الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"دربُ الحقيقة 2- في أدب المجتمع" لناجي نعمان: باقة أحاديث تعيدُنا إلى ذواتنا

المصدر: "النهار"
مارلين سعاده
"دربُ الحقيقة 2- في أدب المجتمع" لناجي نعمان: باقة أحاديث تعيدُنا إلى ذواتنا
"دربُ الحقيقة 2- في أدب المجتمع" لناجي نعمان: باقة أحاديث تعيدُنا إلى ذواتنا
A+ A-

لأنّه مختلف، قصدْتُ أن أقرأه بشكل غير تقليديّ. وقد كانت لي قراءة ورأي في الجزء الأوّل الذي جاء في التاريخ، والمعنون: "درب الحقيقة" لسهيل قاشا وناجي نَعمان: إعمال العقل في فهم الأديان، في مقال نُشر على موقع "النهار"، بتاريخ 21/7/2017.

ناجي نَعمان، لمن لا يعرفه -ومن لا يعرفه؟!- بمعزل عن حضوره الاجتماعي البارز، قامة في عالم الفكر اللبناني ودنيا الأدب والثقافة. حاملُ إرث لا يُستهان به من العلم والمعرفة، وعاشقُ اللّغة – لغتَنا العربيّة بالأخصّ.

أربعون من العطاء. أربعون والنبع يروي العطاش ولا من يسأل من أين يفور. الكتاب يصارع الزوال، وهنا رجل شمّر عن ساعديه منذ أربعين عامًا، وقال للكتاب: لا تخف، ستبقى بخير طالما أنا موجود! دافعَ عنه. أمّن استمراريّته. قدّمه خبزًا يوميًّا لكلّ جائع للمعرفة، زادًا لكلِّ نفْس تشتهي الارتقاء في عالم الفكر.

وككلّ سنة من سنيه الأربعين في عالم النشر (صدر الكتاب لمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس دار نَعمان للثقافة 1979)، يأتينا ناجي نَعمان، هذه السنة أيضًا، حاملا رغيفًا طازجًا للجياع إلى الخير. أمضى موسمًا كاملًا يتابع ثماره بعناية حتى أينعت ونضجت، فحصدها وجمعها على بيدره. وأتانا بها منكّهة بما طاب من أحاديثَ وأحداثٍ تُشبع العقل وتُمتع الروح.

قلت، الجزء الأوّل كان ثمرة لقاء، قارب عمره الربع قرن -حين صدور الكتاب- مع الأب سهيل قاشا "الرافِدَيْنيّ"، كما سمّاه نَعمان. وأمّا الجزء الثاني هذا فقد تناول فيه أحاديث جمعها خلال أمسيات الأحد التي كانت الجمعيّة البولسيّة تُحييها، و"تُدرَج في أدب المجتمع" (توطئة ص 7).

أمسياتٌ بتنا في شوق إليها، وأصبحت غريبة عن عالمنا المنفتح على انغلاق! حيث نُطلّ على العالم أجمع وندير ظهورنا للعالم الحقيقي الذي احتضننا! أمسيات بنا شوق عارم إليها، يعيدنا الحنين إلى ملاعبها ومروجها الواقعيّة، تلك التي تركنا بين أعشابها وجلولها بعضًا من ذواتنا وأحاسيسنا، ولحظات حياتنا البسيطة والمحفورة في عمق أعماقنا في آن! أُمسيات أبعدتنا عنها كثرةُ مشاغلِ العصر وهمومِه، وطبيعتُه المتغيّرة المتبدّلة؛ فإذا بقساوتها تعيدنا بالحنين إلى تلك المرحلة من الزمن، حيث الأفق ينطوي على نهاية يوم، تتلمّسه أعيننا وتتشبّع من جمال صوره؛ على خلاف ما نعيشه في عصرنا الحالي من عزلة وتعمية، تَحُدُّ أفقَ نظرنا بما تقدَّمُ لنا من صور خادِعة، تَسحرنا، وفي الوقت نفسه تنسينا أنّنا أسرى أربعة جدران، مغشوشون بما يقدّمه لنا التطوّر التكنولوجيّ، نعزل أنفسنا عن الحريّة بإرادتنا!

"أمسياتٌ لأحد جديد"، وفق تحديد نَعمان لها: "تحاكي شؤون الأمس وشجونه... وفيها ما فيها من استشرافات لمستقبل ما"، وقد يكون، لإنسان جديد! (ص 9)

الكتاب يتضمّن تسعة مباحث -كما يسمّيها الأديب نَعمان- كلُّ عنوان منها يشي بما تتضمّنه من مواضيع تستنفر حشريتَنا، وتحثّنا للاطّلاع على مضامينها، وهي كالآتي:

- ماذا ينتظر العلمانيّ والمكرَّس واحدهما من الآخر؟

- أكره المدرسة.

- الأرضُ تنبض فسادًا ولا ذنب لها.

- اللبنانيّ وخصاله.

- فوضى الدراسات وهجرة الأدمغة.

- بُنَي، لا تكذب.

- الشيخوخة حياة جديدة.

- العصر للتفكير لا للتكفير.

- احتفالات دينيّة أم مناسبات اجتماعيّة؟

باقة من العناوين التي تشغلنا ونتناولها في أحاديثنا اليوميّة. تُطرح واحدة فواحدة في "أمسيات الأحد"، على مجموعة من المؤمنين، فيتبادلون الآراء حولها، كلٌّ من زاويته، مضيئين على كلّ ما قد تولّده في نفوسهم من مواقف أو تساؤلات، ليعود بعدها أديبنا فيجمعها لنا في بحث وافٍ قد يشفي غليلنا أو يعكس وجهة نظرنا، أو يجيب على الكثير من تساؤلاتنا. والأهم من كلّ ذلك، أنّه يعود، من خلالها، فيجمعنا بحلقة الساهرين في تلك الأمسية الحيّة في ذاكرته، وفي ذاكرة كثيرين انضمّوا إليها، موسِّعًا الدائرة، دأبه دومًا، كما في دارته الأدبيّة، مردّدًا: "بيت الضيق بيساع ألف صديق"؛ مشرّعًا أفق الأمسية لتضمَّ كلّ من طاب له الانضمام، من محبّي الكلمة النظيفة الراقية، تلك التي يعبق منها أريج البَرَكة، ولا يفسد أو يضيع يومًا.

حمل ناجي نَعمان على عاتقه رسالة نشر الكلمة، ولم يتعب أو يستكين. وها هو اليوم، بعدما غزا العالم بجوائزه الأدبيّة وأنشطته الثقافيّة المجّانيّة الأخرى، سفينة مَشرقيّة محمَّلة بالخير، تتبادله مع دول العالم من مشرقه إلى مغربه. ها هو، بتواضعه المألوف والدائم، يثبّت قدميه في الأرض، أرضنا المباركة، يغرف من أيّامنا معتّقَها، ويضفر من بساتينها الزاهرة باقة من الأحاديث، استحقّت كلّ واحدة منها أن تكون مبحثًا يضيء على موضوع ذي صلة بكلّ شخص منّا، في عودة إلى ذواتنا، بعدما جعَلَنا العصرُ والتكنولوجيا في غربة عنها.

صادر عن مؤسّسة ناجي نَعمان للثقافة بالمجّان ودار نَعمان للثقافة، ط 1، شباط 2020 (يوزَّع مجّانًا)

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم