الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هذه الجدران الجائعة من يسكت جوعها

عقل العويط
عقل العويط
هذه الجدران الجائعة من يسكت جوعها
هذه الجدران الجائعة من يسكت جوعها
A+ A-

الحرب العالميّة التي تُشَنّ على الوباء المستجدّ، أصبحت معروفةً من ألفها إلى يائها.

هذه الحرب لا تحتاج إلى عباقرة يضعون خططًا عسكريّةً مبكّلة، ولا إلى أسلحةٍ نوويّة، ولا إلى دبّاباتٍ وصواريخ وطائرات.

الانتصار في هذه الحرب، مسألتُهُ واضحة، بل واضحةٌ جدًّا، من الحرف الأوّل إلى حرفها الأخير.

الانتصار سهلٌ للغاية.

وعليه، يجب أنْ تحجر على نفسكَ داخل جدرانٍ مغلقة، شهرًا، شهرين، ثلاثة أشهر، فتؤمّن على حياتكَ، وحياة الآخرين.

ولكي تحجر على نفسك، شهرًا، شهرين، ثلاثة أشهر، يجب أنْ تملك المال.

هكذا فقط تتمّ السيطرة على الوباء. إلى أنْ يقضي الوباء على ذاته. أو إلى أنْ يتمّ العثور على الخلطة السحريّة التي تقضي على الوباء.

ونقطة على السطر. انتهى البيان الرسميّ.

كلّ كلامٍ آخر، هراءٌ بهراء.

هذا في مسألة الوباء المستجدّ، أمّا في مسألة الجوع، فالقضيّة مفتوحة على التأويل.

تتطرّق السلطات والحكومات، هنا وفي العالم، إلى وباء الجوع، كأنّها تتحدّث عن مسألةٍ بعيدة، أو متوسّطة الأجل. أو عن قضيّةٍ تعني أفرادًا ومجموعاتٍ يقيمون في مجاهل هامشيّةٍ ومنسيّةٍ من الأرض.

كاذبةٌ هي السلطات والحكومات، في العالم. وخصوصًا في العالم الثالث، الذي بات يشمل نصف سكّان العالم، وربّما، قريبًا، ثلاثة أرباع هؤلاء السكّان.

في هذا المعنى، كاذبةٌ هي السلطة والحكومة عندنا، عندما تقول إنّها تسيطر – أو تسيطر تقريبًا - على الوباء المستجدّ.

هي كاذبة، لأنّ الناس الذين يحجرون على أنفسهم، لا بدّ أنْ ينفد المال الذي ادّخروه. فمن أين يأتون بالمال؟

هذا إذا كانوا يعملون. فكيف إذا كانوا يعملون ولا يقبضون؟!

الناس الذين يعملون أصبحوا بحكم الأمر الواقع عاطلين عن العمل.

الناس الذين لا يعملون هم في الأساس عاطلون عن العمل.

هؤلاء وأولئك، كيف سيتمكّنون من مواصلة حجر أنفسهم داخل جدرانٍ لئيمةٍ وجائعة؟! كيف؟!

كثيرهم الكثير، يكاد الآن يكفر، لأنّه عارفٌ أنّه تجاوز خطّ الفقر الأحمر، وسيموت من الجوع.

بعد قليل، لن يعود في مقدوره أنْ يقترض. ولن يعطيه أحدٌ قرشًا واحدًا.

مسألة هؤلاء، وهم غالبيةٌ كاسحةٌ للغاية، هي مسألةٌ غير قابلة للتأجيل، لأنّها لا تعني فئاتٍ محدّدةً ومحدودةً من الناس.

هؤلاء ليسوا فقط خمسة في المئة. أو عشرة في المئة. أو خمسة عشر في المئة. أو عشرين. أو ثلاثين. بل أكثر من أربعين. بل خمسين. بل أكثر من خمسين. بل ستّين...

هي مسألة شعبٍ بكامله تقريبًا.

باستثناء الطبقة الغنيّة، وأذيالها من المستفيدين.

افتحوا الجوارير المقفلة في السرايات والقصور، في المكاتب والإدارات، واقرأوا التقارير الرسميّة وغير الرسميّة، الأمميّة والمحليّة، التي تتكلّم بأرقام الفقراء والجائعين والمعوزين، وتُطلق الإنذار تلو الإنذار.

إذهبوا إلى البيوت المستورة، واقرعوا أبوابها، وافتحوها، تكتشفوا بعيونكم الفارغة، هذه المأساة التي ترويها النظرات القتيلة، قبل أنْ ترويها الصرخات والتأوّهات.

إسألوا "هيومن رايتس" عن الجوع. وعن أهل الجوع. في ما يتعلّق بلبنان.

هذا الشعب جائعٌ في غالبيّته الساحقة.

ولا يمكن سدّ بوزه بحصصٍ غذائيّة، أو بمئاتٍ معدودةٍ من الآلاف بالعملة اللبنانيّة الفاقدة القيمة.

هذا الشعب الجائع يجوع. وإذا جاع أكثر، فسيدكّ الأبواب والأسوار التي يتحصّن وراءها أهل الطبقة الغنيّة، وأذيالهم والمستفيدون منهم.

هذا الشعب سيجوع أكثر. والمسألة مسألة أيّامٍ فحسب. بل ساعات. وأحيانًا دقائق. فقط دقائق.

هذا الجوع، هذا الشعب الجائع، في اللحظة الراهنة، لا يريد رئاسات ولا حكومات ولا وزارات ولا نيابات ولا حاكميّات ولا نيابة حاكميّات.

هذا الجوع، هذا الشعب الجائع، يريد فقط، في هذه اللحظة، أنْ يسدّ جوعه. وأنْ يحصل على رغيف الخبز.

وبكرامة. فقط بكرامة.

ليس بالحجْر وحده يحيا الإنسان، وينتصر على الوباء.

هذه الجدران الجائعة، مَن يُسكِت جوعها اللئيم؟!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم