الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

تعرفوا الى مغامرة النحاتة باتريسيا رحمة "الخرافيّة"!

المصدر: خاص -"النهار"
هنادي الديري
A+ A-

قصّة خُرافيّة تُروى، بطلتها شابة "غَلٌظت يدها وتشققت" بفعل واقع إرتأت ان لا سبيل إلى إصلاحه. فإذا بها تُقرّر أن تُبدّل ملامحه ذات يوم تغلّب فيه الحلم على التفاصيل اليوميّة المُملّة. ذات يوم ربما تفوّقت فيه "شعطة الجنون" على المنطِق. فكان "الهروب الموقت" إلى "فلورنسا" (Florence)، حيث الوقار أسلوب حياة، والأناقة "ثوباً صيفيّاً" يرتديه السكّان يومياً وإن كانت الأمطار زينة المدينة الخلفيّة...وحيث شبح "الكاردينال" الذي كان يفرض حضوره بكياسة وأحياناً يفقد صبره ب"هضمنة"!


"ما خصّني بالفن"


انه العام 2012. الشابة باتريسيا رحمة(32سنة) تزور فلورنسا مع صديقة لها، "نتالي". أسبوعان "عالماشي" في إيطاليا، وبضعة أيام في المدينة "الغائرة في التاريخ"، بعدما إحتاجت إلى إجازة من العمل المضني والمُستمر منذ 12 عاماً في حقل الإعلانات المصوّرة.
إيطاليا كانت على حد قولها، "آخر شي على لائحة البلدان المطروحة". إعتبرت البلد "كليشيه". ولكن "نتالي" "مغرومة كانت بإيطاليا وقالتلي تعي نروح!".
وافقت باتريسيا "على مضض".
لم تعلم انها س"تنحت أحلامها" في المدينة التي نسيت الواقع أو ربما تجاهلته بـ"تهذيب مؤلم"، وأنها ستقطن في هذه المدينة التي تسبح في مياه "مَطرها الصيفيّ" طوال عام وشهر!
ولو قال لها أحدهم بأنها ستتحوّل اثر هذه الزيارة الخاطفة نحّاتة من الطراز الأول، لكانت ضحكت مطولاً هاتفة، "بس أنا ما خصّني بالفن!".
ولكنها شعرت، وما أن وصلت إلى فلورانسا بأن المدينة حضنتها و"ربّتت على كتفها"، وكأنها تُعطيها الموافقة لتعيش مُغامرة أقرب إلى قصّة خُرافيّة كانت الشابة بطلتها وكان القدر "دليلها السياحي".
تُعلّق: "أنا عادة أتوه باستمرار في الأماكن وينقصني حسّ الإتجاهات. ولكنني في فلورنسا حفظت الشوارع والأزقة عن ظهر قلب. قلت لصديقتي: بقدر عيش هون!".
وفي إحدى النُزهات في المدينة الأشبه بقصيدة مأخوذة من "موشّح المُخيلة"، أشارت "نتالي" إلى محل ملامحه حميميّة، "مُختبئ" في أحد الشوارع الصغيرة.
رحمة "ما كان بدّها تفوت"، وبعد إصرار من الصديقة التي بدّلت "ملامح قَدرها" من دون سابق تصوّر وتصميم، وافقت باتريسيا مُجدداً على مَضض.
"دخلتُ المكان الأشبه بمتحف وإذا بي أبقى فيه لأكثر من ساعتين. رأيت الفنان المسؤول عن الإبتكارات. لم يتكلم الإنكليزية ولم أتكلم الإيطالية". اللقاء خياليّ. والمكان هو مزيج من محترف و"بوتيك" ومتحف. تخرج الفتاتان. تصعدان السلّم بأدراجه الطويلة لتُغادران المكان، "ولكنني قلت لنتالي فجأة: خلّينا نرجع ننزل. بدّي أتصوّر معو".
انه الفنان العالمي أليساندرو داري، المُلقّب بالـ"مايسترو" لإبتكاراته في المجوهرات والمنحوتات المُنجزة يدوياً، والفنان المُعتمد في الفاتيكان.
يعيش شغفان، الفن والصيدلة. في النهار هو فنان وفي الليل هو صيدلاني.
في العودة إلى لبنان، تزور الشابة التي يصفها الأصدقاء بالـ"موهوبة في ما يختصّ بالجنون الفنّي"، الموقع الرسمي التابع للـ"مايسترو".
يُقدّم في مُحترفه المُزيّن بـ"قبّعة حريريّة" إفتراضيّة، بعض صفوف في النحت. ينضمّ إلى كل صف 5 تلاميذ لا غير. "والتلميذ الذي يلمس المايسترو فيه إبداع ونزعة خلاقة يعيش معه بعد إنتهاء الصف، 3 أشهر إضافية يُنجز التلميذ خلالها منحوتة تُعرض في المُحترف".
لا علاقة للشابة في الفن، ولكنها "تعيش" حب الأشغال اليدويّة الفنيّة.
تروي، "أرسلت إليه الCV المليء بخبرتي في حقل الإعلانات المصوّرة. مع العلم أنني أهوى إنجاز القناديل الممزوجة بالخط العربي". نسيت "الخبرية" بعدها و"غطستُ مجدداً في عالم الإعلانات". بعد 15 يوم، يُرسل إليها مُساعده رسالة عبر البريد الإلكتروني، "أوكاي ناطرك!".
صاحب الشركة التي تعمل فيها ضحك بدايةً عندما أكدت له أنها ستُغادر عالم الإعلانات لتتعلّم فن النحت. الأهل شجّعوها، "أنا بنت وحيدة!".
كانون الثاني 2013، تصل الشابة إلى فلورنسا. في اليوم الأول من الصف تحصل "الفاجعة" الأولى. كيف ستتواصل مع "المايسترو" والتلاميذ الذين إنضموا معها إلى الصف؟ "ما حدن بيحكي إنكليزي!".
هو لغز لم تعرف أن تجد له الحل المُناسب. في الأسبوعين الأولين من الصف، كان "المايسترو" على وشك أن يُشجّعها على أن تحتفظ بمالها وتعود إلى بلدها. ولكنه إحتفظ بهذا "التشجيع" لنفسه.
أمّا هي، فكانت على وشك أن تعترف له بأنها إرتكبت خطأ حياتها وأنه من الأفضل أن تعود إلى بلدها. ولكنها، بدورها، إحتفظت بقلقها لنفسها.
في المُحترف كانوا يعملون يوميّاً من التاسعة صباحاً حتى الخامسة من بعد الظهر. "في إحدى المرّات طلب أليساندرو منّا أن نخترع تصميماً لأسد...وتاني يوم جيت جايبتلو رسمة ما بتفهم! فإذا بالزلمة يستثمر طاقته في تطوير عملي".


"المايسترو" قاس ولكنه شَعَر بأن باتريسيا تملكُ شيء ما في شخصيتها يتخطّى عدم إتقانها لّلغة وعدم قدرتها على الرسم والنحت. "إكتشف من خلال طريقتي في الحفر بأن شخصيتي قوية جداً. وحدهم الذين يملكون الجرأة ليحفروا في المنحوتات بعمق يملكون الشخصية القوية".
طلبَ منها أن تتعّلم الّلغة الإيطالية يوميّاً بعد إنتهاء الصف مُباشرة، وكان يُعطيها تمارين مُتطوّرة لتُنجزها طوال الليل. "يمكن كنت نام ساعة أو ساعتين بس أوعى ضحكتي هيك!".
الأيام تتعاقب والصور التي تُنشرها باتريسيا على صفحتها الشخصيّة على موقع التواصل الإجتماعي "فايسبوك" تجذب الكثير من الإنتباه. الحياة اليوميّة في المُحترف لا تُشبه "حياتنا هون". والمَشاهد الطبيعية في فلورانسا "مُتأنقة". تأثير "المايسترو" ينعكس على صور الشابة ومنحوتاتها. هو التأمل في أفضل لحظاته ولا يتطلّب المجهود الإضافي. أعمالها التي تُنجزها في المُحترف "تسلك إتجاه" القوطيّة(Gothic)، والهندسة، والوجوه التي تُرسمها على المنحوتات المصنوعة في الدرجة الأولى من الشمع تأخذ شكل الكيمياء القديمة.
المُفترض أن ينتهي الصف. يوزّع "المايسترو" الشهادات. يقول للشابة التي إختبأت تحت "قرميدة" المدينة الحالمة، "خلّيكي!". القدر يكتب بعض سطور في قصّة الشابة الخُرافية في إطلالتها. باتريسيا تبقى. تنام ساعة وتعيش الفن واللغة الإيطالية في ساعات صحوها. في أحد الأيام "ينساب الحنين" إلى كيانها. انه الشوق إلى البلد. إلى الأهل. وإلى الأصدقاء.
"المايسترو يهتم بالفن العربي ويملك الآت عدة من العود. إقترب منّي قائلاً: حاسّك زعلانة!". فإذا به يضع أغنية لم تعرف الشابة ما إذا كان من المُفترض أن تُبكيها أم تُضحكها نظراً للسخرية التي تنطوي عليها. "أسمعنا في المحترف أغنية: بعيد عنّك لأم كلثوم. كان المايسترو مُتأكد من أن المغنية في الواقع رجل! التلاميذ إستمعوا إلى الأغنية كاملة من أجلي. شعرتُ عندئذٍ بأنني أعيش الحلم".
في المحترف كما هي الحال مع عائلة المايسترو، الجميع أمسوا عائلة واحدة. "طبخت لهم بعض المأكولات اللبنانية: حمّص، تبولة، فلافل، ورق عنب".


"كاردينال مهضوم"



باتريسيا إقتنعت بأنها تعيش قصّة "أليس في بلاد العجائب"، على طريقتها.
إنتهت المرحلة المرحلة الثانية التي عاشتها باتريسيا في المحترف. لا بد من العودة إلى لبنان لتجديد الأوراق. "المايسترو" يعرض عليها أن تعود إلى فلورنسا لتتعلّم المزيد مجاناً! وهذا بالفعل ما قد حصل.
إثر العودة إلى المدينة الأنيقة، "صرت مصنع! ما بقا بدّي وقف!". راحت تعمل معه أيضاً في الـ"بوتيك"، "يعني إشتغل ليل نهار".
المدينة حضنتها. أصحاب المقاهي والحانات التي كانت تزورها باستمرار صاروا أصدقاء. المدينة أقرب إلى قرية، "الكل بدّو يعرف أخبارك وحياتك الشخصية وبدٌ يخبّروكي عن همومهم!".
تعرّفت إلى عشرات الأشخاص من مُختلف الجنسيات. الجميع إتفقوا على ان المدينة بارعة في حضن الغرباء. فيها، لا مكان للغربة. هي مدينة السحر والصداقات التلقائية وغير المُتكلّفة. الجميع يقطن قرية إفتراضية. ما أن يعرف السكّان "أنني بمفردي، يعملون ما في وسعهم لأشعر أنني في بلدي".
حتى "الشبح" الذي يسكن المُحترف (المايسترو يقطن فوق المحترف) وهو يعود على قولها لـ"كاردينال"، لطيف و"مهضوم".
تروي ان شبح هذا "الكاردينال" يزور "المايسترو" اليساندرو داري في الثالثة من فجر كل يوم ليُتكرّر المشهد عينه بينهما فيُصبح أقرب إلى طقس ضروري في حياة "المايسترو".
"يقرع الكاردينال الباب فجر كل يوم، فيفتح له المايسترو وهو على يقين من أنه لن يجد أحداً! وفي أحد الأيام قرّر اليساندرو الا يفتح لأنه يعرف سلفاً من يكون الطارق. غضب الكاردينال فإذا به يُقفل الباب على المايسترو الذي لم يتمكّن في الصباح من أن يُغادر منزله الا بمُساعدة الأصدقاء!".
انها لحظة الوداع. هي صعبة ولكن الشابة تعبت من الساعات الطويلة من العمل. تقرّر ان تُطبّق ما تعلّمته في لبنان. لن تعود إلى عالم الإعلانات بل ستذهب في مُغامرتها المجنونة حتى آخر سطر فيها.
"المايسترو" يفتقد إلى الشابة التي زرعت الفرح في المحترف والـ"بوتيك" وفي حياة كل من قابلتهم، ويشعر بالفخر لأنها تحوّلت "نحّاتة" تبرع في تحويل الشمع منحوتات "تصبّها" لاحقاً في البرونز أو الذهب وغيرهما.
الجزء الأول من مُغامرتها إنتهى. لنُتابع معاً الأجزاء التالية التي سـ"تُنجزها" في البلد!
[email protected]


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم