الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هذا "الأبد" يجب إنهاؤه

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
هذا "الأبد" يجب إنهاؤه
هذا "الأبد" يجب إنهاؤه
A+ A-

إلى متى يعتقد أطراف الطبقة السياسيّة – الطائفيّة، في لبنان، أنّهم باقون في السلطة، مباشرةً أو مداورةً؟ إلى متى؟

طبعًا هو سؤالٌ افتراضيٌّ مفتوح، عناصرُهُ الموضوعيّة والواقعيّة كثيرةٌ ومتشابكة، وتعمل وفق آليّاتٍ منظورةٍ وغير منظورة، لـ"تأبيد" تحكّم هؤلاء الأطراف بمفاصل السلطة والحكم في الجمهوريّة اللبنانيّة غير السعيدة.

لكنْ، إلى متى؟ أإلى سنة؟ أإلى عشر سنين؟ أإلى عشرين أم مئة؟

وبعدين...؟!

في الأخير، سيشكّون على رؤوسهم شَكًّا. لا محالة.

هذا ما تفيدنا به فلسفة التاريخ، وحركته.

المسألة هذه، لا تخضع للأقدار، ولا لتنجيم المنجّمين، ولا لادّعاء المدّعين.

في ضوء هذا المعطى التاريخي، بيننا وبين هؤلاء الأطراف، أطراف الطبقة السياسيّة – الطائفيّة اللبنانيّة، "حربٌ" لا هوادة فيها.

إنّها "الحرب" في مفهوم حركة التاريخ، وليس وفق مفهوم الأكثريّات والأقليّات الذي هو عرضةٌ للتغيّرات والتقلّبات، ولا وفق مفهوم التحالفات الظرفيّة الطارئة، ولا خصوصًا وفق مفهوم السلاح مثلًا، أو المال، أو الاستيلاء على المقاليد والمناصب والوظائف.

هذه العوامل كلّها، وهي موضوعيّةٌ بالكامل، لكنْ متغيّرة ومتبدّلة، لا تبقى على حالٍ راسخةٍ من الأحوال، وهي غير قابلةٍ للديمومة والاستمرار إلى ما لا نهاية. لأنّ التاريخ متحرّك، وكذلك هي العوامل الموثّرة فيه، والمتفاعلة معه.

هذه الحال اللبنانيّة الراهنة، التي تتجلّى في استيلاء حلف العهد – "التيّار الوطنيّ الحرّ" – "حزب الله" – حركة "أمل"، على مقاليد السلطة، هي غير قابلةٍ للاستمرار "الأبديّ"، أكان ذلك بالطرق "الديموقراطيّة"، أم بالتغرير، بالترغيب، بالترهيب، بالتأجيج، بالمكر، بالتلاعب، بالقفز، بالانتهاز، أم بسوى ذلك من الأساليب المعروفة وغير المعروفة، المشروعة وغير المشروعة.

قبل استتباب هذه الحال المهينة، كان ثمّة أحوالٌ لبنانيّةٌ، متعدّدةٌ ومتنوّعةٌ ومتنافرةٌ، سياسيّةٌ – طائفيّةٌ، مشابهةٌ، أو مختلفةٌ، حملت إلى السلطة أطرافًا "أبديّين" آخرين، لم يتركوا كبيرةً أو صغيرةً إلّا ارتكبوها. تمامًا كما يفعل هؤلاء المستولون حاليًّا على المقاليد.

كم استمرّ استيلاء أولئك السابقين "الأبديّين" على المقاليد؟ وإلى متى استمرّ الاستيلاء!؟

هذا لأقول: لا مكان لـ"الأبد"، ولا لـ"التأبيد" في مثل هذه "الحرب" الدائرة، ودائمًا على ضوء حركة التاريخ.

في مثل هذه "الحرب"، لا مكان لـ"الأبديّين".

عاجلًا أم آجلًا، وفق حركة التاريخ، وفلسفته، سيجد هؤلاء الأطراف السياسيّون – الطائفيّون، سيجدون أنفسهم أمام متغيّراتٍ جمّة، معقّدة، متراكبة، داخليّة وغير داخليّة. وآنذاك لن تقوم لهم قائمة في السلطة.

هذا ما يعلّمنا إيّاه التاريخ. عِبَرُهُ كثيرةٌ، لا حصر لها.

لبنان شهد هذه العِبَر، وعاشها، وخبرها. ولم يترك "أبدًا" واحدًا يستولي عليه "إلى الأبد".

كلّهم إلى زوال. كلّ "الآباد" إلى زوال.

وعليه، سيجد هؤلاء الأطراف المتحكّمون باللعبة السياسيّة أنفسهم أمام الطرق المسدودة. وآنذاك يكون البكاء وصريف الأسنان.

لكنْ، مهلًا.

إنّ التأثير في حركة التاريخ، وفي مجرى الأحداث السياسيّة والمجتمعيّة، يتطلّب من "المتضرّرين" الدولتيّين الأحرار المدنيّين العلمانيّين أنْ يتبصّروا في كيفيّات لجم الضرر اللاحق بهم وببلدهم، وتضييق الخناق عليه، وسدّ السبل أمام استمراره.

يستلزم هذا التبصّر من "المتضرّرين"، الانقضاض الرؤيويّ، العقلانيّ، المنهجيّ، المنظّم، على "المنتفعين".

"المتضرّرون" الحقيقيّون هم أنتم: الناس. فقط الناس.

لا يعنيني في شيءٍ، أنّ يحلّ طرفٌ سياسيّ – طائفيٌّ "أبديٌّ" غاشم محلّ الطرف "الأبديّ" المستحكم الآن بالسلطة.

هذا لا يعنيني في شيء. وينبغي ألّا يراهن عليه أحدٌ من "المتضرّرين" الأحرار، الثوّار، الفقراء، الأنقياء، الأوادم، الذين تقع على عاتقهم – الآن وهنا – مسؤوليّةٌ تاريخيّةٌ في استبصار الرؤى والخطط والمناهج والآليّات لإنهاء هذا "الأبد" الذي طال أمده.

ولإنهاء كلّ "أبدٍ" مماثل.

لم يعد ينفع العمل العشوائيّ، المنفعل، المبعثر، المفكّك، المتضارب حينًا.

لم يعد يجدي مثل هذا العمل، على رغم الإيجابيّات الكثيرة (نعم الكثيرة) الكامنة فيه.

"المتضرّرون" من حال الاستيلاء الراهنة، من خارج الطبقة السياسيّة – الطائفيّة، مدعوّون فورًا لإنهاء الضرر الجوهريّ والتاريخيّ الفادح، اللاحق بالدولة وبالدولتيّين، بالجمهوريّة وبالجمهوريّين. والسلام.

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم