الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هل يفوز نتنياهو ويتجاوز الملاحقات القضائية أم يأتي غانتس ويكون رابين الثاني؟

مهى سمارة
هل يفوز نتنياهو ويتجاوز الملاحقات القضائية أم يأتي غانتس ويكون رابين الثاني؟
هل يفوز نتنياهو ويتجاوز الملاحقات القضائية أم يأتي غانتس ويكون رابين الثاني؟
A+ A-

في 2 آذار، يتوجه الإسرائيليون لدورة ثالثة في انتخابات نيابية في سنة. يحتدم التنافس بين تكتّل الليكود بزعامة بنيامين #نتنياهو وبين حزب أزرق أبيض بزعامة رئيس الأركان السابق الجنرال بني غانتس، والمعركة تدور في معسكر اليمين بامتياز بين اليمين الديني المتشرّد ويمين الوسط.

المعلقون الإسرائيليون يصفون الصراع الحامي الوطيس بين المعارضين والمؤيدين للمدعي العام الإسرائيلي أفيشاي ماندلبيت الذي عليه استدعاء نتنياهو ومحاكمته أو إعفاؤه من التهم الثلاث: الرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة.

نتنياهو، 70 سنة، المتربّع على السلطة منذ 13 عاماً، مستميت للبقاء رئيساً للوزراء لتفادي المحاكمة. يتمسك بالحصانة الحكومية التي تمنع محاكمة رئيس الوزراء وهو في سدّة الحكم. رئيس الوزراء السابق يهود أولمرت دخل السجن وقضى فترة حكمه. كذلك فعل أرييل شارون. نتنياهو هو أول رئيس وزراء توجه إليه اتهامات وهو في السلطة لذلك تعتبر هذه الانتخابات مصيرية. هو يسخر من الاتهامات الموجّهة ضده ويصفها بالمفبركة وبمؤامرة من أعدائه للإطاحة به وتنحيته.

في الدورتين السابقتين في نيسان وأيلول الماضيين فشل كل من نتنياهو وغانتس بالحصول على 61 صوتاً من أصل 120 عدد أعضاء الكنيست، مما استدعى التوجّه إلى دورة ثالثة علّها أن تكون ثابتة.

هل يفوز نتنياهو أم يفشل؟ هذا هو السؤال. الحظوظ متساوية بين المرشحين والتكهنات صعبة، التنافس شديد الوطأة. الانقسامات السياسية عديدة ومتنوعة. والشروحات الإثنية والطبقية والاجتماعية كبيرة وحادة. التشرذم وعدم التجانس واضح بين المكونات الشعبية.

جميع المساعي لتأليف حكومة ائتلافية ووحدة وطنية فشلت. رفض غانتس المشاركة في حكومة يواجه رئيسها اتهامات جدية بالفساد. المراهنة على القضاء لإعلاء دولة القانون التي ستؤدي إذا سلكت العدالة طريقها بنتنياهو إلى السجن.

أمام المأزق الذي يعيشه نتنياهو والالتفاف على القضاء استنجد بصديقه دونالد ترامب الذي رتّب إعلان صفقة القرن في 28 كانون الثاني الماضي لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. التوقيت ليس مصادفة، بل مدروس ليوظف في الانتخابات وخدمة نتنياهو للفوز والبقاء في السلطة، وليكون المفاوض والمحاور لتنفيذ صفقة القرن، التي ولدت ميتة.

الصفقة بالأساس هي بنت أفكار نتنياهو ومن تأليفه وتلحينه من ألفها إلى يائها. لُقِّمت إلى الثلاثي الصهيوني الأميركي جيرالد كوشنير (صهر الرئيس ترامب ومستشاره) وفرد فريدمان (السفير الأميركي في إسرائيل) وجاسون غرينبلاط (ممثل الرئيس الأميركي في الضفة الغربية). الثلاثة غير فقهين في تاريخ القضية الفلسطينية وجاهلين بتطوراتها وتشعباتها ومنحازين لوجهة نظر الصهيونية والاسرائيلية الصرفة.

بنود الصفقة تعكس تصوّر نتنياهو ورغباته: التملّص من حل الدولتين. عدم عودة اللاجئين. ضم المستوطنات في الضفة الغربية إلى إسرائيل. السيطرة على غور الأردن وشمال البحر الميت. إعلان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. تثبيت الدولة اليهودية. ضم الجولان السوري. تجاهل كلّي للشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن وبخاصة القرارين 242 و338 ومبادئ الأرض مقابل السلام. إقامة بنتوستات فلسطينية مبعثرة وحكم ذاتي وبلديات... لا أكثر.

بالمختصر، صفقة القرن رُفضت فلسطينياً وعربياً ودولياً، وحققت مشروع إسرائيل الكبرى. وضربت بعرض الحائط الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف ومفاوضات السلام العربية الاسرائيلية في مدريد والمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية في أوسلو وكامب دايفيد وواي ريفر وقمة بيروت 2002 وغيرها.

أيام بعد عودته من واشنطن ومهرجان الصفقة الانتخابي، سارع نتنياهو وأعلن نيّة إسرائيل ضم المستوطنات في الضفة الغربية وغور الأردن وشمال البحر الميت كما جاء في الصفقة. السفير الأميركي في القدس فريدمان نصحه بالتريّث وعدم التسرّع خصوصاً أن ردود الفعل الفلسطينية والعربية والاوروبية جاءت رافضة الصفقة كلياً أو جزئياً.

نتنياهو أراد دغدغة مشاعر المستوطنين في الضفة الغربية وضمان تأييدهم له في الانتخابات. سمع بنصيحة السفير فريدمان لكنه عاد لاحقاً قبل أيام من التوجه إلى صناديق الاقتراع وأعلن بناء 3500 وحدة سكنية جديدة قرب القدس، كرشوة للمستوطنين أنه قادر على تلبية مطالبهم وتنفيذ رغباتهم بالتمسك بأرض إسرائيل التوراتية.

مناوراته ووصوليته لا سقف لهما لتحقيق غايته: تمنّى وتحيّن في الاسابيع القليلة الماضية الالتقاء بشخصية خليجية ليحظى بصورة معها لتوظيفها في الحملة الانتخابية. طلبها علناً. لإقناع الناخبين بأنه المحاور الإسرائيلي الجدي الذي يستطيع بناء جسور التعاون مع العرب ومواجهة إيران الخطر الداهم الذي يهدد الأمن الإسرائيلي والخليجي.

نتنياهو الذي يتمتع بإرادة صلبة إلى حدود الجلافة ومتابعة حقيقية ومثابرة لأي قضية خدمة لمصالحه الشخصية استطاع أن يبني علاقات حميمة مع القادة الشعبويين لأهم دولتين في العالم الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. أدار معركته في الخارج قبل الداخل. فاستحوذ على تأييد ترامب المطلق وأقام علاقات شخصية وعملانية مع بوتين، مقدماً نفسه المحاور الإسرائيلي الأبرز على الساحة الدولية.

نتنياهو يحلم ويعمل أن يكون شخصية تاريخية وليس رئيس وزراء عادياً. منذ صغره أعجب بأفكار فلاديمير جابوتنسكي المنظّر الصهيوني المتطرف الداعي إلى التشدد مع الفلسطينيين والاستيلاء على الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.

تشرّب نتنياهو أفكار جابوتنسكي مع الحليب. إذ شغل والده بنزيون سكرتيراً لجابوتنسكي وكان رئيس تحرير جريدة يومية ناطقة بآرائه هايرديم وترأس حزب حيروث الذي قلّده وسار على مبادئه تكتل الليكود وتالياً أصبح خليفته.

من هذه الخلفية العائلية والعقائدية استلهم نتنياهو الفكر اليميني المتطرف إذ كان جابوتنسكي مهندس استراتيجية المواجهة مع الفلسطينيين وإقامة الحائط الحديدي للفصل بين اليهود والفلسطينيين والداعي لاستعمال القوة العسكرية المفرطة لإجبار الفلسطينيين للاعتراف بالدولة اليهودية.

طوال سنين حكمه ظلّ نتنياهو أميناً ومخلصاً لتعاليم جابوتنسكي ومنفذاً لرؤيته بالتفوق العسكري واعتماد الديبلوماسية المتشددة. نتنياهو أول رئيس وزراء اسرائيلي طلب الاعتراف بيهودية الدولة. وأصدر في تموز 2018 قانوناً يجعل من إسرائيل دولة لليهود فقط. أي دولة الأبارتير لا الدولة الديموقراطية كما يدعون.

ينطلق نتنياهو من قاعدة يمينية دينية زراعية غير نخبوية تتألف من المستوطنين والأحزاب الدينية الصغرى المنغلقة على نفسها المحدودة العلم والخبرة والاختلاط وتعيش في الأرياف البعيدة عن المدن الكبرى معزولة ورافضة للاندماج والانفتاح على الآخر.

هذه القاعدة دون الوسطى والأقل تعليماً والأكثر فقراً هي صلب جمهور نتنياهو الذي يريد المحافظة على المستوطنات والعيش في ظل التلمود والاساطير اليهودية. استطاع نتنياهو رغم دهائه وحنكته أن يؤجّل رغبة الإسرائيليين في التغيير. بعد عقد ونيّف من الحكم المتواصل استطاع البقاء والاستمرار رقماً صعباً في المعادلة السياسية ومتجاوزاً خصومه الكثر من الوزراء والعسكريين الذين اختلفوا معه وانشقّوا عن الليكود وأسسوا أحزاباً سياسية صغيرة.

يتصرف نتنياهو بعنجهية وتكابر وسلوكيات نفرت العديد من النخب الإسرائيلية وهو لا يبالي. شراسته ومثابرته للوصول إلى غاياته مكّنته من تسخير الإعلام ليكون في مصلحته ضد خصومه.

الدورتان الانتخابيتان السابقتان أظهرتا بوضوح أن نتنياهو رغم مناوراته وشيطاناته ليس قادراً على الحصول على كل شيء، وليس في حوزته أن يبقى ملكاً متوّجاً على عرش إسرائيل. في انتخابات الليكود الأخيرة استطاع وزير الداخلية والتربية السابق، جدعون ساعد، 51 سنة، منافسته على قيادة الليكود. عمل نتنياهو المستحيل لعدم إعطاء منافسه فرصة الفوز وكسر الصورة النمطية. بقاؤه على رأس الهرم يرجح تفكيك الليكود وبروز صراع أجيال وعقليات ورؤى، ضاقت ذرعاً من هوسه بالسلطة وكلامه الجارح للحلفاء والخصوم. يلعب دائماً على عواطف الناس البسطاء وغرائزهم مصوّراً نفسه الضحية التي تتعرض إلى مؤامرات تستهدفه سياسياً وشخصياً.

ومن المآخذ الكثيرة ضد نتنياهو علاقته المشبوهة والمثيرة مع المليونير الأميركي واليهودي شلدون ادلسون، رجل القمار الأول في أميركا وصاحب كازينوات كبرى في لاس فيغاس. في 2007 أسس ادلسون جريدة يومية "إسرائيل هايوم" للدفاع عن سياسة ونهج نتنياهو. خلال فترة قصيرة استطاعت هذه الصحيفة منافسة الصحف الكبرى، توزيعاً وإعلاناً، خصوصاً صحيفة "يديعوت أحرونوت" المعارضة لنتنياهو.

نتنياهو هو الذي يجيد فنون الترويج والدعاية بحكم عمله السابق في أميركا في حقل المبيعات حاول ابتزاز ناشر "يديعوت أحرونوت" عندما قدم له عرضاً بتخفيض سعر الإعلانات والمبيعات في إسرائيل هايوم ونقلها إلى صحيفته شرط وقف الحملات ضده. رفضت "يديعوت احرونوت" العرض وأرسلت المكالمات المسجلة إلى القضاء.

بعد فوز نتنياهو في 2015 أصرّ أن تكون وزارة الاتصالات من حصّته. تخلّص من المدير العام القديم ورشّح أحد معاونيه فلومو فيلبر للمنصب. وسع سيطرته على شبكة القنوات التلفزيونية وحصر كعكة الإعلانات في شركة Wella الذي يديرها صديقه والذي وزّع الإعلانات للبرامج المؤيّدة لنتنياهو ويحرم آخرين معارضين لسياسته.

نتنياهو متّهم بالفساد والرشوة هو وزوجته وابنه. حيث تتناقل الصحف الصفراء عن حبّه لعلب السيكار الفاخر والمجوهرات والرحلات الاستجمامية المجانية التي أغدقها عليه أصدقاؤه الأغنياء من يهود أميركا وأوستراليا الذين قاموا باستثمارات واسعة في إسرائيل ومنحهم نتنياهو تسهيلات وخدمات بالمقابل.

يركز حزب أزرق أبيض على محاربة نتنياهو شخصياً سلوكاً ونهجاً اويبدي رغبة في التغيير. حقق غانتس إنجازات مهمة إذ استطاع الحزب الحصول على 35 مقعداً في الكنيست بالتساوي وربما متقدماً على نتنياهو ضمن فترة زمنية قصيرة.

غانتس ورفاقه من رؤساء الأركان السابقين والعسكريين الكبار يتوعّدون نتنياهو بالمواجهة في صناديق الاقتراع أولاً وعلى قوس القضاء لاحقاً متأملين عدم استطاعة نتنياهو الاستمرار وسيضطر إلى التخلي عن منصبه بعد أن توجّه إليه تهم الفساد والرشوة؟ حزب ازرق ابيض وزعيمه غانتس يستقطبان شرائح واسعة من المعارضين لنتنياهو، الشخص والنهج، وله مؤيدون في الأوساط اليمينية والوسطية والليبرالية إضافة إلى العسكريين. فهل يستطيع إلحاق الهزيمة بنتنياهو؟؟

الانتخابات ستكون مفصلية ومصيرية محورها وقطبها بقاء أو إزاحة نتنياهو؟ إذا قدّر تغييره فإسرائيل بعد نتنياهو لن تكون كما قبله. نتنياهو وقف سدّاً منيعاً للتغيير والسلام وأبقى القديم على قدمه وأسوأ... فهل يكون غانتس بديلاً وهل يستطيع بمناقبيته العسكرية أن يحذو حذو اسحق رابين ويكون المحاور الصادق مع الفلسطينيين والاسرائيليين؟؟ هذا هو السؤال.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم