الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

هذه حكومة السرقة والمحاصصة والموت... أمّا الثورة فمستمرّة

المصدر: "النهار"
حنا صالح
هذه حكومة السرقة والمحاصصة والموت... أمّا الثورة فمستمرّة
هذه حكومة السرقة والمحاصصة والموت... أمّا الثورة فمستمرّة
A+ A-

بئس سلطة تستقوي بجائحة كورونا على شعبها الذي تركته هذه المافيا المتحكمة عارياً مهدداً بالموت جوعاً أو بالموت من الوباء القاتل!

ففي كل المعمورة، أعلنت الحكومات والأنظمة النفير لمواجهة الجائحة، والأولوية هي إنقاذ حياة الناس وتلبية الاحتياجات المعيشية التي يتطلبها الإقفال العام والعزل، كما تلبية الاقتصاد كي يتمكن البلد المعني من أن يعاود نهوضه.

... إلا في لبنان. فقد تحالفت مافيا الفساد مع الفيروس القاتل لإعادة ترميم صورة نظام المحاصصة الطائفي الفاسد، بعدما أصابته الثورة في الصميم، وأكدت المعطيات أن طريق الإنقاذ ممكن فقط عبر التغيير السياسي، ومدخله حكومة استقلاليين مستقلين عن أحزاب الفساد، تفتح الطريق لانتخابات مبكرة تضمن عدالة التمثيل وتعيد تكوين السلطة.

لا أولوية أمام هذه الحكومة إلاّ تلميع صورة صانعيها وتغطية ما تمّ ارتكابه من موبقات. هذا النهج المرسوم لا يعيقه تناتش الثلاثي الحاكم، المواقع والحصص، فكل الإجراءات الرسمية تهدف إلى مزيد من الإمساك الطائفي بالبلد، بعدما وفّر لهم الوباء فرصة العمر للانقضاض على اللبنانيين والثورة غير المسبوقة، مستفيدين من إخلاء الساحات وضرورة الحجر المنزلي لمواجهة الجائحة.

في هذا السياق تندرج ممارسات ردعية متلاحقة من تسطير محاضر الضبط، عوض التنبيه، وصولاً إلى الغارة الليلية على الخيم في ساحة الشهداء واللعازارية ورياض الصلح وتحطيمها، دونما سابق إنذار للموجودين فيها والملتزمين الحجر. أما الذريعة الرسمية فمنع التجمعات!

مؤلم هذا الاستثمار في هدنة الكورونا.

ينبغي لرموز إقامة جدران الكراهية في وسط بيروت، التنبه إلى أن الثورة عائدة أقوى مما كانت، وإذا اقتضى الأمر، ما من قوة ستمنعها من نصب الخيم واستعادة الساحات وتحريرها والإمساك بكل الفضاء العام وإخراج المتسلطين وأذنابهم!

ليس في برنامج حكومة الدمى إلاّ المضي في نهج المحاصصة والصفقات، وقد تناست عمداً المسؤولية عن استعادة المال المنهوب. كما أن مشروع التعيينات في المواقع المالية ينطوي على أسماء وتوجهات مدمرة للقطاع المالي، إذ جُلّها من كبار مسؤولي القطاع المصرفي، فكيف يؤتمن رموز الكارتل المصرفي على هذه المهمة؟

في السياق نفسه، إذا كان قد تعثر موقتاً مشروع "الكابيتال كونترول"، المتصادم مع الدستور والمندرج في سياق نهج مافيوي ذهب إلى حد محاولة تشريع الفساد في القانون، من أجل حرمان الناس إمكان اللجوء إلى القضاء، فإن البنوك لا تزال تلعب دوراً رئيسياً في توجيه الحكومة من خلال وزراء أساسيين، تمارسه خلافاً للقانون وتمعن في إذلال المودعين وانتهاك كراماتهم!

ما يلفت اليوم هو قرار مجلس الوزراء "التدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان"، وهذا أمر بالغ الأهمية، وهو مطلب رفعه العديد من الاقتصاديين المستقلين الجديين منذ سنوات. لكن لا يكفي القرار، فكل الخشية أن تتم خطوات على قياس هذه التركيبة التي جُلَّ ما تهدف إليه تقديم خطوات إصلاحية شكلية لذرّ الرماد في عيون صندوق النقد الدولي!

هنا أفتح مزدوجين للإشارة إلى ما أكده الدكتور غسان عياش (نائب سابق لحاكم مصرف لبنان): "الاستقلالية ليست عن الدولة، فوزير المال ومن خلفه الحكومة، يعرفان كل شيء إذا أرادا (...) وبالتالي ليس الموضوع اليوم معرفة الجهات الرسمية، فهي تعرف وهي تتحمل المسؤولية عن كل القوانين التي تسببت بالانهيار والإفلاس، يعرفون جيداً ما ارتكبوه، لكن المهم إعلان الحقيقة وليس التدقيق لإخفائها".

من مشروع "كابيتال كونترول"، إلى مشروع القبض على المراكز المالية التي يقف خلفها "فتى المصارف الأغرّ"، الوزير باسيل، إلى الوعد بالتدقيق، هناك خشية جدية من غياب الشفافية كي يكون سهلاً التهرب من المسؤولية السياسية عن الكارثة، وهناك حذر وقلق ما دام الحديث الحقيقي عن خطة الإنقاذ مجرد وعدٍ مؤجل. وتتناسى حكومة الدمى أن الوضع لا يحتمل هذا الترف!

باختصار، كل السياسات السابقة مستمرة، واليوم، كما في السابق، كشف الانهيار وإفلاس البلد عدم جدارة كل المسؤولين عن العمل المالي منذ ربع قرن، كما أن كل المقترَحين لملء مناصب الشغور في المسؤولية هم رموز مصرفية من طينة الآلة الفاسدة. والمسؤولية عن نهب البلد وعن نهب جنى أعمار الناس، في النهاية، مشتركة بين مافيا الحكم والكارتل المصرفي، وهنا تكمن أهمية أولوية أجندة الثورة المتمسكة بمطلب قيام حكومة استقلاليين مستقلة.

تُستغل الجائحة بقوة لتمتين نظام المحاصصة وتكريس ثقافة الفساد، لتمكين القوى الطائفية من إعادة تلميع دورها، فكل ما يجري في المناطق تحت عنوان المساهمة في مكافحة الوباء، يراد منه إعادة تزخيم الانغلاق الطائفي، والانقضاض لاحقاً على الثورة التي فضحت الفساد والفاسدين. هذا الأمر ما كان ليتمّ بدون تشجيع الدولة وانكفائها عن دورها، ولا سيما أولوية تجهيز مبانٍ عامة للحجر الصحي وتجهيز المستشفيات الحكومية في المناطق، إلى ضرورة تبني الفحص العام لكل الناس لوضع خريطة جدية لمكافحة الوباء.

في ظلّ حكومة الدمى تراجع حضور عَلم الوطن وتقدمت أعلام القوى الطائفية وشعاراتها، وهناك الكثير الذي يوجب على أهل الثورة التوقف عنده وأخذ العبر وتحديد المسار.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم