الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الفلسفة العبثية : جذور وامتداد

ابراهيم صالح حسن
الفلسفة العبثية : جذور وامتداد
الفلسفة العبثية : جذور وامتداد
A+ A-

انتشرت الفلسفة العبثية في أوروبا في القرن التاسع عشر كالنار في الهشيم، مسمتدةً أصولها وجذورها من الفلسفة الوجودية لسورين كيركغارد الفيلسوف الدنماركي والتي اهتمت بجوانب الإنسان فقط، مهملة الجوانب الأخرى، أي أن الإنسان هو المسؤول عن سعادته وإيمانه وحياته وأسلوبه، دون الاحتياج لأي مؤثر خارجي، والفلسفة العدمية والتي تعني أن الحياة خالية من أي معنى سواءً الغاية التي توجدها بنفسك أو المعنى جوهريه وتعود لفردريك نيتشه. وقد ولدت العبثية كخط فلسفي جديد لأبرز شخصيات مذهب العبث الفرنسيين صامويل بيكيت عام 1906 ثم تطورت على يد الفيلسوف الفرنسي الجزائري ألبرت كامو بعض المفاهيم من الخط الفلسفي ونشر رواية "أسطورة سيزيف". وبذلك يمكن القول إن العبثية كتيار أدبي في فرنسا، ومن هناك انتقلت إلى مختلف الآداب العالمية وخاصة تلك الدول التي عانت من ويلات الحرب.

وتقوم فكرة الفلسفة العبثية على أن الإنسان في حال البحث عن معنى الحياة والكون من عدم معناها يجب أن يعمل ثلاث طرق: أولاً، إما الهروب من الحياة أي وهذا لا يعني (الانتحار) الهروب فكرياً والعزله، وقد عد الانتحار وسيلة غير صحيحة للتخلص من الآلآم . وثانياً، الإيمان بالمعتقدات الدينية والروحية التي تؤمن بعالم متعالٍ والعيش في حالة من الخمول والركود والوهم الديني . وثالثاً، الإيمان بالعبثية. وتعني أن الإنسان يحاول عبثاً الوصول إلى الحقائق، وأن الكون عبارة عن مجرد أوهام وتخيلات لاتوجد فيه نهايات مطلقة، لذلك باعتقاد الفلسفة العبثية، فإن البشر يحاولون تاريخياً إيجاد معنى لحياتهم، وغالباً ما تودي نتائج هذا البحث تقليدياً إلى إحدى نتيجتين: إما أن الحياة لا معنى لها، أو أن الحياة تحوي في داخلها على غرض منصوص من قبل سلطة أعلى.

وبذلك فإن الفلسفة لاترى أن السلوك إلا هنالك، أي مضمون حقيقي لتصرفات الإنسان وأفعاله سواء كانت في الخير أو الشر الإنساني في العالم المعاصر، وذلك نتيجة ما قيل إنه الفراغ الروحي والابتعاد عن الإيمان الذي لا يكون للحياة معنى وغاية من دونه. كما يرون أن الآلة التي سيطرت على الإنسان في المدنية الغربية أدت إلى تحلل المجتمع وتفككه، ولم يعد هناك روابط أسرية أو اجتماعية، إضافةً إلى أن تصوير الحياة المعاصرة وما فيها من تشتت وفقدان للرؤية الواضحة يُحوِّل الحياةَ إلى وجودٍ لا طعم فيه ولا معنى. وقد تأثروا بآراء فرويد في علم النفس التحليلي وما فيه من إيحاءات وأحلام وأوهام، لذلك فان كامو قد خلص إلى فلسفته بشأن العبث عن طریق التمرد علیه ومجابهته، وفي ذلك فقط تكمن أصالة تفكیره، إذ إنه الوحید من بین الفلاسفة الذي خرج بنتیجة عن العبث من دون أن یترك الفكرة مجردة من كل حل.

و آخر العبثيين هو ميلان كونديرا روائي فرنسي من أصول تشيكية، وهو من أشهر الروائيين اليساريين، حصل على جائزة الإندبندنت لأدب الخيال الأجنبي في العام 1991. في روايته حفلة التفاهة اذ يقول اللامعنى يا صديقي هو جوهر الوجود. وهو معنا دائمًا في كل مكان، إنه موجود حتى حيث لا أحد يريد أن يراه: في الأهوال وفي الصراعات الدموية وفي أخطر المآسي، ولكن ليس المقصود هو التعرف إلى اللامعنى بل التعلق به وتعلّم كيفية الوقوع في حبه، صديقي، تنفس هذه التفاهة التي تحيط بنا، إنها مفتاح الحكمة، مفتاح المزاج الجيد والرضا.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم