الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الإقطاعية الجديدة

عمار الحيدري
الإقطاعية الجديدة
الإقطاعية الجديدة
A+ A-

في القرن التاسع قال ملك إنجلترا ألفريد العظيم: "الله خلق العالم على شكل مثلث، ضلع يحكم وضلع يصلّي وضلع يخدم الضلعين الآخرين". والضلع الذي يحكم والذي يصلي لهما السيادة وهما الضلعان القائمان، أما الضلع الأفقي فهو الذي يخدم الآخرين، فالقائم له السيادة، والأدنى هو العامة، فالذي يحكم هم الأمراء (الساسة) والذي يصلّي هم رجال الدين (الطائفية)، والذي يخدم هم الفلاحون (الشعب)، والواضح هنا أن الملك (الوطن) لم يذكره ألفريد في هذا المثلث ولكنه كان على عرش المثلث ولكن السلطة كلها للأمراء ورجال الدين.

هذا ما نعيشه الآن في درك هذه الحياة وخاصة في الوطن العربي بشكل عام، وفي لبنان بشكل خاص، ومَن منا لا يعي هذا المفهوم، غير أنّنا لا نريد كسر هذه الحلقة المفرغة التي ندور حولها من دون كلل أو ملل أو يقظة من خذلان.

ندور حولها رغم أننا نعي بأنها سلبت كراماتنا وأموالنا واستنزفت مقدرات أوطاننا ومستقبل أبنائنا، وأنتجت ما يسمى الفوضى الخلاّقة وزرعتها داخل مجتمعاتنا لنبقى مخدرين بالغباء المدقع، متلحفين بالذل الذي ارتضيناه بملء إرادتنا، واضعين عمداً غشاوة مصطنعة على قلوبنا قبل أعيننا لنوهم أنفسنا بأعذار واهية بلهاء من صنع أوهامنا المريضة.

إن معاناتنا ليست من الإقطاعية الجديدة (مثلّث ألفريد) بل من النهج الذي كرّسناها على أنفسنا جراء اختياراتنا من جهة، وسكوتنا عن الباطل والتصفيق له من جهة أخرى، ما جعل الفرعون (الساسة) يكبر ويتغلغل أكثر فأكثر ليهيمن على مقدرات الأوطان ونهبها وتسخير ما تبقى لخدمته وخدمة مصالحه ومن معه دون حسيبٍ أو رقيب من الرعية (الشعب).

فمن يُصلح الرعية إن كان الراعي ضارباً بالطبل، ومن يُصلح الملح إذا الملح فسد؟

إن رجلاً ما من قبيلةٍ ما إذا فَسَد أصلحه شيخ القبيلة كما يُصلح الملحُ اللحم!

فمن يُصلح الشيخ إذا الشيخ فسد؟!

ومن يصلح الحاكم إذا الحاكم فسد؟!

ومن يصلح الشعب إذا الشعب فسد؟!

الإصلاح يبدأ من رأس الهرم وليس العكس، فالأَولى بإصلاح أهل السلطة وأهل الحلّ والربط ومن بيدهم مفاتيح التحكم بأمور الرعية.

فإن لم يقم بما يتوجب عليه من حقوق تجاه الرعية وجب على الرعية أخذ حقها بنفسها إن كانت تملك تلك الكرامة، وإلا فلتركب الذل طيلة حياتها البائسة.

إنّ تقدم الأوطان مرهونٌ برقي ووعي شعوبها ونهضتهم من تقوقعهم وعدم تمسكهم بآلهة بشريين صنعوها بأنفسهم ليقدموا لهم فروض الخنوع (الطاعة العمياء) مقابل فتات من حقوقهم البديهية التي هي من مسلمات الحياة الطبيعية لأي إنسان يملك الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم.

خلاصة القول... لنقارن هذه النظرية على واقعنا اللبناني مثلاً:

طبقاً لإحصاءات رسمية للإنتخابات النيابية لعام ٢٠١٨ الصادرة عن وزارة الداخلية والبلديات:

إن عدد الناخبين حسب لوائح الشطب هو 3.747.483 ناخباً

وإن عدد المقترعين حسب لجان القيد هي 1.861.203 مقترعاً

بمعنى أن 49% من المقترعين أدلوا بأصواتهم وأنتجوا هذه الطبقة السياسية،

وأن 51% من المقترعين لم يدلوا بأصواتهم، فكانت أصواتاً سلبية ساهمت بشكل غير مباشر بإنتاج هذه الطبقة السياسية أيضاً.

أما كان الأجدى بمن لم يقترعوا لو أنهم قاموا بالتصويت لمن يستحقون لكانوا أنتجوا طبقة سياسية قادرة على إدارة العباد والبلاد بشكل يليق بهم؟

أختم بكلام الله (إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم).

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم