الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

القائد الأقوى

عاصم عبد الرحمن
القائد الأقوى
القائد الأقوى
A+ A-

حتى الأمس القريب، كانت ثورة ١٧ تشرين التي غزت قلب لبنان واللبنانيين، تتوهج انتفاضاً وتتعدد قيادةً، ما جعلها عصيةً على الكسر والالتفاف السلطوي وحفظها من براثن وحوش الطبقة السياسية الفاسدة.

هذه الطبقة التي تدرك تماماً كيف تخرج وحوشها فتقضم أظافر الثورة الناعمة وتحرق أخضر براعمها الجميلة، هي نفسها التي تهاوت أمام الفيضان البشري الذي انفجرت مياهه عام ٢٠٠٥ فجرف سواتر السلطة الحديدية ودكَّ قلاعها المتجذرة هيمنةً وفساداً وتوحشاً، كانت ثورة ١٤ آذار، هي التي قادها شيبُ لبنان وشبابه، نساؤه ورجاله وحتى عجائزه الذين وهبوها ما تبقى لهم من أنفاسٍ أمعنت سلطة الوصاية الشقيقة في خنقها فانفجرت صراخاً: حرية؛ سيادة، إستقلال.

لم تكن قوى ١٤ آذار حزباً واحداً، أو تجمعاً تنظيمياً مؤطراً، بل مجموعة تيارات وحركات متعددة سياسياً؛ طائفياً ومناطقياً، إلا أنها توحدت حول شعار موحد، هدفٍ معلوم، فاسد محدد ومطلب وحيد سار خلفه ثوار لبنان جميعهم حتى لحقت بهم أحزابهم وقياداتها فكان الحصاد الكبير في غضون أيام، ودفاعاً عن لبنان العظيم غضبوا صدحوا صرخوا بصوت واحد موحد بخروج الجيش السوري من لبنان فخرج عسكرياً وسياسياً.

خاضت قوى ١٤ آذار متحدةً إنتخابات عام ٢٠٠٥ فحصدت الأكثرية النيابية، خاضتها وفق حاصل إنتخابي آذاري وصوت إستقلالي تفضيلي، إنها وحدة الشعار والمطلب القوة التي لا تُقهر. فازت في دورتين متتاليتين حتى انتهت تنظيمياً قُبيل التسوية العونية - الحريرية عام ٢٠١٦.

وها قد بات واضحاً أن ثورة ١٧ تشرين غدت تعاني وهن نقطتها الأقوى التي تمثلت بعدم وجود قيادة موحدة لها ما عقَّد مهمة السلطة في قتلها تارةً عبر فبركة الملفات الأمنية والقضائية وتارةً أخرى في محاولات الإغراء والإغواء السلطوي البراقة.

إنَّ ثورة ١٧ تشرين اليوم أحوج ما تكون إلى قيادة موحدة ترسم لها خارطة طريق واضحة تسير نحو تطبيق ما رفعت من شعارات التغيير واستعادة الحقوق من أموالٍ منهوبة ومحاسبة الفاسدين وعيشٍ كريم... قد لا تكون هذه القيادة المقترحة متمثلة بأشخاص أو مجلس ثوري أو ما شابه، بل يمكن أن تكون شعاراً واحداً يرفعه المغبونون جميعاً؛ يسير خلفه الثائرون كلُّهم، إنه مطلب الانتخابات النيابية المبكرة وبالقانون النافذ كي لا تُغرقه السلطة بدهاليز القوانين الانتخابية ومشاريعها المفتعلة. إنَّ السير خلف شعار الإنتخابات المبكرة من شأنه أن يحقق ما أنجزته ثورة ١٤ آذار دون أي مواربة أو تحايل من قِبَل الطبقة السياسية الحاكمة المتعنتة والخائفة من خسارة أكثريتها المصطنعة، والتي إن جوبهت بطوفانٍ بشري تشريني موحد كذاك الآذاري سوف لن تقوى على مواجهته كما الرأي العام اللبناني ومعه العربي والدولي المؤيد للمطلب الثوري الجامع، تخوض الثورة هذه الإنتخابات بحاصل انتخابي تشريني وبصوتها التعددي التفضيلي، لا بأس بهذه التعددية فهي قوتها وامتدادها طالما أنَّ الأم الحاضنة هي ثورة ١٧ تشرين التي وإن جلست يوماً تحت قبة البرلمان عندها فقط تصنع الحلم الكبير، هذا الحلم الذي تُرجم في الشعارات الثورية كلها؛ وصدحت به حناجر الثوار التشرينيين، فتشرّع الشعار؛ توطن القرار وتنتصر للثوار.

يمكن القول إنَّ تجربة حراك المجتمع المدني الذي انطلق عقب أزمة النفايات وسلسلة الرتب والرواتب عام ٢٠١٥ لم تُؤتِ ثمارها بحيث توزع قادة هذا الحراك بين لوائح السلطة ظناً منهم بضمانة الوصول إلى البرلمان وبعضهم الآخر واجه نفسه في لوائح متعددة عجزت عن خرق جدار السلطة الإسمنتي باستثناء النائب بولا يعقوبيان، ذلك أنَّ قادة المجتمع المدني اختلفوا حول الشعارات والتسميات والمشاريع عوض التجمع في لائحة كسر الطبقة الحاكمة، لا بل أدَّى انقسامهم إلى تسهيل عودة مَنْ أخرجتهم ثورة ١٤ آذار .

إنَّ شعار "كلن يعني كلن" لم يعد مجدياً لسببين أولهما ليس كل مَن في السلطة فاسداً إذ خرج بعضهم خالي الوفاض، وثانيهما تعميم الإتهامات دون تسميات جريئة واضحة وتالياً تحييد جهاتٍ معينة وتقديس قياداتها إما رهبةً أو رغبة، سوف يفقدها روحية العبور والتمدد المناطقي والطائفي، هذه الروحية التي شكلت مصدر غذائها الوحيد على الدوام.

إذا كان اللبنانيون جميعهم يرزحون تحت مطرقة الإرهاب الكوروني العالمي وسندان الإنهيار المالي والاقتصادي وتالياً الانفجار الإجتماعي دونما أي تمييز سياسي؛ مناطقي أو طائفي، وإذا كان توحيد المطالب قوةً لا تُقهر وقائداً لا يُهزم، فهل ثوار ١٧ تشرين جميعهم مؤمنون سائرون خلف هذا القائد الأقوى؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم