الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

يوم ترحل كورونا

المصدر: النهار
عاصم عبد الرحمن
يوم ترحل كورونا
يوم ترحل كورونا
A+ A-

تعددت الروايات والنهاية واحدة، إنها جرثومة التاجي أو كورونا التي اجتاحت العالم دون أي تمييزٍ طبقي؛ جنسي؛ ديني؛ عرقي؛ سياسي أو غير ذلك، كثُرت التكهنات حول مصدر هذا الوباء الذي امتاز بسرعة انتقال عدواه بين الأفراد كما عبوره حدود الدول على حدٍ سواء. فبعض الروايات تحدثت عن كورونا المفتعلة لأسبابٍ جيوسياسية تهدف لفرض الهيمنة الأميركية على التنين الصيني أو أقله إبطاء تفوقها الهائل على الصعد كافة، وذلك عبر إرسال جنودٍ أميركيين مصابين بغازات سامة مستخدمة بصناعة الأسلحة في أفغانستان، رواية أخرى اتهمت الشركات العالمية المنتجة للأدوية حيث ابتكرت الداء لتبيع الدواء، كذلك روايةً تفترض تجديد شباب المجتمع الأوروبي الهرِم عبر التخلص من عجائزه تحت مظلة الفيروس، حتى تناول الخفافيش والقوارض الصينية كانت لها حصةً من الرواية الكورونية بحيث تسببت بجَرثمة ووهان ومن هناك أُرسلت إلى العالم.

ويستمر فيروس كورونا بحصاد المزيد من الوفيات ولوائح تسجيل المصابين لا تنتهي؛ ومعها تغدو المعاناة البشرية أكثر إيلاماً من جراء فقدان أحباء وشركاء وأصدقاء، فهم بنظرهم ليسوا أرقاماً تنشرها تقارير صحية حكومية بل أبطال حكاياتهم اليومية.

فرض هذا الوباء العالمي ضيافةً متوحشةً قاتلةً على حياة الشعوب دون استئذان، فبدَّل أسلوب حياتهم رأساً على عقب، وإذا كانت التكنولوجيا قد باعدت بين البشر ها هي تعيد وصل ما انقطع؛ إذا سلمنا جدلاً بأن كورونا سلاحٌ بيولوجيٌ مصطنع؛ وذلك بفعل الحِجر الصحي المفروض على الملايين من البشر فجمعت العائلة حول مائدة الهاجس الحياتي والألم المعنوي المشترك.

توقف العالم على مختلف الأصعدة، تنفست السماء صعداءها من جراء الإجازة المرضية التي فُرضت على تلوث المصانع المنبعث أيضاً، تشقلب سلَّم الأولويات في حياة البشر فاختُصرت بالوضع الصحي والقوت اليومي، وهنا تبدأ الرواية الأهم: كيف سيسير العالم من جديد يوم ترحل عنه كورونا؟

بات من المسلمات النهائية أن شيئاً لن يعود إلى سابق عهده وستصبح كورونا تاريخاً مفصلياً تقف عنده الأحداث وتبدأ وسنقول قبل كورونا وبعدها.

يوم ترحل كورونا وتعيد الحياة تحريك عجلاتها من جديد سيوقن البشر أنه بالفعل كل شيء قد تغير؛ وسيقفون أمام مرآة معاناتهم أيام الحِجر الصحي المُعَنونة بصراع البقاء والممزوجة بالريبة والخيبة من القريب المجتمعي والبعيد الحكومي، وسيعيشون صراعاً آخر يتصف بالآلام النفسية والخيارات المصيرية، وهول مشهد قوافل موت الأحباء لن يغيب عن ذاكرة مَنْ مُنع من وداعهم، وعندها ستنهال على أنفسهم وبقوة تساؤلاتٍ عديدة ومختلفة قد لا يجدون ما يبدد حيرتها ويسدد غايتها وستطاول الصعد كافة: الاجتماعية؛ السياسية؛ الاقتصادية؛ التربوية؛ الثقافية؛ الفكرية؛ البيئية؛ الدينية وغير ذلك.

وفي استطلاع للرأي أُجري على ٥٠ مستطلَعاً عبر تطبيقَيْ واتسآب وإنستغرام في سياق هذا المقال حول سؤال واحد: تخيل أن كورونا انتهت، قفْ أمام مرآة نفسك واسألها: ما الذي تغير في نفسك، في مجتمعك وفي العالم؟ جاءت معظم الإجابات متقاربةً نعرض بعضها على شكل تساؤلات دون تحليل أو تفريغ بانتظار القادم من الأيام علها تأتي بالجواب:

مَنْ يستحق القداسة اليوم؟ السياسي أم الطبيب؟ المشاهير (فنانون، رياضيون...) الأثرياء أم الممرضون؟

أيهما أولى اقتناء الأشياء الفارهة أم شراء الأراضي وزراعتها؟

هل ستبقى المناهج التعليمية تقليديةً أم أنها ستتحول إلى عالمٍ أكثر تكنولوجيا؟

هل سيتقبل المجتمع مريضاً سابقاً؟ وهل ستعود العلاقات مع شخص تمنّع عن لقاء أو تقديم مساعدة في زمن كورونا؟

ماذا قدم الأغنياء للمجتمع؟ وكيف ستكون علاقة الفقراء بهم؟

كيف سيكون اليوم الدراسي الأول بعد التوقف القسري وعودة اللقاء البشري؟

كيف ستكون الصلاة الأولى في دور العبادة؟ هل ستتغير علاقة الناجي من التاجي مع الله؟

سيتساءل المحازب أين كان حزبه السياسي أيام الحاجة إليه؟

كيف ستكون علاقة الفرد بالمجتمع وتالياً علاقة المجتمع بالدولة خاصةً بعد تقييم تجربة مواجهة كورونا؟

كيف ستكون علاقات الدول بين بعضها البعض؟ هل ستتغير تحالفاتها أم سيزيد العداء في ما بين الدول المتصارعة؟

وستستمر التساؤلات بإثارة نفسها في النفوس، وستكون إجاباتها ونتائجها قواعد حياة البشر مستقبلاً بعد أفول كابوس كورونا الإرهابي.

وسيبقى التساؤل الأهم يسري في نفوس البشر: هل ستطرق هذه التساؤلات أبواب السياسيين والحكومات فتعيد خلط أوراق أولوياتهم؟ وهل ستجعل من موازنات القطاعات الصحية والزراعية والصناعية؛ والتي كشفت كورونا النقاب عن عمق الحاجة إليها في حياة البشر وبقائها؛ استراتيجيةَ برامجها الحكومية المقبلة عِوَضَ تخصيص الآلاف المؤلفة من المليارات لميزانيات التسلح العسكري واستعراض التفوق السياسي؟ هل يتجه العالم نحو نظام عالمي جديد قوامه انقلاب بنيوي في مفاهيم وأشكال الدول وتكتلاتها وتالياً تشققات سياسية واقتصادية وعسكرية ونشوء أخرى مختلفة؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم