الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

موشّح "أخفي الهوى" لهيّاف ياسين فائزاً بجائزة التأليف: عمل أصيل متجدّد من داخله

عمار مروة
موشّح "أخفي الهوى" لهيّاف ياسين فائزاً بجائزة التأليف: عمل أصيل متجدّد من داخله
موشّح "أخفي الهوى" لهيّاف ياسين فائزاً بجائزة التأليف: عمل أصيل متجدّد من داخله
A+ A-

موشّح "أخفي الهوى" الذي جعل الدكتور هيّاف ياسين يفوز بجائزة التأليف الموسيقي لفنّ الكتابة للموشح، والتي ينظّمها المجمع الموسيقي العربي كل سنتين، هو عباره عن لحنه الخاص لقصيده الشاعر الصوفي العبّاسي العربي المعروف بسلطان العاشقين عمر بن الفارض (1181 -1234، مصر). نعرض هنا أهمية هذا الموشّح.

1- َينتمي هذا الموشح تماماً إلى المنظومة التّقليديّة المعروفة في صناعة الموشّح منذ مئات السنين، إذ تمّ احترام شكل قالبه بالكامل الّذي يتألّف من دور أول ودور ثانٍ وخانة وقفلة. كما تم إعطاؤه بامتياز طابع التّرنم المعروف في صناعة الموشح، مع استخدام لمفردات عربيّة وأخرى "عجميّة" غريبة عن قاموس الّلغة العربيّة الأصيلة، لتعزيز ذلك التّرنّم، مثال: (أمان – جانم – آه – يا لالالي...) كما تمّت المحافظة على اللّغة الموسيقيّة المقاميّة المشرقيّة العربيّة الأصيلة في تلحينه، حيث ارتكز موشحنا هذا على إيقاع ٨/١١ وهو يتوسل بقوه مقام"المحّير" المنحدر كفرع من عائلة مقام البيّاتي الكبير، بالإضافة إلى التّطرق لفروع متعدّدة (كالقارجغار البيّاتي الشّورّي) والطّاهر والحسيني إلخ....) ، ولَحن الموشح ُمشبَّك بضربٍ إيقاعي أعرج طويل هو "العويص" الّذي يتألّف من تسلسل 11 عنصراً إيقاعيًّا (تم ذكرها ذلك في مدونة الموشح)؛ وبالتّالي يمكن اعتبار هذا الموشّح بأنّه عمل أصيل متجدد من داخله.

2- التّجديد الأساسي والأبرز الّذي يحمله هذا الموشح، يكمن في أنّه يطرح ارتجالات غنائيّة تجاوبيّة الهوية بين المطرب من جهة وبين بطانَته (جوقته الصغيرة)من جهة ثانية، وذلك على شاكلة أسلوب "الهنك" الصعب، والّذي كان سائداً في مدرسة النّهضة الموسيقيّة العربيّة (1798-1939). ولكن هذا "الهنك" طُرح على دورة إيقاعيّة طويلة وعرجاء أي (العويص)، والّتي لم يسبق أن تم استخدامها في عصر النّهضة وما بعده (يمكن مراجعة أرشيف الموشحات على أسطوانات 78 لفّة في كل من بلاد الشام ومصر). فأسلوب "الهنك" المعقّد كان بالإمكان إيجاده بكثرة ووفرة على ضروب ثنائيّة كالوحدة مثالاً (كموشح أتاني زماني، مجهول التّلحين من مقام راست الكردان)، وعلى ضروب ثلاثيّة كالسّماعي دارج أو اليورك (كموشح حبّي ملك وهو مجهول التّلحين من مقام الراست) وهكذا دواليك وصولاً إلى ضرب السماعي الثّقيل العشرّي، والمثال الأبرز هنا هو "موشح ملا الكاسات" المعروف لمحمد عثمان (1855-1900 مصر)، وهنا المفارقة، إذ إنّ الموسيقيّين العرب لم يقترحوا أبداً استناداً إلى التّسجيلات الّتي قد وصلتنا من تراث عصر النّهضة أي موشح فيه أسلوب "الهنك" الارتجالي على أي دورة إيقاعيّة تتجاوز طول العناصر الإيقاعيّة العشرة المعتمدة في السماعي الثقيل (دم اس اس تك اس دم دم تك اس اس). وهنا تأتي هذه الصيغة المتواضعة من قبلنا لموشح "أخفي الهوى"، لتقاربَ هنكاً جديداً تطرحه على دورة إيقاعيّة عرجاء وأطول هي العويص، وذلك انطلاقاً من نص الخانة (يا محرقًا بالنّار وجه محبه...) وفي عدّة مقامات هي: راست النّوى – سيكاه الأوج – بياتي المحيّر – صبا المحيّر – عجم المحيّر...ولمدّة طويلة أساسيّة من صلب بناء الموشح تصل إلى قرابة 4 دقائق.

ثالثاً: يُحافظ الأداء على طابعه التّأويلي الأصيل بعيداً من منطق الالتزام بحَرفيّة النّص الموسيقيّة، وتأخذ المجموعة الموسيقيّة شكل "التّخت الموسيقي التّقليدي" لتُحافظ على علاقة الارتجال الآنّي في الأداء وعلى تعزيز "الهيتيروفونيا" اللّحنيّة فيما بينها، وتُبرز مكانة المطرب المنفرد في الأداء الغنائي الّذي تحتضنه بطانته الموسيقيّة، فتشاركه غناء الشق الأكبر من الدّورين والقفلة وتجاوبه في عمليّة "الهنك" من خلال تكرارها تلك الألحان الثّابتة الّتي يقترحها المطرب آنيًّا بدوره. هذه المسائل مجتمعة تجعل من الكافي أن تكون هناك مدوّنة واحدة لكل التّخت مع المطرب وبطانته، دون الاضطرار إلى اللّجوء إلى مدوّنة خاصة بكل آلة، أو أخرى للمطرب دون بطانته. كما تم اعتماد أسلوب التّدوين البسيط والمختزل، المتفاوت بدوره عن طبيعة الأداء التأويلي المختلف، وتم الاستغناء عن تدوين جمل "الهنك" المرتجلة من قبل المطرب، كما وتم اعتماد وجهة التّدوين من اليمين إلى اليسار أسوة بمسار اللّغة العربيّة ذاتها، وهذه طريقة معتمدة اليوم في أرقى كليّات الموسيقى في الوطن العربي منذ قرابة العقدين.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم