الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

لا أحبّ هذا اليوم العالميّ للمرأة

عقل العويط
عقل العويط
لا أحبّ هذا اليوم العالميّ للمرأة
لا أحبّ هذا اليوم العالميّ للمرأة
A+ A-

أمس الأحد 8 آذار كان اليوم العالميّ للمرأة.

إنّي أركع في سرّي، وفي علني، تكريمًا لكلّ امرأة، لكلّ أمّ، لكلّ شقيقة، لكلّ ابنة، لكلّ زوجة، لكلّ عشيقة في الواقع وفي الافتراض. وبلا حساب. وإلى الثمالة. وحتّى آخر اختلاج في قلبي، وآخر شهقة قلم في حبري.

إنّي أركع لها، في سرّي، وفي علني.

أجمل الركوع عندي، وأعظمه، وأكثره تعبيرًا، هو ركوعي لها أمام عقلي الرشيد، وأمام عقلي الباطن.

أمس الأحد 8 آذار كان اليوم العالميّ للمرأة. هذا في حساب الأمم المتّحدة ومنظّمات الدفاع عن حقوق المرأة، والهيئات والمؤسّسات الرسميّة وغير الرسميّة، العامّة وغير العامّة.

أمّا في حسابي الشخصيّ، أي في نخاعي الشوكيّ، فأنا لا أحبّ الأيّام العالميّة، ولا الاحتفالات العامّة، ولا المناسبات المتَّفَق عليها، ولا الأعياد السنويّة، أو الموسميّة، ولا تذكارات الأحياء ولا الموتى.

بل أفعل شبه المستحيل، أو المستحيل بالذات، إذا كان ممكنًا ومتاحًا، لكي أتملّص، لكي أهرب، لكي أختفي عن الأنظار والأسماع والمحسوسات والافتراضات كلّها، فلا أجد نفسي محشورًا في تذكيرٍ كهذا، في مناسبة، في ذكرى، في عيد، في احتفال. وهلمّ.

لأنّي، بكلّ صدق وبساطة وصراحة، لا أريد لنفسي أنْ أشبه أحدًا من المحتفلين والمنخرطين في المناسبة العموميّة، ولا أنْ أقع في فولكلور، في تهييص، في قشرة ابتهاج، وإلى آخره.

هذا في المبدأ. أمّا في الواقع، وفي التنفيذ، فلا بدّ من رفع الغطاء عن كلّ سترٍ لبنانيّ، وإعلان الفضيحة العامّة.

المرأة لا تحتاج إلى يومٍ عالميّ للاحتفال بها. بل تحتاج إلى أنْ ترى النظام الذكوريّ البطريركي مقوَّضًا، من أجل أنْ يُشيَّد مكانه نظامٌ أخلاقيٌّ – قيميٌّ – قانونيّ، يحترم الإنسان مطلقًا، بصفته إنسانًا فردًا، أرجلًا كان أم امرأةً. وفي كلّ مكان. وفي كلّ زمان. وخصوصًا هنا، والآن. في بلاد الذكورة البطريركيّة الممتازة، في السلطة، في الحكم، في السياسة، في قصور الرئاسات، في المؤسّسة، في الإدارة، في بؤر المال، في الاقتصاد، في المجتمع، في العائلة، وفي الدين، حيث يتضرّج الإنسان بصفته كائنًا بشريًّا، فكيف إذا كان امرأةً، أمًّا، زوجةً، شقيقةً، ابنةً، صديقةً أو عشيقة!

أجد نفسي ميّالًا إلى التملّص من مناسبة اليوم العالميّ للمرأة. بل من كلّ الأيّام والمناسبات. لأنّها – قد - تحرفنا عن الجوهر. ولأنّها - قد – توقعنا في الهيصة والفولكلور، فيغرق بعضنا في كشتبانٍ مثقوب.

لكنّي أشارك فيه، بالجسد والفكر والقلب والروح والعقل، وبلا تردّد: تضامنًا، واحتجاجًا، وثورةً على الواقع المأسويّ والمخزي للمرأة.

أمّا معركتنا فواضحة، وأمّا هدفنا فواحد: تقويض النظام الذكوريّ البطريركيّ، لإحلال نظامٍ قائمٍ على الأنسنة، حيث المساواة القانونيّة والدستوريّة الكاملة والمطلقة بين الرجل والمرأة، وبلا قيدٍ أو شرط.

إنّي أركع في سرّي. وعلنًا. للمرأة. لكلّ امرأة. في كلّ زمانٍ ومكان. وهنا. والآن. خصوصًا. حيث يتفاقم، ويستفحل النظام الذكوريّ البطريركيّ، في الهواء، في الماء، في التراب، في النار، في المكان، في الزمان، في القانون، في الدستور، في القضاء، في الزواج، في العقول، في الأجساد، في الواقع، في الافتراض، في الحلم، في اللاوعي، وفي العقل الباطن.

إنّي أركع سرًّا. وعلنًا. لها.

لكنّي أركع بصفتي إنسانًا. بصفتي رجلًا. وبصفتي كاتبًا.

لا ذليلًا أركع. بل منحني القلب، لكن مرفوع الرأس وموفور الكرامة والشرف والكِبَر.

من أجل أنْ أقف والمرأة على سويّةٍ واحدة، كاملة، ومطلقة، وبدون قيد أو شرط.

ولن يهدأ لي روعٌ إلّا بعد أنْ أرى النظام الأخلاقيّ – القيميّ – القانونيّ – الدستوريّ، المساوي مطلقًا بين الرجل والمرأة، على كلّ المستويات، وفي كلّ مجال، يستتبّ هنا في لبنان، في العالم العربيّ، وفي العالم.

آنذاك، لا يعود ثمّة حاجةٌ إلى يومٍ عالميّ للمرأة.

آنذاك، فقط، أحتفل. في قلبي. في نخاعي الشوكيّ. في سرّي. وعلنًا. وعلى رؤوس الأشهاد!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم