الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

بصراحة 1 و2 و3 و4

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
بصراحة 1 و2 و3 و4
بصراحة 1 و2 و3 و4
A+ A-

بصراحة 1

بصراحة، نحن مقبلون على أيّامٍ صعبةٍ للغاية، ومميتة، مادّيًّا ومعنويًّا.

هذه ليس ورقة نعيّ. بل محضُ وصفٍ عينيٍّ للواقع، وخلاصةُ تبصّرٍ في ما نحن آيلون إليه من مآسٍ ومصائب وكوارث.

في الأيّام العاديّة، لم نثق بالسلطة، ولا بالطبقة السياسيّة.

فهل، في الأيّام العصيبة هذه، يمكننا أنْ نثق بتدابير السلطة؟

كلّا. لا يمكننا أنْ نثق بالتدابير. لأنّنا، في الأصل، وبكلّ بساطةٍ وصراحة، لا نثق بالسلطة.

لا نقول ذلك من باب التعسّف، أو الكيديّة، أو سوى ذلك من مواقف مسبقة، وردود أفعال، وغرائز، وانفعالات.

كلّا.

نقول ذلك لأنّنا نريد الدولة، ونريد حياتنا.

ونقول ذلك لأنّ السلطة لا تريد الدولة، ولا تعير وزنًا لحياتنا.

وهي لم تتركْ لنا بابًا للثقة، إلّا أغلقته بصفاقةٍ غشيمة.

السلطة، هذه السلطة تحديدًا، وبالذات، ليست أهلًا للثقة.

لأنّها، إضافةً إلى كلّ الأسباب الموضوعيّة الموجبة، هي سلطةٌ مراهِقة، ولّاديّة، صبيانيّة، قاصرة، متردّدة، أمّيّة، جاهلة، ومتأخّرة دومًا عمّا يجب أنْ تقوم به وتتّخذه من إجراءات في الأوقات المناسبة.

هي سلطةٌ لا تملك أيَّ خطّةٍ في أيِّ مجالٍ من المجالات، لا في وقف الفساد، لا في استرداد الأموال المنهوبة والمهرّبة، لا في تحرير القضاء وتأكيد استقلاله عن السلطتَين، واستقلاله عن السياسة، لا في الصحّة، لا في المرض، لا في الدواء، لا في الليرة، لا في لقمة العيش، لا في تسعير الدولار، لا في الكهرباء، لا في ثقافة الحرّيّة، ولا في كيفيّة مواجهة أيِّ طارئٍ، كهذا الطارئ الوبائيّ الرهيب الذي يتهدّد حياتنا الفرديّة والجماعيّة على السواء.

هي سلطةٌ لا تفقه شيئًا في مسائل عاديّة، فكيف في مسائل جوهريّة تتعلّق بحياة الناس، وبمصائر الجمهوريّة؟!

هذه سلطةٌ لا تملك خطّةً في كيفيّة حماية لبنان من الاصطراعات والاصطفافات الإقليميّة والدوليّة.

بل هذه سلطةٌ، هي بصراحة، ألعوبةٌ في يد سيّدها الداخليّ المحلّيّ، "حزب الله" وتوابعه، وراعيها الإقليميّ الإيرانيّ.

وهي سلطةٌ لا تفعل شيئًا للتعبير عن سيادتها واستقلالها. بل تنغمس أكثر وأعمق في التبعيّة والتماهي والانحلال.

هذه سلطةٌ لا مجال لأنْ تُمحَض ثقةً من أيّ نوعٍ كان، مهما كانت هذه الثقة تفصيليّة أو جانبيّة. فكيف نمحضها ثقةً غاليةً عظمى، كثقة تسليمها رؤوسنا، وصحّة أولادنا، ولقمة عيشنا، وكرامتنا الوطنيّة، وسيادتنا كدولة، على ذاتها؟

***

بصراحة 2

بالصراحة نفسها، أطرح الأسئلة الآتية، على ذاتي أوّلًا، وعلى كلّ منتفضٍ، ومعترضٍ، وثائرٍ، وعلى كلّ مواطنٍ حرّ:

السلطة منظّمة، ومتكافلة في ما بينها. الثوّار المنتفضون هل هم منظّمون ومتكافلون في ما بينهم؟

هل هم على "قدّ الحِمل" لمواجهة هذه السلطة؟ كيف؟

هل يملكون خطّة عملٍ، لمنع هذه السلطة من أخذنا إلى حيث هي ذاهبة؟ ما هي هذه الخطّة؟

وإذا كانت السلطة قاصرة، صبيانيّة، مراهِقة، ولا تملك رؤيةً متكاملةً للخلاص الوطنيّ، فهل الثوّار المنتفضون باتوا يملكون من النضج الواقعيّ والرؤيويّ ما يمكّنهم من أنْ ينتظموا كحكومة ظلّ، أو من أنْ يقترحوا بديلًا، أو من أنْ ينتجوا سلطةً خلاصيّةً للتغيير الوطنيّ؟

***

بصراحة 3

بالصراحة المطلقة، أرى لزامًا عليَّ أنْ أقول إنّنا سننتهي كدولة مستقلّة على يد هذه السلطة. وإنّنا سنموت مرضًا. وإنّنا سنموت جوعًا. وإنّنا سنموت فقرًا. وإنّنا سنموت إفلاسًا. وإنّنا سنموت لكلّ الأسباب الممكنة وللأسباب غير الممكنة.

بالصراحة نفسها، أجد لزامًا عليَّ أنْ أدعو إلى مواجهة مصيرنا بأيدينا، بصرف النظر عما تفعله السلطة، في هذا المجال أو ذاك.

الثوّار المنتفضون، وخصوصًا حكماءهم ومفكّريهم ومثقّفيهم وخبراءهم واختصاصيّيهم، وفي المقدّمة قوّتهم الشبابيّة الهائلة، أجد لزامًا عليهم أنْ يجعلونا نثق بقدراتهم اللامحدودة على إنجاز المعجزة الخلاصيّة.

***

بصراحة 4

بصراحة، السؤال التحدّي: كيف يمنع الثوّار المنتفضون الأحرار موت الدولة وموت السياسة؟ وكيف يمنعون موتنا مرضًا وجوعًا وفقرًا وإفلاسًا، ولكلّ الأسباب الممكنة وغير الممكنة الأخرى؟!

إنّهم مدعوّون على الفور إلى التفكّر في كيفيّة منع موت الدولة والسياسة، وفي كيفيّة منع موتنا الفرديّ والجماعيّ.

هذه الصراحة ليست للتيئيس بل لوعي الواقع بتفاصيله، وللتحفيز.

يجب ألّا أحدٌ ييأس، بسبب هذه الصراحة.

بالعكس.

على موتنا هذا، يجب أنْ ننتفض ونثور.

ومن موتنا هذا، يجب أنْ نولد من جديد.

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم