الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

رأي - هذا الطفل المسكين!

فدوى القاسم
A+ A-

"هذا جناه أبي عليَّ وما جنيت على أحد". قال لي ابني الأسبوع الماضي، إنه إذا تزوج، مع التشديد على كلمة "إذا"، فعليَّ أن لا أنتظر منه أحفاداً.
كم هو أناني، فعل الإنجاب. فعل استنساخ شرعي، يتقبله المجتمع والعلم والدين. لا تهمّنا صعوبة ظروفنا، قلة أموالنا، ضيق مسكننا، ولا نقص الغذاء، ولا الحروب، ولا إن كان هذا الذي سننجبه سيكون رقم 9 بين أخوته وأنه لن يرتدي يوماً قطعة ملابس جديدة.
نريد أن ننجب! فماذا نفعل في حياتنا بعدما تزوجنا؟ وكيف نملأ وقتنا؟
نريد أن ننجب كي يكفّ الناس ألسنتهم عنا. كي لا نُتَّهم بالعقم. ولأن الأصدقاء وأبناء العمومة والجيران، وحتى قطط الحارة، أنجبت صغارها.
نريد من نتحكم به، نريد فرصة فرض سلطتنا عليه، وفرض خبراتنا وتجاربنا ونصائحنا ومواعظنا، كأنها أفضل ما توصلت إليه الإنسانية.
نريد أن نرضي غرورنا. نريد من يحمل اسمنا، جيناتنا، ذريتنا، سماتنا التي تعتقد أنها تستحق التوارث، لون شعورنا، عيوننا، ابتساماتنا، كأنها هي التي ستصلح كل أوجاع البشرية.
نريد ما لا يتقبله مجتمع ولا علم ولا دين، على الأقل ليس علناً. نريد الخلود.
وهذا الطفل المسكين.
هذا الطفل المسكين، سيحمل على كتفيه الصغيرتين كل تفاهاتنا الكبيرة. من اسم اخترناه له، مثله مثل أي شارع أو ساحة. ثم نرانا نغضب عليه لأنه يحقد على اسمه الذي يتسبب له بالمشكلات أينما ذهب. نغضب لأنه لا يسمع كلمتنا، ولا نصائحنا... ثم تضحكه تجاربنا.
نغضب عليه بشكل خاص لأنه يرفض مشروعنا. يرفض أن يكوننا. لأنه يفشل في تقمص خلودنا، فنحثه على الزواج والإنجاب، سريعاً، لعل أحفادنا يفلحون.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم