الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كورونا: نعمة أو نقمة

المصدر: النهار
إيمان أسامة بزّي
كورونا: نعمة أو نقمة
كورونا: نعمة أو نقمة
A+ A-

احتلّ العالم خلال بضعة أيام، ومن البرهة الأولى عقول الناس، أما قلوبهم فقبض عليها وأشعلها بالاكتئاب وبثّ الخوف فيها. نعم، إنه مفعول ذرّة صغيرة لا تُرى بالعين المجردة، إنه مفعول "فيروس كورونا". أمسى هذا الفيروس حديث الساعة في كل بقعة من بقاع الأرض حتى لم نعد نسمع إلا عبارات "الله يبعدو عن الجميع"، "ما في مزح، فيروس بخوّف"، "خليك بالبيت" وإلى ما هنالك من عبارات ترجو بكلماتها وأحرفها التخلص من هذا الكابوس العالمي. ولكن أسَبق أن شعرتم بأهمية كورونا ونظرتم إلى فوائده؟

حضن جديد

ها هو "جاد" الطفل الذي لم يبلغ سوى عامين من العمر يتعرّف لتوّه على حضن جديد لم يعتد عليه من قبل، يتعرّف على حضن والدته التي كانت في فترة "ما قبل الكورونا" تغيب عن المنزل طوال النهار لأنها عضو أساس في المؤتمرات المهمة التي تنظّمها الجارات والصديقات. فبعد أن كان الولد قد ألف حضن عاملة المنزل ولا يهدأ إلا إذا ما حملته هي، اكتشف أنها ليست أمه الحقيقية وأنّ اسمه ليس "زاد" كما كانت تناديه وأنها بالرغم من اهتمامها به، إلا أنها لا تزوده بحنان الأم وعاطفتها.


موهبة جديدة

وها هي "سارة" الصبية التي تبلغ العشرين من العمر، تكتشف أدوات المطبخ لأول مرة في حياتها. إناء هنا، كوب هناك، شوبك في الزاوية، طبقة طحين تملأ الطاولة وعجينة منهكة من عملية الرق ممتدة على صينية تزينها فاكهة على أنواعها. فبعد أن كانت تقضي وقتها في الخارج في المقاهي مع رفاقها ليدخنوا النرجيلة، أمست أسيرة الحجر المنزلي. فما كان منها إلا أن تقضي وقتها في المطبخ، تجرّب وصفة حلويات جديدة في كل يوم، وتقدمها على المائدة بعد الغداء. "صار فيكِ تصيري ست بيت يا حلوة"، عبارة ما انفكّت ترددها أمها في كل مرة تجرب طبقًا جديدًا.

لعبة جديدة

أما آخر العنقود "رامي" فجعلته الكورونا يعيش طفولته. بعد أن كان يقضي وقت بعد الظهيرة وحيداً ضجراً لا يلعب إلا بالألعاب الإلكترونية لأن إخوته الذين يكبرونه سناً يتسكّعون في الخارج، أصبح الآن يقصّ الأوراق ويرسم جداول عليها بالمسطرة والقلم ويوزّع الأقلام لإخوته ويختار أوّل حرف من لعبة "إنسان حيوان شيء" والفرحة لا تسعه. فلطالما حلم رامي بأن يلتمّ حول إخوته ويشاركهم الألعاب ويشعر بأنه ببساطة فردًا منهم.

سفرة جديدة

"أم سامر" التي كانت تطبخ كل يوم ما لذّ وطاب من الطعام لأفراد عائلتها وعلى حسب ذوق كل إبن من أبنائها الخمسة، و في المساء ترمي ما تبقى من بقايا الطعام، أصبحت لا تطبخ سوى طبق واحد في اليوم لعدم قدرتها على التسوّق يومياً. عند الظهر تجتمع عائلة "أم سامر" ويأكلون ما طبخت أمّهم غير متذمّرين بل حامدين الله وشاكرينه على نعمته التي يفقدها غيرهم في هذا الوقت العصيب.

ما أجمل صورة العائلة مجتمعة على المائدة لا ينقصها فرد. هذه الصورة التي افتقدتها غالبية العائلات لانشغال أفرادها طوال النهار. سقت كورونا جذور شجرة العائلة فعاد عزّها. عادت الحياة إليها. عادت فرحة الأهل بأولادهم. عادت فرحة الأولاد بأهاليهم. لعلّ فيروس كورونا لم يأتِ ليهلكنا. لعله أتى ليلمّ شملنا. لعله أتى ليذكّرنا بواجباتنا. لعله أتى ليعيدنا إلى بساطة الحياة وطبيعتها...


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم