الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أزمة الفيروس ومستقبل البشرية

المصدر: كندا- "النهار"
كمال ديب
أزمة الفيروس ومستقبل البشرية
أزمة الفيروس ومستقبل البشرية
A+ A-

هذه شذراتaphorismes أدوّنها في شهر آذار 2020 في البيت بعدما طلبت الحكومة الكندية من الناس تخفيف التجوال إلى أدناه. وأكتفي بهذا القدر من الخواطر لأنّ الحزن ملك نفسي بسبب هشاشة البشرية وانصرافها إلى المتع والسلاح وعدم اعترافها بهذه الآية: "لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" مرقص 8: 36.

**

ثمة حكمة في أنّ الفيروس يهاجم البشر فقط وليس الحيوانات والنباتات والأبنية والمنشآت.

هل لأن البشر باتوا أشراراً يدمرون الأرض بالجشع المادي؟

**

يصيب الوباء الكرة الأرضية قاطبة مما يجعل من الضروري جمع الشمل بين الأمم لمواجهة الخطر. ولكن لا، هي لا تفعل ذلك...

**

منذ نهاية القرن التاسع عشر، اتجهت الحضارة البشرية غرباً، وباتت أوروبا الغربية سيدة العالم عسكرياً واقتصادياً وثقافياً، تلتها الولايات المتحدة الأميركية. ولذلك أصبح الغرب النموذج الذي تتوق إليه شعوب الأرض قاطبة. ولكن بعد غزو الفيروس هذه السنة، ربما سينتهي هذا النموذج لفشل الغرب الذريع في مواجهة الأزمة وريادة العالم. وربما تعود الريادة الحضارية شرقاً إلى الصين والهند فتتوق الشعوب إليها.

**

راكمت دول العالم الأسلحة الفتاكة لتقتل بعضها بعضاً من أجل الثروات المادية والنفوذ السياسي. ولكنها لم تكن مستعدة صحياً - إلا باستثناءات قليلة - لمواجهة عدو غير مرئي يهاجم صحة الانسان. لقد كان بالحري تخصيص موازنات الحكومات لنظام صحي شامل يحمي الشعوب ويقيها الشرور. والآن تكتشف الدول الغربية أنّ تمويل برامج الرعاية الصحية لم يكن كافياً وثمة نقص في المياه النظيفة وفي مرافق النظافة في العديد من المناطق مما عمّق الكارثة، وأنّ المدن العملاقة ذات الكثافة السكانية المرتفعة باتت مراكز الوباء.

**

أثبت وباء كورونا أنّ الكرة الأرضية أصبحت مكتظة بالسكان عند رقم 8 مليارات نسمة تقريباً. وهذا الانتشار للوباء هو الوجه السلبي للعولمة الاقتصادية وسهولة السفر. ولذلك الأرض تحتاج إلى توزيع عادل للثروات على الشعوب في سبيل تخفيض مخاطر الموت الجماعي، سواء على مستوى كل دولة في داخلها أو على مستوى العالم بين الدول الغنية والدول الفقيرة.

**


ثمّة احتمال أن لا يؤدي وباء الكورونا إلى أي تغيير في سلوك الأمم عند انتهاء الأزمة فيعود عدوان الدول القوية ويعود الافتراس كما كان قبله، حيث تبتلع الدول القوية الدول الضعيفة... فلا دروس تستقيها الإنسانية. ولكن الاحتمال الآخر أن يعود البشر إلى الديانات وأخلاقها، وأنّ الوباء هو إشارة من الرب ويجدر تقديسه كتجربة إلهية...

**

منح الوباء مؤشراً لنهايات العالم، حيث كل انسان وضع نفسه في عزلة اجتماعية صارمة وهو من علامات القيامة.

**

بعد عولمة الفيروس وانتشاره في أكثر من 200 دولة، يأخذ كوكب الأرض فرصة ضرورية حتى يتنفس وينظف الهواء ويعود بعض الاستقرار لطبقة الأوزون. لقد أجبر الفيروس الدول أن توقف عجلة الإنتاج الصناعي المخيفة التي أصبحت أخيراً جنوناً. على أمل أن تقف هذه العجلة الجهنمية ولو لأسابيع فلا يحتاج الانسان إلى تغيير السيارة أو الموبايل كل سنة.

**

هل تتسارع جهود الدول المتطورة لاستكشاف الكواكب فيغادر سكانها القادرين مادياً على مغادرة كوكب الأرض والسكن في مستوطنات على سطح القمر والمريخ، ويتركون كوكب الأرض للفقراء يموتون في التلوث والأوبئة؟

**

الحضارة البشرية أصبحت مثل شراء السيارة هذه الأيام. كانت السيارات أيام زمان متينة ومكفولة وتدوم عشرين سنة، ولكن عندما استتب الطمع الشركات، بدأوا يصنّعون السيارات لتخدم 5 سنوات وبعد ذلك تبدأ مؤشرات العطل وتتخرّب القطع وتنمو الحاجة لتغييرها حتى تصبح السيارة خردة فيشتري المستهلك سيارة جديدة. والحضارة البشرية عاشت 10 آلاف سنة حتى وصلت إلى منعطف اليوم وتكاد تصبح خردة، بعدما فاز الأشرار في دمارها وفي محو الأخلاق البشرية وإطفاء رسالات الديانات السماوية التي تدعو إلى أخوية البشر. والوباء الذي أصاب هذه الحضارة اليوم هو أول مؤشرات الانهيار العالمي، وإذا أخذنا العبرة من السيارة فذلك يعني أنّ ثمة مخاطر أخرى ستبرز عاجلاً أم آجلاً.

**

الدول العربية بعد 70 سنة من الاستقلال لم تعكف على البناء وأهدرت ثروات باهظة في فساد الطبقات الحاكمة وفي تدمير بعضها البعض، حتى بقيت تحتاج إلى استيراد إبرة الخياطة. والعبرة من الوباء الدولي أنّ مئات مليارات الدولارات التي أنفقت في بناء القصور والأبراج والمطارات واستثمار مئات مليارات الدولارات في السندات والأسهم والعقارات الأميركية لا قيمة لها بينما كان المردود الأهم هو الاستثمار في أنظمة الصحة والتربية، وإذا كان من استثمار خارجي منطقي فالأحرى أن يصب في مصر وسورية واليمن والسودان.

**

دولة لبنان أهدرت 280 مليار دولار منذ 1992 - أو بالأحرى الطبقة الفاسدة في دولة لبنان أضاعت هذه الثروة وهي ثروة الشعب اللبناني. واليوم بقي من هذه الثروة العامة مئة مليار سيولة والباقي نراه في القصور والعقارات والشركات والمصارف التي تملكها تلك الطبقة الفاسدة ونراه أيضاً في الإنفاق الباهظ على وجبات المطاعم ورحلات السفر والمتع المادية. ولذلك لا يوجد نظام صحي في لبنان يحاكي حتى ما تتمتع به أفقر دول الأرض.

**

انتشار فيروس كورونا القاتل هو حرب عالمية تشبه غزواً فضائياً. وللأسف لا يجتمع مجلس الأمن الدولي لتوحيد جهود البشرية ضد الغزو الفيروسي كما كان يجتمع سابقاً لإصدار قرارات حشد الجيوش وتدمير الأمم واستعمال البند السابع لشن الحروب العسكرية تحت راية الأمم المتحدة. هل نحتاج إلى إثبات اليوم على عجز منظمة الأمم المتحدة عن مواجهة خطر يدهم الكوكب؟

**

هل الإنسانية تتقدم فعلاً؟ لنتأمّل في هذين المثلين: في العام 1932 اكتشف علماء أوروبا وفي مقدمتهم ألبرت اينشتاين (ألماني) وايرنست راثرفورد (انكليزي) ونيلز بوهر (دانمركي) الذرة على أنّها أساس الفيزياء وأنّ شطرها يخلق طاقة ذرية تخدم البشرية وتجعلها قادرة على السفر إلى الكواكب واستيطانها. وحتى اليوم لم نسمع عن هذه الطاقة سوى استخدامها لصنع صواريخ قنابل ذرية استعملت في الحرب العالمية الثانية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي عام 1945 فقتلت 250 ألف انسان وأفنت المدينتين. وفي المثل الثاني، تم اكتشاف الخريطة البيولوجية DNA عام 1999 وفي وقت واحد في أكثر من دولة فظهر علم متطور للجينات. وكان الحلم الأكبر أنّ الطب سيتقدم إلى درجة إنهاء الأمراض في العالم وعلاجات عظيمة لكل ما يصيب جسم الانسان حتى يصبح سوبرمان فيصبح السرطان من الماضي. ولكن لا، الطمع والجشع سادا الموقف وبدأ التسابق لصناعة الأسلحة البيولوجية الجرثومية والفيروسية. وبدأنا نسمع منذ 2003 عن أوبئة عالمية سريعة الانتشار كوباء "سارس" وجنون البقر وانفلونزا الطيور وكورونا. العبرة أن الطبيعة أو الرب، يقدّمان لنا الطاقة والعلم والاكتشافات والإنسان يستغلها للخراب ولقتل الانسان في تجدّد حزين للعنة قايين.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم