السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

صحافيات يواجهن التمييز والتحرّش... "فلنكْسر الصمت"

فرح البعيني
صحافيات يواجهن التمييز والتحرّش... "فلنكْسر الصمت"
صحافيات يواجهن التمييز والتحرّش... "فلنكْسر الصمت"
A+ A-

يُعِدُّ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في حزيران 2020 لمقرَّرٍ يقدّم نهجاً أكثر شمولية لمعالجة التحديات التي تواجهها الصحافيات، فضلاً عن أسبابها، وتوصيات إلى الدول وغيرها من أصحاب المصلحة بشأن كيفية معالجة هذه القضايا.

وفي يوم المرأة العالمي، نستذكر لبنانياً الكثير من قضايا الاعتداء والتحرّش التي واجهتها صحافيات. من قصة الصحافية أسرار شبارو التي لملمت خيبتها في مطار رفيق الحريري الدولي وعادت بعدما تهجّم عليها مناصر حزبي، ومسَح تغطيتها عن هاتفها بالقوة، إلى هاتف الاعلامية ديما صادق المسروق والتنمّر والدعوات إلى تحليل قتلها، إلى قبلة زين العمر التي رفضتها الزميلة حليمة طبيعة على الهواء، إلى دارين حلوة التي لم يكن لديها إلا خيار الابتسامة بعد قبلة المتظاهر.

في السياق، ترى الدكتورة شارلوت كرم، مديرة مشروع KIP "المعرفة قوة" في الجامعة الأميركية في بيروت، والذي يُعنى بدراسات حول التمييز والتحرّش الجنسي خصوصا في أماكن العمل، أن "هناك الكثير من اللغط في تحديد المفاهيم من ناحية الاختلاف بين التحرّش والاعتداء الجنسي".

وتضيف أن "مهنة الصحافة مثل أي مهنة، وبالتالي يمكن تطبيق القوانين التي قد تستخدم في موضوع التحرّش في أماكن العمل عليها، لكن المهمة أصعب، لأن مكان عملهن هو المساحات العامة والمفتوحة، وبالتالي يجب دائماً أن نفكّر كيف يمكن أن نحمي هؤلاء عبر قانون يختص بموضوع التحرّش".

وانطلاقاً من ذلك، وضعت كرم مع فريق عملها وجمعيات نسوية نصّاً جامعاً لمقترحات قوانين تجرّم التحرش. وبالتالي، يحدّد مشروع القانون المفاهيم المرتبطة بهذا الموضوع، ويميّز بين الجنحة والجناية في هذا المجال. وبحسب كرم، فإن "التحرّش الجنسي قد يتمثّل بالقبلة التي طبعها المتظاهر على وجه الصحافية، فهناك التحرش السيكولوجي الذي لا يعني أن يكون التحرّش جسدياً، لكن المتحرّش قام بإرسال إيحاءات جنسية معيّنة من خلال لمس نفسه أو إرسال صور جنسية مثلاً، وهذا ما يزيد كمية التوتر، ما يؤثر نفسياً على المرأة. والمشكلة هنا أن الكثير من النساء لا يتمكنّ من الاعتراف أو تحديد هذا النوع من التحرّش. وهناك التحرّش الجسدي الذي نعرفه والذي يتمثل بلمس جسد الشخص أو التعبير اللفظي المباشر". وتضيف كرم ان "القانون الأميركي المتعلّق بالتحرّش يفرّق بين نوعين: ما يُعرف بالـ quid pro quo أو التعويض، حيث تطلب صحافية مثلاً ترقيةً، فيشترط رب العمل حصولها على هذه الترقية مقابل ممارسة الجنس معه، وإلا لن تحصل عليها. وهذا النوع موجود في كل أنواع العمل لأنه مرتبط بديناميات السلطة. أما النوع الثاني الذي يسمى الـ hostile environment أو البيئة المعادية، هو حيث يكون الفرد في بيئة غير مريحة مليئة بالتنمّر القائم على التمييز الجندري، والتعرّض للمضايقات من خلال المزاح أو بعض الكلام الذي قد يمرّ، وهذا ما يؤثر على نفسية الفرد فتنخفض نسبة إنتاجيته".

أما بالنسبة إلى الفرق بين التنمّر والتحرّش، فتوضح كرم أن "التحرش هو جزء من التنمّر، لكنه يكون قائماً على التمييز الجندري المصحوب بالإيحاءات الجنسية".

وعن كيفية حماية الصحافيات في هذا الموضوع تحديداً، يسعى "كيب" إلى عقد جلسات حوارية مغلقة مع صحافيات وإعلاميات، وبالتالي خلق منصة آمنة ليناقشن ويعرفن كيف يجب أن يتصرفن، وبالتالي خلق بروتوكول معيّن. أما في المرحلة الثانية، وبعد خلق المنصة، فيجب خلق ورشة عمل مفتوحة يتحدث فيها الجميع عن الموضوع. وأما الخطوة الثالثة فتكون عبر خلق حملة توعية وطنية ليس فقط عن الصحافيات وما تعرضن له، لكن حول كيفية التصرّف في مثل هذه المواقف.

لكن المسؤولية تقع أيضاً على وسائل الإعلام، إذ يجب أن تتضمّن قواعد سلوك العمل بنوداً تحمي هؤلاء النساء، حيث يمكنهنّ رفع تقارير عن حالات تحرّشٍ تعرضن لها لوسائلهن الإعلامية لحمايتهن بحسب قواعد سلوك العمل وعبر تدريبات خاصة للعمال لديهم. إضافة إلى المشاركة مع المجتمع المدني لتصبح هذه الوسائل جزءاً من مجموعات الضغط ليمرّ مشروع قانون تجريم التحرّش الجنسي.

قواعد سلوك

أما رئيس قسم الإعلام في الجامعة اللبنانية الاميركية ومدير معهد البحوث والتدريب الإعلامي في الجامعة (IMRT) الدكتور جاد ملكي، فيقول لـ"النهار" إن معظم وسائل الإعلام التي شملتها الدراسات التي قام بها في المركز، بيّنت أن هذه الوسائل لا تملك قواعد سلوك مرتبطة بالتمييز والتحرّش الجنسي، وفي حال كانت تملك هذه القواعد، فإنها لا تعمل على تطبيقها في الواقع. وتُظهر الدراسات، بحسب ملكي، أن التحرّش الجنسي متفشٍ في عالم الإعلام في لبنان، لكن لسوء الحظ لا يرى الكثير من المشرّعين أولويةً في معالجة هذه المشكلة، رغم أن دراسات المركز تشير إلى أن التحرّش الجنسي يشكل عاملاً أساسياً في استبعاد النساء عن العمل في قطاع الصحافة والإعلام. وتشير دراسة لملكي إلى أن "التحرّش والتمييز الجنسي لا يزال من المحرّمات المتجاهَلة لا سيما في الأخبار والإعلام، وتبقى غائبة عن مناهج غالبية الجامعات العربية، غير أن مسألة التحرّش الجنسي أثارت أخيراً نقاشاً عاماً بفضل تسليط الضوء الإعلامي على الاعتداءات على الصحافيات، لا سيما في الدول العربية التي تشهد ثورات، وازدياد عدد النساء اللواتي يتجرّأن على الحديث عن الموضوع، بيد أنه ما زال من المحرّمات الكبرى في العالم العربي".

تجارب

حليمة طبيعة، مراسلة قناة "الجديد" التي اشتهرت بصدّها محاولة تقبيلها من الفنان زين العمر في إحدى التظاهرات الداعمة لرئيس الجمهورية، تعتبر أن "ردات فعل بعض الصحافيات اللواتي لم يتصدّين لمحاولات التحرّش، دفعت الناس خلال التظاهرات لتكرار الأفعال باعتبارها أمراً مقبولاً". في إحدى المرات، عمدت طبيعة إلى محاولة ضرب المتحرّش، لكن الصعوبة تكمن في أن عليها مراعاة تأديتها لرسالتها، وفي الوقت نفسه عليها أن تبقى متيقّظة لتمنع حصول أي شيء خارج عن المألوف. أما الشيء الإيجابي، أنه بعد أيام من التظاهرات، وبعد حوادث عدة، تزايد منسوب الوعي لدى الناس حيث حاولوا مراراً صدّ المتحرّشين ومنعهم.

أما دارين حلوة، مراسلة "سكاي نيوز عربية" في بيروت، فتعتبر أنه "في ظل تواجد ساحات وميادين غير معروفة تفاصيلها وعدد الأشخاص المتواجدين فيها، تصبح فكرة مواجهة هذا النوع من التحرّش شيئاً متكرراً عادياً، ما يخلق لدى الصحافية قدرة على أن تكون لديها ردات فعل مناسبة على أنواع المضايقات التي تتعرض لها ضمن الخطوط الحمر، والأهداف التي يضعها الصحافي/الصحافية لنفسه وعمله".

وفي رأيها، "الناس لديهم وجهات نظر مختلفة تستند إلى توجهاتهم الفكرية ووعيهم وانتماءاتهم، ما يجعل من الصعب جداً أن تكون وجهات نظرهم متقاربة مع وجهات نظر الصحافي في موضوع معيّن، وبالتالي هذا الاختلاف صحّي".

وعن ردة فعل الناس على ضحكتها بعد طبع أحد المتظاهرين قبلة على وجهها، معتبرين أن الأمر يشجع التحرّش، أجابت أنه "من السهل أن يجلس شخص خلف شاشته لينظّر". وبالنسبة الى حلوة، فان "احترام المُشاهد وضرورة إيصال المعلومة إليه أهم من ردة فعلها، مع العلم أنها في حادثة مشابهة كانت ردة فعلها سلبية وقامت بالدفاع عن نفسها". وتشير دارين إلى أنها ضمن عملها خضعت لتدريبات على كيفية مواجهة هذا النوع من أعمال التحرّش، لكنها لا تؤمن بأن وجود قانون في الدول التي تعمل فيها سيحميها، لأنها فقدت الأمل بدور هذه القوانين، مراهنة على دور حملات التوعية بشكل أكبر.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم