور بين الشخصيّتين الأبرز . كما سقطت أحداثٌ أو هي تضمينات، من دون أن تشكّل ثغرة تُذكر في السياق.

وفي عَودٍ إلى السؤال "من هو الغريب"، أعتقدُ أنّ الجوابَ ليس في تحديد شخصيّة غريبة، بقدر ما هو دلالة إلى منظومةِ الحياة في هذا الكون، الغريب فيها من يسعى إلى تدميرها في نظر أهل الخير، ومن يخرجُ عن سربه المحافظ ظاهرًا على عاديّات الموروثات، والغائص في الصراعات المميتة لأجل نموّه على حساب الإنسان والقيم.

"زوجة الغريب"، روايةٌ تستحقّ القراءة وفق المناهج الإنسانيّة والفلكيّة. وهي تهمّ مجتمعنا اليوم في تطوّر أبحاثه على الصعد التي تطرّقت إليها.

نزار دندش، قدّمتَ نموذجًا مختلفًا في المضمون والحبكة النصيّة، على المستوى الروائيّ، الذي أهديتَ من خلاله للقارئ العربيّ، مفهومًا ثقافيًّا واسع الأفق، فاتحًا على مجالاتٍ علميّة لامحدودة!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم