الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

لبنان ذلك المجهول

المصدر: النهار
سعد نسيب عطاالله
لبنان ذلك المجهول
لبنان ذلك المجهول
A+ A-

"الإنسان ذلك المجهول"، هو اسم كتاب للعالم البيولوجي والجراح الفرنسي الشهير، ألكسيس كاريل (١٨٧٣-١٩٤٤). يشرح فيه كيفية إستقبال جسم الإنسان لتوجيهات وأوامر الدماغ، وتجاوب الخلايا مع الأنسجة والعضلات والشعيرات، لتنفيذها بطرق عديدة مترابطة ومعقدة، لا يدرك كنهها هذا المخلوق العابر، لا تخطر على باله عندما يقومون بأي حركة في حياتهم اليومية.

يتحدث الكاتب عن كيفية حدوث حركات الاطراف، على سبيل المثال، مع اليدين والرجلين، وحول المراحل الدقيقة المتتالية التي تحصل في التركيبة البنوية العصبية، قبل القيام بتحريك الاصابع، أو السير بخطوات إلى الوراء أو إلى الأمام، أو إتجاهات أخرى.

إنه يتعمق في التركيبة العجيبة المركبة التي تؤهل هذا الكائن البشري المجهول أن يقوم بكل أعماله وما تتطلبه من جهود ومثابرة.

مهما حاولتُ الإستفاضة في الكتابة حول هذا الكتاب الكوكبي، فإنه غير كاف، لأنه يتطلب بحثاً تحليلياً معمقاً، يقوم به علماء متخصصون في الطب البيولوجي، أو الطب الفيزيائي.

أشرت إلى هذا الكتاب من قبيل الإشارة إلى الكائن اللبناني العجيب والمجهول، الذي يواجه حالياً شبكات من الأزمات الامنية المعقدة، والإجتماعية الملحة، والتربوية التعليمية، والاقتصادية البنيوية، والصحية الجرثومية الوبائية، التي تستدعي الوقاية المطلقة، في غياب أي علاج معتمد لها من خلال بروتوكولات طبية نهائية حديثة وجديدة.

كيف يستطيع اللبناني القيام بتشخيص كل هذه التعقيدات المتكاثرة والمترابطة، لإيجاد مخارج لها وحلول، حتى يقوى عليها في صراعه مع بقائه الوجودي! إنه يحتاج إلى استراتيجيين أمنيين، وأخصائيين في علوم الاجتماع، والتربية، والاقتصاد، والجراثيم الوبائية الخطيرة.

لو بدأ اللبناني مع التوجهات الامنية الضرورية، مثل إصدار عفو عام عن المساجين، ودمج الأجهزة الامنية، وفتح الخدمة التطوعية الأمنية، واتّباع سياسة كل مواطن خفير، هل بإمكانه تنفيذ ذلك؟

ثم انتقل إلى الوضع الاجتماعي البائس، بالعمل على مكافحة البطالة والفقر، وتوفير فرص عمل للشبيبة الخريجين، وتأمين السكن لشريحة واسعة من أصحاب الدخل المحدود، هل يمكنه تحقيق ذلك؟

ثم أتى إلى معالجة الآفات التربوية، بإعادة تأهيل المدرسة الرسمية وأساتذتها، وقطع المساعدات التربوية عن العاملين في القطاع العام، وفرض ضرائب تصاعدية على أرباح المدارس الخاصة، المدنية منها والدينية، ومنع أساتذة القطاع العام من التدريس في القطاع التربوي الخاص، هل يمكنه إنجاز ذلك؟

ثم وصل إلى آفة الآفات، أي الوضع الاقتصادي الساقط، وسعى إلى البدء بمكافحة الفاسدين والفساد، واسترداد الأموال المنهوبة، ووضع خطة اقتصادية خماسية وحدد مراحلها، ومنع الوكالات الحصرية والاحتكار، وصرف من لا ينتج في عمله، وعيّن المسؤول المؤهل المناسب في المكان الملائم والمناسب، وكافح الهدر، ودعا إلى تشديد المحاسبة، وحضّ على اقتصار التعامل النقدي على العملة الوطنية محلياً، وشدد على مراقبة عمليات المصارف الجشعة للحفاظ على أموال المودعين والمستثمرين، هل يمكنه الوصول إلى ذلك؟

ثم وصل إلى الأوضاع الصحية التي تتطلب توفير ضمان الشيخوخة، وتوحيد صناديق التعاضد والجهات الرسمية الضامنة، وتبنّي البطاقة الصحية الموحدة، وتحديد أسعار الدواء والعلاج، وتأهيل المستشفيات العامة، وفرض ضريبة تصاعدية على أرباح المستشفيات الخاصة ومراقبة كل نشاطاتها العلاجية، بالإضافة إلى وضع ضرائب ورسوم على مداخيل الأطباء، والمختبرات الخاصة، هل يمكنه تحقيق ذلك؟

ناهيك عن الورطة الوبائية الجرثومية التي يعاني منها كل العالم، التي تستدعي إعلان حالة طوارئ طبية وأمنية، رقابية وتموينية، مع استمرار التقدير للجسم الطبي الذي يقوم بعمل جبار رغم ندرة الموارد والمستلزمات الطبية في بلد مفلس ومنهوب، يخضع إلى نظام إقطاعي تحاصصي طائفي ومذهبي مستهلك.

يشهد لبنان حالياً إعصاراً مصرفياً يبتلع أموال المودعين، وصراعات مذهبية وطائفية حول التعيينات في القطاع العام، واتهامات بإجراء صفقات سدود مياه واستيراد نفط، ومحاولات تملّك خاص للمؤسسات العامة، مثل شركة طيران الشرق الاوسط، وكازينو لبنان، والمصرف المركزي الذي هو من ركائز القطاع العام الأساسية.

لبنان الحالي هو كناية عن جسد تجمدت فيه كل الشرايين والأوردة والشبكات العصبية والبصرية، وقد انتصب واقفاً للشاهد من بعيد، مثل "كشّاش الطيور"، لا يقوى على هبوب الرياح، حتى وليس على نسائم الإصلاح الهادئ البطيئة.

إنني أبادر إلى استئذان العالم الفرنسي، ألكسيس كاريل، وأقتبس من عنوان كتابه عنواناً شبيهاً لهذه المقالة، يكون "لبنان ذلك المجهول"، بالرغم من كونه مخلوقاً سلطوياً طائفياً جامداً ومشوهاً، ولا يشبه التركيبة الجسدية المتكاملة والمتناسقة لدى الجنس البشري، التي أشرف عليها الخالق منذ لحظة التلاقي الجامع بين بويضة الأنثى ونطفة الذكر.

لكنني أتساءل في خاتمة كلامي. هل أشرف الرب على البويضات الأنثوية والنطف الذكورية التي تلاقت، ثم توصّلت إلى السيطرة على "نظام" الحكم في لبنان؟!!



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم